البيان الصادر عن اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأخير أزال اللبس الذى نشأ عن استخدام التعبير الخطأ بأن المجلس «فوض» الفريق أول عبد الفتاح السيسى بالترشح للرئاسة، لا المجلس يملك هذا الحق، ولا السيسى طلب ذلك، و«التفويض» الوحيد الذى حدث كان بخروج الملايين فى يوليو الماضى لتمنح هذا «التفويض» الذى هو أشبه بالتكليف لجيش مصر وقائده من أجل محاربة الإرهاب والعنف فى حرب ما زلنا نعيش فصولها حتى الآن. بعيدا عن ذلك، فقد انفتح الباب أمام الفريق السيسى ليخوض معركة الرئاسة بعد أن يخلع زيه العسكرى ويسلم راية القيادة العسكرية لقائد آخر من قوات الجيش، الذى سيظل مدرسة للوطنية المصرية كما كان منذ نشأ وحتى الآن. ننتظر برنامج السيسى وبرامج باقى المرشحين، نرجو أن تكون هناك منافسة انتخابية حقيقية بين مرشحين أكفاء. وجود مرشح قوى مثل السيسى فرصة لكى نقوم بترسيخ التقاليد الديمقراطية، خصوصا إذا كان هناك تنافس بين برامج حقيقية، وإذا كان الكل على درجة من الوعى بضرورة أن نخرج من هذه الانتخابات، ونحن أكثر تماسكًا ووحدة فى وجه إرهاب الداخل بقيادة الإخوان، وتآمر الخارج بقيادة الأمريكان وأذنابهم فى قطر وتركيا وغيرهما. ظهور اسم الفريق السيسى منذ فترة كمرشح محتمل للرئاسة، والشعبية الكبيرة التى يتمتع بها، وانتظار القرار حول أسبقية انتخابات البرلمان أو الرئاسة، كانت كلها عوامل أدت إلى عدم وجود مرشحين آخرين حتى الآن، الوحيد الذى كان قد أعلن عن اعتزامه الترشح بشروط حددها كان حمدين صباحى، وللأسف الشديد واجهته حملة حمقاء من جماعة النفاق أساءت لأصحابها قبل أى أحد آخر، وسواء كان قرار حمدين بالبقاء فى المنافسة أو الخروج منها فسيبقى كما هو بتاريخه النضالى، وسيبقى مطالبًا بدور كبير «مثل كل الوطنيين الحقيقيين» فى توحيد الصف الوطنى فى وجه تحديات هائلة يواجهها الوطن، ولن يستطيع تجاوزها إلا بوحدة وطنية حول برنامج عمل ينحاز للفقراء ويحصن الوطن بالديمقراطية والعدل، ويبنى مصر الجديدة بالعلم والعمل والفكر المستنير، بعد أن نستأصل الإرهاب من جذوره، وبعد أن نجبر الدنيا كلها على احترام استقلالنا الوطنى. ويبقى الحديث الممجوج عن «عسكرة الدولة» وعن «حكم العسكر».. وبصرف النظر عن قلة الأدب فى وصف جيش مصر بكل تاريخه الوطنى بأنه «عسكر» فإن مصر الحديثة لم تعرف هذا الحكم فى دولتها الحديثة. والذين يحاولون تصوير الحكم منذ ثورة يوليو بأنه حكم عسكرى ليسوا إلا مزورين للتاريخ أو جاهلين به، لقد أمسك مجلس قيادة الثورة بمقاليد الأمور منذ 23 يوليو وحتى استطاع إخراج آخر جندى من جنود الاحتلال البريطانى فى عام 56، وبعدها كان الدستور الدائم والحكم المدنى وحل مجلس قيادة الثورة. من عام 56 وحتى ثورة يناير حكم عبد الناصر والسادات ومبارك باعتبارهم مدنيين، كانت لهم خدمة سابقة بالجيش، وظل الأمر كذلك حتى تولى المجلس العسكرى الحكم بعد يناير للفترة الانتقالية القصيرة، ولو كان للمجلس خبرة بشؤون الحكم لما حدثت الأخطاء الفادحة التى انتهت بسرقة الإخوان للثورة واستيلائهم على السلطة، ليعود الشعب فى 30 يونيو ليسترد ثورته، وليعود الجيش ليمارس دوره الوطنى فينحاز لإرادة الشعب وينتصر للدولة الحديثة التى أرادت فاشية الإخوان أن تحولها إلى «مصرستان»!! بعيدًا عن أكذوبة «حكم العسكر» التى لم يعد لها معنى أو تأثير، تمضى مصر فى طريقها لاستكمال المرحلة الانتقالية رغم انحطاط الإرهاب الإخوانى ورغم الضغوط الخارجية التى لا تريد لمصر أن تخرج من أزمتها، وفى انتظار قائمة المرشحين للرئاسة وبرامجهم سنقبل التحدى، وستظل يدنا على السلاح لاجتثاث الإرهاب الإخوانى، بينما اليد الأخرى تبنى المستقبل، نواجه العقبات ونرتكب الأخطاء لكننا نصحح أخطاءنا. نستعد للتنافس فى انتخابات حرة وديمقراطية، لكننا نحرص على سلاحنا الأساسى وهو وحدة الشعب فى مواجهة الإرهاب، واستقلال الدولة فى مواجهة من تعودوا على التبعية. رغم كل التحديات والصعاب، تمضى مصر فى طريقها الذى حددته بعد الثورة، تظل الدولة الحديثة المتقدمة هى الهدف، وتظل دعائمها هى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وكرامة الوطن والمواطن، ويظل جيش مصر هو حارس الدولة المدنية، والشريك فى بنائها، والحامى لها من قوى التخلف والإرهاب.. هكذا كان الأمر، وهكذا سيكون بإذن الله وإرادة الشعب واختيار الثورة.