الروائى الشاب: أُفضِّل الفصحى فى الكتابة كما كتب عمنا العبقرى نجيب محفوظ اختار الروائى عمرو الجندى أن يقدم نوعا مختلفا من الكتابة فى روايته الجديدة «313»، والتى حققت انتشارا واسعا، ورشحت لمسابقة الشيخ زايد فى دورتها الثامنة، وصدرت منها ست طبعات حتى الآن، وهى كتابة «السيكودراما»، والتى تعتمد بالأساس على الطب النفسى. والجندى روائى شاب صدر له من قبل ديوان «قصة حب سرية» عام 2009، ومجموعة قصصية «من أجل الشيطان»، ثم روايتا «فوجا»، و«9 ملّى»، وأعماله تتميز بمذاق خاص يعتمد بالأساس على الإبحار فى أغوار النفس البشرية. «التحرير» التقت مع الجندى فى حوار حول روايته الأخيرة «313»، ورؤيته للكتابة، فإلى نص الحوار.. ■ بدأت الكتابة شاعرًا ثم قاصًّا، وانتهيت إلى كتابة الرواية.. لماذا هذا التغير؟ - لم يكن تحولا فى الحقيقة، اعتمدت فى البداية على نشر كتاب ليكون وسيلة لتعريف الناس بى، وكان أمامى خياران، إما أن أنشر كتابا ممتلئا بالخواطر، ديوانًا كما يعتقد البعض، أو أن أنشر كتابا قصصيا إن لم تنجح المحاولة. وبالفعل اتجهت إلى الظهور بكتاب قصصى عام 2010 إلى أن وصلت إلى الرواية، وقريبا ستصدر لى مجموعة قصصية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب 2014. ■ قدمت شكرا فى روايتك إلى دستوفيسكى وتولستوى وتشيخوف ونجيب محفوظ، ثم يوسف زيدان.. ألا ترى أن الاسم الأخير قد يكون غريبا على المنطقة الإبداعية التى ينتمى إليها الآخرون؟ - فى رواياتى القادمة سيكون هناك مسلك تاريخى، وقد استفدت كثيرا مما قدمه لى يوسف زيدان من خلال أعماله، فكان لا بد من شكره من خلال هذه الرواية، خصوصا أنها أخذت مجرى أخلاقيا فى عديد من القضايا الوجدانية التى ناقشتها. ■ «313».. ما سر اختيارك لهذا الرقم بالتحديد؟ - لم أختره بل هو من اختارنى فى الحقيقة، فأنا أكره رقم 13 جدا، وكان الأمر بالنسبة إلى تحديا، وما أجمل أن تكون المواجهات بسلاح أنت تحبه. ■ صنفت الرواية على أنها من الأدب النفسى.. هل تعتمد فى أعمالك على هذا النوع من الكتابة بالتحديد؟ - للأسف النوع النفسى مختفٍ تقريبا من الأدب العربى، كما أن دراستى معتمدة كل الاعتماد على علم النفس والفلسفة، وهما بدورهما مرتبطان أشد الارتباط بتقديم الأدب النفسى كما فى أعمال دستوفيسكى فى الجريمة والعقاب وتشيخوف فى عنبر رقم 6 مثلاً. وكانت المشكلة فى البداية هو تقديم نفسك إلى الجمهور من خلال هذا الأدب، وكان هذا صعبا للغاية، لأن القارئ العربى لم يتلق هذا النوع من الأدب الذى يصل به أحيانا إلى حالة من الملل، لذلك فى رواياتى السابقة كان الجزء النفسى فيها بسيطا، وأخذت بالنصيحة أن أسير على الماء الهادئ حتى لا تغرقنى الأمواج العاتية من قِبل القراء، وحينما أدركت أن هناك تشوقًا لزيادة هذه الجرعة النفسية فى رواياتى، قررت أن أخوض ما تعلمته من خلال رواية، وكانت «313» هى البداية. ■ وهل ترى أنك ابتعدت عن أدب الجريمة فى «313»، أم أن هذا النوع من الكتابة أثر عليك أيضًا؟ - أنا لم أبتعد عن أدب الجريمة، بالعكس، أنا اقتربت منه ولكن بشكل آخر وبطريقة أكثر عمقا، فرواية «313» لم تخل من التشويق والغموض، وأرى أن الأدب النفسى الممزوج بالغموض والتشويق سيكون له شكل آخر ومختلف فى كتاباتى القادمة، لأنها بالفعل أثرت علىّ بشكل كبير. ■ فى الصفحات المئة الأولى فى الرواية، يظل البطل مستلقيا على سريره، وتدور الأحداث من حوله.. ألم تخش أن يصاب القارئ بالملل من هذه البداية؟ - بصدق تام، لم أفكر بهذه الطريقة، فأنا أقدم عملا متكاملا، فأى قصور فى الصفحات المئة الأولى سيفقد القارئ إحساسه بالبطل والأحداث، كانت الصفحات المئة ضرورية لتجهيز القارئ نفسيا حتى لو شعر ببعض الملل، سيدرك فى النهاية سبب توقف الأحداث بهذا الشكل فى بداية الرواية. مع كل صفحة فى البداية كان هناك سر أقدمه إلى القارئ حتى يتسنى له معرفة الجوانب الحقيقية للرواية والشخصيات. ■ يبدو فى الرواية اهتمامك بالوصف سواء للشخصيات أو الأماكن عن اهتمامك باللغة.. فهل هذا له علاقة بموضوع النص؟ - أرى أن اللغة الحقيقية هى تلك التى تستطيع من خلالها أن تصل إلى عقل القارئ، ومنها تستطيع أن تملك إحساسه، فما فائدة الأوصاف اللغوية المبالغ فيها، فى حين يفقد القارئ إحساسه بها، فالوصف الدقيق للشخصيات والأماكن هو اللغة الحقيقية للرواية. ■ الحوار فى الرواية يدور باللغة العربية الفصحى رغم أن كثيرا من الكتّاب تجاوزوا ذلك الأمر!! - لست من أنصار الحوار بالعامية، وأرى أن لغتنا الفصحى قادرة على إيصال المعنى المطلوب والإحساس بالشخصية، خصوصا إن كان الروائى متمكنا من أدواته ودون الحاجة إلى اللجوء إلى استخدام اللغة العامية كما فعل عمنا العبقرى نجيب محفوظ. ■ هناك فصول فى الرواية لم تتجاوز السطرين.. فهل كنت تعتمد عليها فى تسريب أفكار خاصة بك أو جمل معينة أردت أن تزرعها فى الرواية؟ - الفصول التى حملت سطرين كانت أفكار أبطال الرواية، فأنا لا أتدخل فى رسم طريقتهم فى الحوار وبث أفكارهم، كانت رسائل مختصرة للقراء، وعلى الجانب الآخر رسالة فى مقدمة كل فصل، من خلالها سيتلهف القارئ للبحث عن معانيها خلال ما هو قادم من أحداث الرواية. ■ ذكرت أسماء مدن وشوارع بأمريكا.. هل احتاج الأمر منك بحثا أم اعتمدت على خبرتك الشخصية؟ - بالطبع كان هناك بحث مفصل عن جوانب الرواية كاملة، خصوصا المدن والشوارع، لى بعض الأصدقاء الأجانب الذين ساعدونى فى هذا الأمر، بجانب البحث الذى قمت به قبل خوض الرواية. ■ قدمت فى نهاية الرواية شرحا لنوع الكتابة الذى قدمته فى الرواية «السيكودراما».. فلماذا لم تتركه غامضا ليبحث عنه القارئ كما كانت الرواية كذلك؟ - هذه النقطة بالذات شغلتنى كثيرا قبل صدور الرواية، ولم يكن هناك شرح للسيكودراما، ولكننى قررت أن أقدم ذلك الشرح من أجل القارئ، لمراعاة أن تلك الفكرة هى المرة الأولى التى تظهر بين روايات الأدب العربى. ■ ولماذا كتبت فى نهاية الرواية أن فكرة السيكودراما فكرة عامة لم يحتكرها أحد.. هل خشيت اتهامك باقتباس فكرة عملك الأخير من روايات أخرى غربية؟ - هذه أول مرة يقدم فيها علاج السيكودراما فى رواية عربية، وكما تعلم أن علاج السيكودراما هو طريقة عامة للعلاج، طريقتها واحدة، ولكن تختلف الأفكار المقدمة، فخشيت على عملى أن يتم تشبيهه بفكرة عالمية أخرى، رغم أنها فكرة لا يمكن احتكارها كعديد من الأفكار، كما راعيت أن أقدم إلى القراء قاموسا لمعرفة نوع العلاج وتفاصيله الطبية. ■ روايتك حققت مبيعات كبيرة بمجرد صدورها واحتلت مركزا مرتفعا فى الروايات الأكثر مبيعا.. فكيف ترى العلاقة بين نجاح الكاتب ومبيعات أعماله؟ - علاقة وثيقة، فالمبيعات تعكس نجاح الكاتب ومدى انتشاره، وهذه شهادة التقدير الحقيقية التى تقدمها إليه أعماله، فلو شعر الكاتب بأن أعماله لا تحقق المبيعات المطلوبة وقتها سيشعر إما بالإحباط وإما بالتحدى، وفى الحقيقة ومن خلال سوقنا الأدبية كثيرون هم من أحبطوا وتنحوا عن هذا العالم. ■ قلت إنك تود تحويل الرواية إلى فيلم سينمائى غربى.. فهل ترفض السينما العربية؟ - ليس لأننى غير راضٍ عنها، ولكن كما ترى أن السينما المصرية لم تقدم عملاً حقيقيًّا منذ مدة طويلة، وقد طغت السينما التجارية على السوق، وقبول عمل مثل «313» من قبل شركات الإنتاج بالشكل الذى أراه به هو أمر صعب جدًّا، لذلك أعمل جاهدا لتقديمها على الشاشة الكبيرة بالشكل الذى حلمت به منذ الانتهاء منها، ولا أستطيع أن أقر أن السينما المصرية تستطيع أن تقدمه بهذا الشكل فى الوقت الحالى.