بعد ساعات قليلة من إعلان النتائج الرسمية للاستفتاء على الدستور فى مصر أصدرت الخارجية الأمريكية بيانا مطولا بعد ظهر أول من أمس (السبت) تضمن تعليقا وتعقيبا من جون كيرى وزير الخارجية على الاستفتاء وعملية الانتقال السياسى فى مصر وتحديات المرحلة المقبلة. وقد أكد كيرى فى كلماته أن الديمقراطية ليست فقط استفتاء وانتخابات وأنها أكثر من ذلك. وحث كيرى الحكومة المصرية المؤقتة على احترام وحماية الحقوق والحريات التى يكفلها الدستور الجديد لكل المصريين. وأيضا على أخذ خطوات نحو المصالحة. وكما بدا من البيان حرص كيرى على التحذير من الاستقطاب السياسى المتنامى فى مصر، والتذكير بما ولد فى «ميدان التحرير» وما تم المطالبة به والوعد به مع انطلاق الثورة المصرية. بدأ كيرى البيان بالقول: «إن تجربة مصر المضطربة فى الديمقراطية خلال السنوات الثلاث الماضية تذكرنا بأنه ليست عملية تصويت واحدة تحدد ديمقراطية ما. بل كل الخطوات التى تَتبع عملية التصويت. وأنها عملية انتقال تتسم بالتحدى وتتطلب توافقا ويقظة ورعاية متواصلة». مضيفا: «مسودة الدستور المصرى قد تم إقرارها باستفتاء عام إلا أن ما يأتى فى ما بعد هو الذى سيشكل إطار عمل مصر السياسى والاقتصادى والاجتماعى لأجيال قادمة». ثم قال كيرى فى البيان مشيرا إلى مهام الحكومة المصرية: «بينما تتقدم عملية الانتقال بمصر فإن الولاياتالمتحدة تحث الحكومة المصرية المؤقتة على أن تطبق كاملا تلك الحقوق والحريات التى يكفلها الدستور الجديد من أجل مصلحة الشعب المصرى. وأن تأخذ خطوات فى اتجاه المصالحة». وتحدث كيرى عن الثورة المصرية والتحديات الراهنة ذاكرا: «أن المصريين الشجعان الذى وقفوا احتجاجا فى ميدان التحرير لم يخاطروا بحياتهم فى ثورة لكى يروا أن فرصتها التاريخية يتم إهدارها فى العملية الانتقالية. لقد عايشوا وتجاوزوا الصعود والهبوط والإحباط والنكسات فى السنوات التى تلت الثورة. وهم ما زالوا يبحثون عن وعد تلك الثورة. وهم ما زالوا يدركون أن الطريق إلى الأمام نحو ديمقراطية ذات قيادة مدنية ومتسامحة وشاملة للكل سوف يحتاج من قيادات مصر السياسية إلى أن تقدم تنازلات صعبة وأن تسعى لإيجاد اتفاق أوسع حول قضايا الخلاف» ثم أضاف: «إن الديمقراطية أكثر من أى استفتاء أو أى انتخابات. وهى حول الحقوق والحمايات المتساوية تحت حكم القانون بالنسبة لكل المصريين بغض النظر عن جنسهم وعقيدتهم وعرقهم أو انتمائهم السياسى». وتطرق كيرى إلى قلق واشنطن ومخاوفها مما يحدث فى مصر ذاكرا أن هذا القلق كان موجودا أيضا فى عام 2012 وقال فى البيان الصادر عن الخارجية: «نحن أعربنا باستمرار عن قلقنا الخطير حول حدود حرية التجمع والتعبير بشكل سلمى فى مصر. ومنها ما حدث قبل الاستفتاء. مثلما أعربنا عن قلقنا حول الطريق الخطير الذى اختارته حكومة مصر المنتخبة فى العام الذى سبق اضطراب عام 2013» مشيرا إلى: «أن الولاياتالمتحدة تحث مرة أخرى كل الأطراف أن يدينوا العنف ويمنعوه وأن يتحركوا نحو عملية سياسية تشمل الكل وتكون مبنية على حكم القانون وتحترم الحريات الأساسية لكل المصريين». وتناول وزير الخارجية الأمريكى عملية الاستفتاء وما جرى خلالها قائلا: «وكما قلنا من البداية نحن نعتقد بشدة أن السماح للمراقبين الدوليين بمراقبة وتقديم تقرير عن الخطوات الانتخابية أمر هام فى بناء الثقة تجاه انتقال مصر السياسى». إن عمليات التقييم الأولية لجماعة «الديمقراطية الدولية» و«مركز كارتر» تؤكد التحديات المقبلة. ومنها الاستقطاب فى المناخ السياسى بمصر، وغياب عملية سياسية شاملة تضم الكل فى صياغة الدستور ومناقشته قبل إجراء الاستفتاء، وأيضا الاعتقالات لهؤلاء الذين شاركوا فى حملة ضد الدستور، والانتهاكات للإجراءات خلال عملية الاستفتاء مثل القيام بحملة بالقرب من مراكز الاقتراع أو فيها. بالإضافة إلى انعدام سرية التصويت. وبما أن الاستفتاء على الدستور يعد الخطوة الأولى التى سوف تتبعها خطوات أخرى اختتم كيرى البيان قائلا: «نحن نشجع بقوة الحكومة المصرية المؤقتة على أن تأخذ هذه المخاوف فى الاعتبار بينما تجرى الاستعدادات لانتخابات رئاسية وبرلمانية. إن العمل الذى بدأ فى ميدان التحرير يجب ألا ينتهى هناك. إن الحكومة المؤقتة التزمت مرارًا بعملية انتقال توسع من مجال الحقوق الديمقراطية وتؤدى إلى حكومة ذات قيادة مدنية تشمل الكل من خلال انتخابات حرة ونزيهة. والآن هو الوقت لجعل ذلك الالتزام واقعا ولضمان احترام حقوق الإنسان العالمية بالنسبة لكل المصريين». ويلاحظ فى البيان المطول الذى صدر عن وزير الخارجية جون كيرى بعد ساعات قليلة من الإعلان الرسمى لنتائج الاستفتاء. أنه يتحدث عن الحاضر ومن خلاله بشكل أشمل وأوسع عن المستقبل.. أكثر مما يتحدث عن الماضى. وإذا كان تعبير «ميدان التحرير» قد ذُكر فى البيان مرتين. فلم ترد فى البيان نفسه أى إشارة إلى الإخوان والرئيس المعزول أو «انقلاب» أو «ثورة» أو «الجيش». كما أن كيرى فى إشارته إلى أن الديمقراطية ليس فقط تصويتا.. أو أنها لا تتحقق فقط بالصندوق أشار إلى ما تم وجرى فى مصر خلال العام الذى حكم فيه الإخوان. وكانت واشنطن حريصة فى الأيام الأخيرة أن تقول وتكرر مع كل سؤال عن موقفها من الاستفتاء أن تقول إنها تنتظر النتائج الرسمية حتى تتحدث عن الاستفتاء على الدستور وعملية القيام به والمناخ السياسى المصرى بشكل عام. كما كانت الخارجية الأمريكية حريصة أيضا فى الأيام الأخيرة على تكرار تأكيدها عدم رغبتها فى الخوض فى الخيارات المصرية وأن تكرر بأن القرار قرار مصرى والاختيار اختيار مصرى. من جهة أخرى واصلت الصحف الأمريكية متابعتها وتحليلها للمشهد المصرى. صحيفة «وول ستريت جورنال» بعد أن ذكرت أن «الناخبين المصريين أقروا الدستور المعدل» أشارت إلى أن الحكومة المدعومة من الجيش هللت بالنتائج باعتبارها تأييدا ودعما لها فى حين أن منتقدى الحكومة قالوا إن النتائج تعكس القمع التى مورس ضد المعارضين. ونقلت الصحيفة عن إيرك بيورنلند الذى رأس فريقا من جماعة «الديمقراطية الدولية» فى مراقبة ومتابعة الاستفتاء الأخير تعليقه بأن «أى عملية انتقالية ديمقراطية يجب أن تتصف بتوسيع دائرة الحريات إلا أن المصريين رأوا قيودا كبيرة فى ممارستهم لحقوقهم الديمقراطية» مضيفا أن المرحلة المقبلة «تتيح فرصة لمشاركة سياسية أوسع». فى حين ذكرت «نيويورك تايمز» أن اكتساح الأصوات بالنسبة للدستور فى مصر «يثير القلق» مشيرة إلى أن بيان كيرى تناول المخاوف المثارة حول نزاهة الاستفتاء وحول «المناخ السياسى المستقطب» فى مصر. وحرص مراسل الصحيفة بالقاهرة فى تقريره على أن يذكر بأنه من المرجح أن بيان كيرى قد يصب وقودا على نظريات المؤامرة المنتشرة لدى معارضى الإسلاميين حول ما يقال من دعم أمريكى سرى لمحمد مرسى والإخوان. ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مزيدا من القراءات الأمريكية للاستفتاء ولخارطة الطريق السياسية والعملية الانتقالية التى تعيشها مصر.