من إمتى القرد بدأ يتكلم؟ الموضوع مالوش أي علاقة بفيلم عمرو واكد وأحمد الفشاوي. السؤال ده مهم بالنسبة لعلماء الأنثروبولوجيا البيولوجية أو الأنثروبولوجيا التطورية، اللي هي دراسة إنسان ما قبل التاريخ. العلماء دول أكدوا أن الإنسان منسوب للقرد، مش بمعنى إن فيه قرد في يوم من الأيام ولد بني آدم (رغم إن الموقف كوميدي)، إنما بمعنى إن الإنسان والقرود جايين من نفس الجنس الحيواني. جدودنا ماكانوش لا بشر ولا قرود، بس خلفوا نسلين انشقوا في مرحلة من المراحل، وبقى فيه إنسان وقرد زي ما نعرفهم النهارده. يعني الفرق بين الاثنين مش بس من عند ربنا، إنما تطور عبر الملايين من السنين. إذن الإنسان والقرد لهما أصول مشتركة، إمتى وليه حصل الانقسام بينهما؟ فيه نظرية منتشرة إن الإنسان هو الحيوان الوحيد اللي عنده قدرة على الكلام، وبالتالي بقينا بني آدمين بمعنى الكلمة أول ما القرد بدأ يتكلم. فيه نظرية زيها بتقول إن الإنسان هو الحيوان الوحيد اللي بيصنع التاريخ، لأنه هو الوحيد اللي لازم ينتج علاقات اجتماعية عشان يعيش في الطبيعة، والعلاقات دي بتسيب أثر تاريخي عبر الأجيال، عكس الحيوانات الثانية اللي بتعيش بالغريزة وبس. النظريتان دول انتقدهما عالم الإنسان البريطاني تيم إنجولد. في مقال عنوانه "الفرق بين التطور والتاريخ"، إنجولد قال إن فيه مفارقة واضحة بين اللي نعرفه عن تطور الإنسان قبل التاريخ وتاريخ الإنسان الحديث. من وجهة نظر التاريخ، الإنسان قطع مع الحيوانات الثانية بشكل واضح لما ابتدا ينتج علاقات اجتماعية وبقى يحاول يسيطر على الطبيعة بالشكل ده. في المقابل، وجهة النظر التطورية بتقول إن الإنسان تطور من نفس أصول الحيوانات اللي نعرفها النهارده، بما في ذلك القرد، ومافيش حاجة تدل على إن التطور ده وقف عشان بقى عندنا تاريخ وصناعة وحضارة. إذن إحنا قدام اختيارين: يا نقول إن التطور ده كلام فارغ والإنسان مالوش علاقة بالحيوان لأنه بيصنع تاريخه بنفسه، يا نعترف بإن النظرية التطورية صحيحة وبالتالي اللي بنسميه "التاريخ" جزء من التطور ده. إذن العلماء عندهم حق، مافيش أي شك إن الإنسان تطور من أصول حيوانية، إنما التطور ده مايقدرش يشرح إزاي الإنسان بقى يزرع ويصطاد ويبني ويحارب ويكتسح العالم. إنجولد حل المسألة بإنه يعتبر إن الفرق بين التطور والتاريخ راجع لنفس المنبت. الإنسان لا بيتطور في الفضاء ولا بيصنع تاريخه بنفسه، إنما بينمو في بيئة طبيعية واجتماعية هي اللي بتصنع نفسها عبر الزمن. بالتالي "التاريخ" مش مجرد في إيدين البني آدمين، إنما في إيدين البيئة اللي المجتمعات بتنمو فيها. النظرية دي تقدر تفهمنا إزاي مشروع زي السد العالي مش مجرد مشروع تاريخي، إنما كمان مشروع أثّر في بيئة المجتمعات اللي عايشين حوالين النيل، بما في ذلك النوبيون اللي اتطردوا من أراضيهم، أو الفلاحون اللي اضطروا يغيروا طريقتهم في الزراعة، إلخ. البيئات اللي الناس عايشة فيها مش مجرد بين إيدين المهندسين المعماريين، إنما بتحدد وبتأثر في قراراتهم، زي ما بتحدد وتأثر في قرارات أهالي الصعيد والدلتا. يعني لا الإنسان مسيطر على البيئة ولا هي مسيطرة عليه: الاثنين بينموا سوى. حتى إذا الواحد اعتبر إن السد العالي مشروع ناجح، ونهضنا بمصر وأنتجنا كهرباء للجميع، مانقدرش نقول إن البيئة الجديدة اللي ظهرت بعد المشروع ده نتيجة فعل إنساني بحت، بما إن الإنسان والبيئة في تفاعل دائم مع بعض. على المدى الطويل (إيه المدى الطويل؟) ، التفاعل البيئي ده هو اللي بينتج نفس التطور اللي حصل للإنسان ما قبل التاريخ، وبالمعنى ده التطور والتاريخ مش بعاد عن بعض إلا من ناحية طول الوقت والزمن. عبر التفاعلات المستمرة جوه البيئة الطبيعية والاجتماعية، الإنسان بيتطور وبيتأرخ، ومش مهم إمتى القرد ابتدا يتكلم.