أظن أن الباكابورت كلمة إنجليزية مركبة هى باك أب بورت، بمعنى مخرج احتياطى يستخدم لتنظيف المواسير مما يتراكم بها قبل انسدادها وإصابة مسار السوائل الجارية فيها بالشلل. عندما طفح الباكابورت الأول فى بداية الثورة أخرج لنا ما لم يكن ليخطر على بال أحد من هلاوس وفتاوى، كان أقلها غرابة تدمير الأهرامات وأبى الهول ومفاخذة الصغيرات وجواز تناول لحوم الجان مشوية أو مقلية، ولولا حل البرلمان وعزل رئيس الإخوان لوصلت الفتاوى إلى إباحة مفاخذة أبى الهول نفسه وإنشاء مشاريع لتسمين العفاريت لتخفيض أسعار البتلو والكندوز. سالت أنهار الدماء، واستنزفت ثروات الشعب فى الطواجن المسبكة والبط المحشو بالفريك وضاع وقت ثمين وجهد متين، وما إن تم سد ذلك الباكابورت بشق الأنفس تصورنا أن الدنيا قد ابتسمت لنا، وأن الأمور أوشكت على الاعتدال.. فإذا بنا نجد «باكابورت» آخر يطفح فى وجوهنا ويلفظ كل ما بداخله ليعيد كل ما كنا نظن أننا قد تخلصنا منه إلى غير رجعة من القاذورات المباركية والطنطاوية التى كسحها الثوار إلى بالوعات المجارى. بدأت موجات الطرطشات الملوثة على استحياء بمحاولات لتبييض وجوه اسودت من القبح ومحاولات لغسل أياد تورطت فى ارتكاب الجرائم وتزوير الإرادة الشعبية، ووصل الأمر إلى هجوم كاسح من المحامى البذىء منصور، وعودة وقحة للزومبى القمىء مسرور، والعنكبوت اللزج سبايدر، ولم يتبق سوى أن تعلو صيحات تطالب بالحرية للثائر حبيب العادلى! مؤتمرات تمجد دستور يونيو يرأسها من عبثوا بالدساتير وكنستهم الثورة فى يناير! تافهون وأصحاب عقول فارغة مريضة يتحدثون بجدية عن مؤامرات إرهابية يحيكها بوجى وطمطم لتركيع الدولة. الأمر الذى جعل البعض يسخرون مطالبين بمنع المحاكمات العسكرية للعرائس المدنية وتحويل تلك البلاغات إلى النائب العام لمدينة البط! تحول الوطن بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أعوام على الثورة إلى مدينة عجيبة للملاهى. أشباح قديمة بالية لا تخيف الأطفال تخرج من بيت الرعب المهترئ لكى تأكل الهامبورجر وتشاطر زوار المدينة ممارسة لعبة التأرجح والدوران. كائنات وهمية من عوالم أخرى تعوى فى طرقات مواقع التواصل واليوتيوب، تكره الحرية، وتطالب بإعدام مقدم برنامج ساخر مهد الأرض أمام الجنرالات للخلاص من الإخوان، وعندما طالتهم سخريته صار طابورًا خامسًا يساند الإخوان! شيوخ سلفيون بلهاء أوقعوا جبريل عليه السلام شخصيًّا فى حرج بالغ عندما أخبروا جماهيرهم أنه زارهم، وصلى الفجر معهم فى إشارة رابعة، ووعدهم بعودة مرسى إلى الجلوس على الكرسى بعد أيام معدودات من عزله، فإذا بالأسابيع تجرى والشهور تمضى ولا يتحقق وعده لهم، وهو الملاك حامل رسائل الرب الذى لا ينطق عن الهوى. سياسيون وشخصيات كاريزمية يسبلون عيونهم ويقفون على النواصى تحت شرفات جماهيرهم المشتاقة ممسكين بورود ينزعون أوراقها واحدة تلو الأخرى مرددين بهمس ودلال.. سأترشح.. لا لن أترشح! كأنهم يعيشون فى مسرحية روميو وجولييت لا فى عالم السياسة الذى يفسده التردد. خبراء استراتيجيون تافهون إلى درجة مخزية اكتشفوا فجأة أهمية تنويع مصادر السلاح بعد أن صمتوا عن ذلك طيلة ثلاثين عاما لم تتنوع فيها مصادر حصولهم على ملابسهم الداخلية الأمريكية الصنع. قيادات فى المرحلة الانتقالية صارت قضيتهم المحورية ملاحقة شباب الثورة لأنهم يتظاهرون دون إخطار مسبق، متناسين أن دماء الشهداء الذين تظاهروا دون إخطار مسبق أيضا هى التى أجلستهم على مقاعدهم. مسرحية «الشرطة لم تطلق الخرطوش» صارت تنافس مسرحية «كاتس» على خشبات مسارح برودواى. ماذا أقول سوى لك الله يا وطن؟ بذلت جهدًا كبيرًا لكى أعثر على رقم هاتف أبلة فاهيتا المحمول. عندما ردت حمدت الله أنهم لم يصادروا شريحتها خلال التحقيقات. لم أتعجب عندما أخبرتنى بثقة بالغة أن كل من يتحكمون فى أمور حياتنا شخوص من العرائس الإسفنجية أو الماريونيت. هى تعرفهم جيدًا أيام أن كانوا زملاء لها فى مسرح العرائس بالعتبة الخضراء، وتملك كثيرا من الدلائل على صحة ما تقول. كلهم يتحركون بخيوط غير مرئية لنا. هى تتحدى أن يكون أحد منا قد شاهدهم وهم يأكلون أو يشربون أو يتعرّقون خجلًا مثلنا! بصراحة معها ألف حق. أفعالهم وردود أفعالهم يخجل منها البشر الأسوياء، وغير الأسوياء، ولا يقدر على القيام بها بقلب بارد غير العرائس الخشبية. انفجرت كل الباكابورتات فى وجوهنا. صار السير مستحيلًا وصارت الرائحة لا تطاق. كل المدن التى يحكمها عقلاء تلقى بمخلفات صرفها الصحى إلى الصحراء إلا نحن فقط. نعيد ضخها إلى أنابيب المياه التى نشرب منها بلا معالجة! أعتذر لكم عن رائحة المقال ولكن صدقونى.. نحن لم نعد نحتاج إلى رجل دولة ملهم بقدر ما صرنا نحتاج إلى سباك محترف!