ربما كنت قاسيا بالأمس، ولكننا جميعا هدفنا الوقوف على مواطن الخلل ومحاولة علاجها، من المؤكد لدينا شيوخ أجلاء وقامات علمية وفكرية مهمة، منهم الشيخ أحمد الطيب، والشيخ جمال قطب، والدكتور سعد الدين الهلالى، والدكتور حمدى زقزوق والشيخ أحمد كريمة والدكتور على جمعة، وغيرهم، ولكن المشكلة أعمق من ذلك، فهؤلاء المشايخ أعتقد ينطبق عليهم منطق الشيخ أبو زهرة فى المقال السابق، الكتمان، وربما نفاجأ أن كل شخص منهم كاتب مذكراته تنشر بعد موته، بها بعض الفتاوى والآراء التى كان يكتمها «فكرة المثل الشهير، علمتنى رأس الذئب الطائرة». والمشكلة عندنا عشرات الآلاف من المساجد، وسمعنا عن أحاديث كثيرة وأبحاث عن تطوير الخطاب الدينى، فخطب الجمعة مكررة، إما الحديث عن أمجاد الإسلام السابقة، غير الموجودة فى هذا الوقت، وليس لها فائدة، إلا البكاء على الأطلال، وإما الكلام عن عدل عمر، وخطب المناسبات، النصف من شعبان، وأول رمضان، وغيرها من المناسبات الشهيرة، فى العصر النبوى، وشوية فقه، وشوية أخلاق على استحياء. والأنكى من ذلك فكرة عندنا موجود، عندما يحدث شىء فى الغرب يعبر عن حقوق الإنسان أو حقوق الحيوان، يتصدر الشيخ ليأتى بعدة مواقف على عدة أحاديث تعبر عن اهتمام الإسلام بحقوق الإنسان أو حقوق الحيوان. وعندما يتحدث الغرب عن الديمقراطية ويستنكر الاستبداد، ينبرى أحدهم ليأتى بالأحاديث والمواقف التى تعبر عن الشورى فى الإسلام، وهكذا دواليك. يا فرحتى، عندنا ونأتى من داخل الصندوق، بمواقف مضت من أربعة عشر قرنا، متى ستكون مواقف على الأرض فى الوضع الراهن؟ لم نسمع أن انبرى مشايخ الأزهر لإدانة التعذيب، أو الحديث عن تزوير الانتخابات فى العصر الماضى، والإتيان بالأحاديث التى تجرم شهادة الزور، حتى ثورة 25 يناير وقفوا ضدها وأخرجوا فتاوى تتحدث عن طاعة ولى الأمر، وللإنصاف، فقد وقف البابا شنودة ضدها أيضا، إذن ما الحلول، من المؤكد أن المشايخ لو فكروا للخروج من الأزمة فلديهم حلول، بشرط يتخلصوا من الخوف ومن الكتمان. أعتقد أنه من الضرورى التغيير الجذرى فى المناهج الموجودة بالأزهر سواء التعليم الثانوى أو الجامعى، فمع المرور السريع على المذاهب بأنواعها، من الضرورى تجاوزها ودراسة الكتب الحديثة والأفكار التى ملأت العصر الحديث ابتداء من محمد عبده مرورا بأحمد أمين وعلى عبد الرازق وطه حسين وغيرهم، وصولا إلى حسن حنفى وعبد الوهاب المسيرى وعابد الجبرى وأركون وعلى عزت بيجوفيتش وأبو يعرب المرزوقى وطه جابر علوانى وغيرهم كثير، وأعتقد أنه ليس من الضرورى أن يكون حافظا للقرآن بأكمله، بقدر ما يكون، ذا عقلية موسوعية لدراسة الأفكار الحديثة من ليبرالية ويسارية، وأن يُؤسس لعلم الاستغراب فى الأزهر، وأن نتخلص من فكرة التلقين والحفظ، إلى فكرة الأبحاث والعصف الذهنى والسيمنار والحلقة النقاشية، والمدارسة الفكرية، ونخلق جيلا جريئا، وندرس الأفكار المعاصرة مثل الإخوان المسلمين والسلفيين دراسة متعمقة ومناقشة أفكارهم وأسباب نشأتهم، وكيفية مواجهة الأفكار التى تحض على التكفير والعنف، دراسة متعمقة، وعمل منظومة فكرية موسوعية، فلا تكفى فتوى يخرج بها شيخ فى فضائية يحرم التكفير، أو يحرم العنف، والفكر لا يُقصى، وليس العلاج إقصاء الأفراد، بأن تمنعهم من الخطابة، ولكن الفكر يُواجه بالفكر والحوار. هذا بالنسبة لما هو قادم، ولكن عشرات الآلاف من المشايخ الموجودين حاليا، يجب صياغة خطاب دينى جديد وعصرى، وأنا لا أرى مانعا فى أن يستخدم خطيب الجمعة البروجكتور والأفلام التسجيلية والوسائل السمعية والبصرية لشرح فكرته، إن احتاج إلى ذلك، وأعتقد أن تلك الأجهزة لو كانت موجودة أيام النبوة لاستخدمها، كان الشعر أيامهم وكانوا يستخدمونه، بل ينظمونه لحظيا أحيانا، ولا مانع أن يكون الوعظ فى مكان أشبه بالمدرج، ونستفيد من الكنيسة فى هذا الأمر، وبعد انتهاء الخطبة، نذهب إلى قاعة الصلاة، خصوصا أن الجيل الحالى كله ركبه ممششة لا يتحمل جلسة الأرض طويلا، وبدأت الكراسى تملأ ساحات المساجد، ويجب عمل دورات تدريبية مستمرة لهؤلاء المشايخ بالقضايا المعاصرة، هل سنستطيع تجاوز التقليد والمحاكاة، والاهتمام بالمضمون، هل يستطيع مشايخ الأزهر دراسة سبب التخلف الحضارى الذى نحن فيه؟ وهل كان الجمود الفقهى أحد أسبابه؟ وما السبيل للانطلاق؟ ولا نكتفى بأن نقول إن العصر الإسلامى والتاريخ الإسلامى كان أبيض ناصعا وزى الفل، ولم تحدث عندنا محاكم تفتيش كما حدثت فى أوروبا العصور الوسطى، وأننا ليست عندنا دولة دينية، هذا الكلام المرسل المردود عليه غير كاف، نريد أن نخرج من المأزق والتخلف الذى نعيشه، بأفكار عصرية واقعية بعيدة عن المثالية واليوتوبيا. الملف كبير وشائك ومتفرع، ولكن يجب البداية وفورا وفقكم الله لما فيه الخير لهذا البلد، وندعو الله أن يجعله آمنا وأن ينطلق إلى الأمام على طريق التقدم.