حفظ السر دليل قوي على رجولة المرء ومتانة شخصيته وخلقه، فهو يعرف أن إفشاء السر يؤدي إلى الخصام والتقاطع وزرع الحقد والغيظ في النفوس. والمؤمن الموفق هو الذي لا يفشي سره إلى أي إنسان وعليه أن يختار ويدقق في اختيار من يأتمنه على أسراره حتى لو كان من أقرب الناس إليه. فإن اضطره الأمر وغلبه، أودعه العاقل الناصح له، لأن السر أمانة وإفشاءه خيانة والعاقل من حذر صديقه. هناك أناس مولعون بإفشاء الأسرار وذلك لتحقيق مكاسب دنيوية. قال صديق لي ماذا تقول في إنسان ائتمنته على أسراري وذلك لثقتي فيه، ولأنه يبدو أمام الناس أنه أهل لكل عمل صالح، وفجأة ولغرض دنيوي كان يريد أن يعين ابنه في الشركة التي أعمل بها، ولكي يتقرب من رئيسي في العمل والذي لا يهدأ له بال أو تستريح نفسه حتى يعرف أسرار كل واحد في الشركة، فقام بمقابلة رئيسي وحكى له كل شيء عني لكي يضمن لابنه الوظيفة، وعندما قابلته قال لا تؤاخذني فأنا أريد عملاً لابني، فقلت له لقد خنت الأمانة. فقال: سامحني إنها الحاجة! أي حاجة تجعل الإنسان يبدو أمام ربه أنه لم يقدر على حمل الأمانة وسيحاسبه على ذلك وفي الوقت نفسه يبدو أمام الناس صغيراً. فقلت لصديقي اهدأ وفوّض أمرك إلى الله وحاول أن تأخذ درساً وتحافظ على أسرارك، لأن السر إذا خرج من صاحبه لم يعد ملكاً له. ولا شك أن الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز، وما كتمه المرء عن عدوه فلا يجب أن يظهره لصديقه، ويجب على العاقل أن يكون صدره أوسع لسره من صدر غيره. ومن كتم سره كانت الخيرة في يده ومن أنبأ الناس بأسراره هان عليهم وأذاعوها ومن لم يكتم السر ندم ولم تقتصر فضيلة حفظ السر على الرجال، بل شملت النساء أيضاً والأطفال الذين استنارت عقولهم وقلوبهم بنور الإسلام. وفي الواقع أننا نجد صنفاً من النساء يقضون معظم أوقاتهم في الخوض في سير الناس في جلساتهم المتكررة ومن خلال الهاتف أيضاً، بحجة تسلية أنفسهم وتضييع الوقت، ونسي هذا الصنف أنه يمكنهم الاستفادة من الوقت في أشياء تعود عليهم بالنفع والفائدة. كتربية الأبناء ورعايتهم وتوفير ما يحتاجونه بدلاً من أن يتركوا أمرهم للشغالات ويمكنهم أيضاً قضاء الوقت في قراءة القرآن وحضور الندوات الدينية والإكثار من النوافل وعمل الخير وزيارة المرضى وإدخال السرور على الآخرين وعدم إفشاء أسرارهم. روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه أنه قال: أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان فسلّم علينا فبعثني في حاجته فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حسبك؟ فقلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً. لقد رأت أم أنس ابنها حريصاً على حفظ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعززت فيه هذا الحرص. وإن إفشاء الأسرار من أسوأ العادات التي ابتلي بها الإنسان، فليس كل ما يُعلم يُقال. فهناك أمور تقتضي الرجولة والمروءة والشرف أن تبقى طيّ الكتمان وبخاصة إذا كانت هذه الأمور من متعلقات الحياة الزوجية، فإفشاؤها يؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه، فقد يحدث فراق وقطيعة بسببه. ي قول المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه».