كل الناس طيبون.. لا أحد خبيث ولا أحد شرير وليس هناك من يبغى بك سوءا. تستطيع أن تمنح ثقتك للجميع وتستطيع أن تأتمن الأصدقاء على أسرارك وأنت واثق من أن السر فى بير. وإذا كان البعض يضيق بمن يثقل عليه ويضع ثقته فيه ويرمى الكرة فى ملعبه عندما يبوح له بأسراره ويضع على أعتابه مكنون نفسه وما يمور بداخله من أشياء بعضها يخزيه أن يُعرف عنها، فإن هذا البعض رغم ذلك لن يغدر بصاحبه ولن يفشى سره. وربما كان هذا ما يشجع الناس على الفضفضة والبوح للأصدقاء الأوفياء، وبثهم الأسرار مهما كانت أهميتها ومهما بلغ حرجها. لهذا فعلى من ينصحون الناس بالكتمان وطى الصدور على الأسرار أن يوفروا جهدهم لأن أحدا لن يمتثل! ومع ذلك فلا بد أن تعرف الآلية التى يتم التعامل بها مع الأسرار ليس فى المجتمع العربى فقط ولكن فى المجتمع الإنسانى الشامل وبين بنى البشر فى كل زمان ومكان.. والمسألة تبدأ بأن تنتحى جانبا بصديق عزيز تعتبره جزءا منك وتثق به ثقة عمياء وتخبره بسرك، مع التشدد فى أخذ العهود والمواثيق بأن هذا الكلام بينك وبينه فقط ولا يجب أن يبرح باب الغرفة. ولأن هذا الصديق هو شخص محترم مثلك ولا يختلف عنك، فإنه سيفعل الشىء نفسه.. هو لن يخونك ولن يفضحك ويخبر الأوباش بسرك، لكنه سينتقى أفضل أصدقائه المعروف بالحكمة والأخلاق الحسنة وسيطلعه على السر، وهو واثق بأن المسألة لم تخرج برة لأن هذا الصديق لن يبوح به مطلقا! ولك أن تتأكد أن صديق صديقك هذا رجل فاضل يعرف مكارم الأخلاق ولن يلجأ للدنية فى السلوك، لهذا فإنه سيصون سرك وسيحفظه بين ضلوعه، ولك أن تطمئن إلى أنه عندما يشق عليه الأمر فإنه لن ينزل للمستويات الدنيا ويلوك سيرتك، لكنه سيخص بسرك واحدا من أفاضل الناس المشهود لهم بالتقوى والورع والبعد عن السلوك الملتوى.. وبهذا يكون قد أراح نفسه ونفض عنها الحمل الثقيل ومع هذا لم يخن الصداقة عندما أودع السر شخصا واحدا فقط هو من ثقاة الناس! ومن الطبيعى أن هذا الرجل الأخير التقى الورع سيطوى قلبه على السر ولن يحكى تفاصيله إلا لأقرب الناس إليه وأحبهم إلى نفسه.. زوجته الفاضلة وأم العيال التى قد تحتمل الضرب بالسيف ولا تغدر برجلها الذى هو مصدر فخرها وعزها، ولا يمكن أن تفضح واحدا من أصدقائه أو أصدقاء أصدقائه، كما أنها ستظل وفيّة لتربيتها الحسنة وأصولها السامقة، لهذا فإنها بعد أن يبدأ الصداع النصفى فى مهاجمتها كل يوم من ثقل الحمل الذى تحمله ستستعين بأمها العاقلة الحكيمة وتعرض عليها السر بعد أن تستحلفها لأجل صيانته وحفظه. وغير خاف على حضراتكم أن الأم الراقية ابنة الأصول سليلة الحسب والنسب ستتعامل مع الأمر بما يليق ولن تبوح بة لأسافل البشر الذين قد يستغلونه فى السوء، ولن تُطلع عليه مخلوق سوى جارتها الطيبة المتدينة التى حجت إلى بيت الله الحرام سبع مرات. فى الواقع أنه بعد مرور أسبوع سيكون نحو عشرة آلاف إنسان قد عرفوا السر، وبعد مرور أسبوعين سيكونون قد بلغوا مئة ألف، وبعد شهر لن يمكن إحصاء من عرفوا.. لكن تظل الحقيقة ساطعة وهى أن أحدا لم يفش السر، وأنهم جميعا قد حفظوا العهد وحافظوا على الوعد ولم يتحدثوا فى الأمر لدى من لا يراعون الله، وإنما انتقى كل منهم من بين أصدقائه شخصا وفيا أمينا باح له وحده، وذلك حتى يظل السر إلى الأبد فى طى الكتمان!