الجوائز الأدبية كانت شحيحة ونادرة في مصر والعالم العربي، بعضها كانت تمنحه بعض الشخصيات العامة، والأخرى الجمعيات الأهلية، والدولة. كان الهدف الرئيس هو تكريم بعض المبدعين من الروائيين والشعراء والقصاصين والكُتاب على منجزهم الإبداعي البارز على خريطة الجنس الأدبي الذي يبدعون في إطاره. من هنا لم يكن المبدعين يركزون على التكريم والجوائز، وإنما على مشروعاتهم الإبداعية في الرواية والقصة القصيرة والشعر، والكتاب على بحوثهم ودراساتهم في الفلسفة، والعلوم الاجتماعية. كان الفكر الخلاق والجديد هو مسعى هؤلاء وأولئك، وكان الاعتراف بالقيمة الأدبية والفنية من الحركة النقدية هو غاية ما يتمناه المبدع والمبدعة. من ثم كانت معارك الأدباء والكُتاب مع السلطة السياسية تدور حول القضايا العامة للدولة والمجتمع، أو نقد الاستعمار الغربي في إطار الحركات الوطنية آنذاك. كان الاشتغال على الكتابة وتقنياتها وبنياتها وقضاياها وسرودها وتجاربها، هو محور اهتمامات الكاتب، والسعي إلى معرفة التجارب الغربية الأخرى في الرواية، والشعر والقصة، أو آخر النظريات الفلسفية والسوسيولوجية، وعرضها والتعامل النقدي والمقارن معها، وتقديم هذه الأفكار أو السرود الأدبية إلى القارئ المتخصص، والعام والجماعة الثقافية عمومًا في العالم العربي، أو داخل بلاده. لم يكن هناك حالة من التكالب على الجوائز المحدودة والنادرة، أو الصراع للحصول عليها، وإنما التنافس من أجل الارتقاء بنوعية الكتابة السردية والفكرية، وأن قيمة ومكانة المبدع والكاتب تتمحور حول عمله وكتابته وتراكماتها وتحولاتها النوعية في الحقل الأدبي أو الفلسفي أو الفكري. في أعقاب بناء الدولة الوطنية ما بعد الاستقلال، كان الكتاب والمبدعين جزءًا من التوترات الفكرية والسياسية في بلادهم، مع السلطات الحاكمة، وكان بعض الكُتاب يدافعون عن آرائهم وانتماءاتهم الأيديولوجية التي كانت في غالبها ضد اتجاهات وسياسات السلطات الحاكمة، لاسيما من الماركسيين واليساريين عمومًا، والليبراليين ممن يختلفون سياسيًا مع النخب السياسية الحاكمة ومشروعاتها وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية، أو رفضهم للقيود الثقيلة التشريعية والأمنية على حريات الرأي والتعبير والصحافة والإذاعة ثم الإعلام المرئي بعد ظهوره. هذا الطابع الصراعي مع المثقفين والمبدعين، أدى إلى سياسة إقصائية واستبعادية لعديد من الموهوبين والمبدعين، ووصل الأمر إلى القمع المادي من خلال اعتقال وسجن بعضهم. في مواجهة الكتاب والمبدعين الأحرار، وكانت الحظوة لكتاب السلطة وشعرائها وروائييها، في النشر في الصحف والظهور في وسائل الإعلام، وفي العمل في أجهزة السلطة الثقافية الرسمية، أو الصحف والمجلات. قامت السلطات الرسمية بعد الاستقلال بإنشاء جوائز الدولة السنوية في عديد المجالات، الأدبية، وفي العلوم الاجتماعية، والعلوم الطبيعية التي كانت تمنح سنويًا إلى ما يعتبرهم النظام ولجانه الرسمية كبار المفكرين والشعراء والروائيين والقصاصين، ممن تكرسوا رسميًا، أو جوائز تشجيعية للشباب، أيًا كانت هذه المسميات، وظلت هذه الجوائز تتكاثر في نوعها ومقابلها المادي. الملاحظ عمومًا في مصر، وغالبُ البلدان العربية التي تمنح سنويًا هذه الجوائز أنها كانت سلطوية بامتياز وتخضع لمعايير الموالاة للسلطة الحاكمة، ومن ناحية أخرى كانت ولا تزال تخضع لمؤثرات حكومية على اللجان، أو بعض أساليب الشللية والتواطؤات داخل هذه اللجان. من ثم أخذت هذه الجوائز تفقد تدريجيًا قيمتها الرمزية وأهميتها لأن عديدين ممن حصلوا عليها لم تتوافر فيهم الشروط الموضوعية من الريادة أو السبق أو التجربة المتميزة، أو المشروع السردي الجديد، أو الفكري والفلسفي الذي شكل إضافة في تخصصه. هذا المسار المعروف للحصول على الجوائز أدى إلى امتناع بعض المبدعين والكُتاب النابهين إلى عدم التقدم إلى هذه الجوائز أو الاهتمام بها أساسًا. من ناحية أخرى ذهب كُثر وبعضهم أو غالبهم ليسوا على ذات المستوى من القدرة أو المكانة إلى استخدام الوساطات والشللية والموالاة من أجل الحصول على هذه الجوائز. من ثم لم تعد معايير الكفاءة والموهبة والإنجاز هي الأساس. من ناحية أخرى بروز ظاهرة الكتب والروايات الأكثر مبيعًا، وهي لعبة نقوم بها دور النشر للترويج لبعض كتابها وأعمالهم أيًا كانت قيمة هذه الكتب أو الروايات، ناهيك عن تواطؤ هذه الدور مع بعض الصحفيين للنشر المتكرر عن هذه الأعمال لإعطاءها المزيد من الرواج لدى بعض القراء من ذوي الخبرة القرائية المحدودة، لاسيما من بعض الأجيال الجديدة. ساعد على اتساع الفجوة بين الإنتاج الإبداعي، وبين الذيوع، والجوائز على ابتعاد كبار المبدعين – من حيث الإنجاز وليس العمر- عن هذه الجوائز وهذه الألعاب منصرفين إلى عملهم الكتابي والروائي، خاصة في ظل تراجع كبير في الحركة النقدية التي يغشى غالبها الغيبوبة، وروح التواطؤ في الترويج لبعض الكتاب دون آخرين بقطع النظر عن المعايير النقدية الموضوعية. هذه التغيرات أدت إلى فوضى في الحياة الثقافية، وإلى شيوع التنابذ والأقاويل والشائعات والنميمة التي لا علاقة لها بالقيمة الإبداعية، والإنجاز. أخطر تغير حدث في مجال الجوائز وعلاقتها بالإبداع والنوعية الكتابية، هي الجوائز التي خصصتها بعض الدول العربية النفطية، أو بعض الشخصيات العامة في منطقة الخليج والسعودية، والتي استهدفت تحقيق عديد من الأهداف وعلى رأسها ما يلي: 1- إبراز الوجه الثقافي لسياسات هذه الدول، وأنها تخدم الثقافة والمثقفين، وتقدر إبداعاتهم وأعمالهم. 2- محاولة تجميل صور هذه الدول التي تفرض القيود على الحريات العامة، لاسيما تلك المتصلة بحريات الرأي والتعبير والنشر، أو قمع الآراء المعارضة، وأبرز هذه الأمثلة العراق تحت حكم صدام حسين والدول النفطية الأخرى. 3- محاولة بعض رجال المال والأعمال إبراز دورهم الثقافي في داخل بلدانهم أو على المستوى العربي. نظرًا لكثرة هذه الجوائز وارتفاع القيم المالية لها، تحولت إلى بؤر جازبة لمئات بل وآلاف الروائيين والشعراء والقصاصين، والكُتاب، ولم يعد مسعى الكاتب هو تحقيق مشروعه أيًا كان تجربة وإتقانًا وإبداعًا وإنما اللهاث سنويًا وراء إنجاز عمل ما روائي أو نقدي أو فكري لكي يتقدم به إلى إحدى هذه الجوائز للحصول عليها، من ثم كان تأثيرها سلبيًا على مسارات تطور الإبداع والفكر العربي الراهن، لاسيما بعد خضوع غالب هذه الجوائز لمعايير التدوير السنوي بين المرشحين من جنسيات عربية مختلفة بقطع النظر عما إذا كانت أعمالهم هي الأفضل من ناحية الجدارة الإبداعية أو الفكرية. من ناحية أخرى الموازنات والتوازنات في تشكيلة لجان التحكيم، وتغليب بعضها العلاقات الشخصية في الحياة الثقافية العربية، والتوازن في الاختيارات على هذا الأساس، وهي تحيزات مؤثرة على الاختيارات وتؤدي إلى انحسار الموضوعية في التقييم النقدي، ناهيك عن أن اختيار بعض أعضاء هذه اللجان التحكيمية لأشخاص دون المستوى من حيث المكانة أو الإنجاز أو الحضور الثقافي عربيًا وداخل بلدانهم، وبعضهم الآخر يتم اختياره لارتباطه بالسلطة الثقافية الرسمية، أو لكونه أحد وجوهها! من هنا أدت الجوائز إلى إنتاج رواج كتابي، غالبه لا يمثل إضافات حقيقية ونوعية في مجاله، وأدت أيضًا إلى تآكل القيمة الرمزية لهذه الجوائز وتراجع أهميتها وتأثيرها في أوساط النخبة المثقفة ذات القيمة والوزن الإبداعي والثقافي، وهكذا أخذت في التراجع والذبول أيًا كان اهتمام الإعلام السطحي بها، أو لهاث المئات والآلاف سنويًا وراءها كقيمة مالية، ولكنها بدأت تتحول إلى سراب لا يؤسس لقيمة أو مكانة أو سلطة رمزية في الحياة الثقافية العربية.