تنسب المكارثية إلى نائب في الكونجرس الأمريكي اسمه جوزيف ريموند مكارثي، والذي نال شهرة واسعة في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي في أوج الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، وذلك لأنه كان يقود حملة منظمة ضد من كان يصفهم بالشيوعيين داخل الحكومة الأمريكية وفي أوساط المثقفين والفنانين الأمريكيين. وتحولت جلسات الاستماع التي كان يقوم بها النائب مكارثي إلى ما يشبه محاكم التفتيش الكنسية الشهيرة، والتي كانت تصم أي معارض بالإلحاد والكفر، ولكن في حالة عضو الكونجرس الأمريكي كانت التهمة الجاهزة هي "إمسك شيوعي". أما في مجلس النواب السيد الدكتور المستشار علي عبد العال، فالتهمة البديلة للكافر والشيوعي هي "إمسك عميل، خاين، متآمر مع الخارج". كما لا يتردد السيد رئيس المجلس عن ترهيب النواب الذين يتجرأون بالتعبير عن مواقف معارضة بالقول إنه، "لدي ملفات ومعلومات لن أفصح عنها بشأن أنشطتك التي تهدف لتدمير الوطن وتفكيكه". وبناء على هذا النهج المكارثي، يأمر السيد الدكتور عبد العال بحذف قول النائب هيثم الحريري "تيران وصنافير مصرية" من مضبطة الجلسة، ويأمر بطرد نائب من سيناء، لأنه عبّر عن معارضته لإسقاط عضوية النائب محمد أنور السادات، بزعم أنه كان يقدم شكاوى ضد أداء البرلمان للاتحاد البرلماني الدولي ولأنه "زوّر" توقيعات لنواب على طلبات تقدم بها للدكتور عبد العال. وسيدخل الدكتور عبد العال التاريخ بلا شك، ليس فقط بسبب أدائه الكارثي المكارثي، وعصبيته المفرطة، وسماحه بكم هائل من التجاوزات والشتائم بحق المعارضين يتفوه بها نواب يتصرفون على أساس أنهم فوق كل القوانين، بلغت حد التهديد بضرب الصحفيين بالجزمة القديمة، فيكتفي سيادته بمطالبة النائب فقط بعدم استخدام كلمة "القديمة" وأن يرضى بضرب الصحفيين بالحذاء، وحسب. ولكن سيادته طبعا رئيس لبرلمان صاحب رقم قياسي في تمرير المئات من القوانين في فترة لا تتجاوز أسبوعين، مع الاعتراض على قانون واحد فقط من بين ما يزيد على 320 قانونا ومرسوما أصدرها الرئيسان عدلي ومنصور وعبد الفتاح السيسي أثناء غياب البرلمان.. وهو صاحب رقم قياسي أيضا في الموافقة على إسقاط عضوية نواب بطريقة مكارثية صرفة، كما حدث مؤخرا مع النائب محمد أنور السادات. عرفت النائب السادات في سنة حكم جماعة الإخوان المسلمين، وذلك في الدعوات التي كنت أتلقاها من ممثلي السفارات الأجنبية كمتحدث سابق باسم جبهة الإنقاذ الوطني لحضور حفلات استقبال أو لقاءات مصغرة مع مسؤولين أجانب يقومون بزيارة مصر. واستمرت لقاءاتنا بعد ذلك في مناسبات متشابهة بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي. والمشاركة في حفلات الاستقبال واللقاءات التي تقيمها السفارات الأجنبية هذه هي أمور متعارف عليه في كل دول العالم لكل العاملين في الشأن العام من ساسة وصحفيين ونواب برلمان ورجال أعمال. وهؤلاء بالطبع ينتمون لكل التوجهات السياسية والفكرية في إطار حرص ممثلي الدول الأجنبية المهتمة بالشأن المصري على الاستماع إلى كل وجهات النظر في البلد الذي يعملون به. وتقوم السفارات المصرية في كل دول العالم بعمل حفلات استقبال ولقاءات مماثلة للتعرف على المشهد السياسي في تلك الدول ونقل صورة واضحة للقيادة السياسية في القاهرة عن أفضل السبل للتعامل معها وخدمة المصالح المصرية. ولا يعتبر المشاركون في حفلات الاستقبال التي تقيمها السفارات المصرية خونة أو عملاء، بل مجرد عاملين في الشأن العام يدركون أهمية مصر ووزنها على المستوى الإقليمي، ولذلك يسعون لتقديم وجهة نظرهم إلى ممثلي الدولة المصرية. ولكن فقط في مصر، وفي برلمان الدكتور عبد العال، يعتبر اللقاء مع ممثلي دول العالم ومخاطبتهم وتقديم وجهات النظر لهم خيانة وعمالة وجريمة تستحق إسقاط العضوية من البرلمان، وكأنه من مصلحة مصر أن نقدم صورة للأجانب أننا في مصر نتحدث جميعا لغة واحدة، وأن الصورة وردية تماما وأنه لا توجد معارضة أو آراء متباينة، وأيضا وكأن الأجانب أنفسهم سذج ولا يرون بأنفسهم الواقع على الأرض من خلال سفاراتهم ومن خلال متابعتهم للصحافة ووسائل الإعلام المحلية. وما يزيد من حجم القلق من الجو المكارثي الذي نعيشه في مصر هو أن النائب السادات تحديدا ليس من المحسوبين على الشخصيات الثورية أو الراديكالية، بل داعم قوي للدولة ولمؤسساتها. وفي كل اللقاءات التي شاركت بها مع النائب أنور السادات في حفلات الاستقبال والمقابلات التي تقيمها السفارات الأجنبية في مصر (بداية بالولاياتالمتحدة ومرورا بفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ومرورا بالهند وباكستان وسنغافورة والكويت والإمارات) كان النائب السادات يدعو بكل قوة ممثلي تلك الدول إلى الاستثمار في مصر ودعم الحرب التي يخوضها الجيش ضد الإرهاب. ولكن السيد عبد العال "خلقه ضيق" ولا يطيق أن يعرب النائب السادات عن معارضته لحبس الشباب احتياطيا لفترات طويلة بسبب قانون التظاهر فى أثناء ترأسه للجنة حقوق الإنسان، ولقانون قمع المنظمات غير الحكومية، ولاتفاقية التنازل عن تيران وصنافير للسعودية، وانتقاده لسياسة الحكومة الاقتصادية في بيانات صحفية يقوم بإرسالها لكل وسائل الإعلام، وأيضا لممثلي السفارات الأجنبية العاملة في مصر. ولكن الضربة القاصمة على ما يبدو كانت كشفَه عن شراء سيارات فاخرة للسيد الدكتور عبد العال ونائبه، وهو ما اعتبره سيادته يتعلق بالأمن القومي لا يجوز البوح به. كنا نعتقد أن استخدام سلاح الوصم بالخيانة والعمالة سيقتصر على من يتجرأون على طرح تساؤلات بشأن قرارات السيد الرئيس وسياساته في إطار العودة المنظمة لدولة الصوت الواحد والزعيم الأوحد. ولكن الدكتور عبد العال أيضا رئيس للبرلمان، وبالتالي فإنه يطالب بحصانة مماثلة، واعتبار كل من يتجرأ على انتقاده والمجلس الذي يترأسه خائنا وعميلا يستحق التشهير به وضربه بالجزمة القديمة أو إسقاط عضويته من البرلمان.