ترامب عن تأجيل لقائه مع بوتين: لا أريد "اجتماعًا فارغًا"    الرياضة تنهي إجراءات تسليم وتسلم إدارة نادي الإسماعيلي للجنة المؤقتة    انهيار نابولي أمام آيندهوفن بسداسية.. وإنتر يواصل تألقه في أبطال أوروبا    نيوكاسل يضرب بنفيكا مورينيو بثلاثية.. وباريس يسحق ليفركوزن بسباعية    كرة يد - "بشعار البطيخ".. منتخب سيدات إسبانيا يحتج ويكتسح إسرائيل    فخ البند السادس والخامس، محامي زيزو يكشف مفاجآت بالجملة في عقد اللاعب مع الزمالك    إصابة 13 شخصا في انقلاب ميكروباص بطريق أبوسمبل بأسوان    النجوم وأبناؤهم على ريد كاربت "السادة الأفاضل" بالجونة السينمائي (صور)    مسؤول أمريكي: لا خطط لقمة بين ترامب وبوتين في المستقبل القريب    نائب وزير الخارجية يستقبل وفدًا من البرلمان الدنماركي    وزير الخارجية: نشأت فى أسرة شديدة البساطة.. وأسيوط زرعت الوطنية فى داخلى    الصليب الأحمر في طريقه لتسلم جثماني محتجزين اثنين جنوب غزة    أحمد موسى عن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي فى بروكسل: مشهد مهيب غير مسبوق    محافظ الإسماعيلية يفتتح أعمال رفع كفاءة وتطوير مصاعد الثلاثينى وكوبرى المشاة    نائبة: القمة المصرية الأوروبية تدعم مسيرة التنمية المستدامة    آرسنال يمطر شباك أتلتيكو مدريد برباعية في دوري الأبطال    ياسين منصور يبدأ تنفيذ خطة أحلامه في الأهلي    زكريا أبوحرام يكتب: شفافية الرئيس    كمين محكم يسقط 3 متهمين بحوزتهم 231 طن أسمدة ومخصبات مجهولة المصدر    صور| انقلاب سيارة نقل محملة بالأسمنت في قنا    المصري الديمقراطي يدفع ب30 مرشحًا فرديًا ويشارك في «القائمة الوطنية»    ريهام عبد الحكيم تتألق بأغنيات ميادة الحناوى ووردة الجزائرية بمهرجان الموسيقى العربية (صور)    مصطفى الفقي: مصر تعرضت لنهب آثارها عبر التاريخ رغم رصيدها الحضاري الضخم    عصام عطية يكتب: 7 دقائق فرنسية!!    رمضان 2026| تفاصيل دور بيومي فؤاد في «علي كلاي» ل أحمد العوضي    متحدث «الوزراء»: شاشات عرض في الميادين لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    هل يجوز تهذيب الحواجب للمرأة إذا سبّب شكلها حرجًا نفسيًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الميراث؟.. أمين الفتوى يجيب    «تعليم المنوفية»: ظهور حالات «جدري الماء» بمدرسة الباجور خفيف ولا يمثل خطورة    أستاذ حساسية يكشف سبب الكحة المتكررة في تغيير الفصول    النائب العام يزور مستشفى سرطان الأطفال 57357    رفضت العودة إليه.. جيران سيدة مدرسة حي الزيتون ضحية طعن زوجها يروون لحظات الرعب    مجلس الشؤون الإنسانية بالإمارات يعرض فيلم «ويبقى الأمل» في مهرجان الجونة    نادية مصطفى: محمد سلطان عبقري عصره.. "ويسلملي ذوقهم" مفاجأتي في أوبرا سيد درويش    شاريسا سولي تشارك في لجنة القضايا العامة بمجلس الكنائس المصلحة العالمي    أوقاف الفيوم تنظم ندوات علمية ضمن فعاليات برنامج "المنبر الثابت"    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت في ذكرى قدوم الإمام لمصر    رمضان عبد المعز: "ازرع جميلًا ولو في غير موضعه".. فالله لا يضيع إحسان المحسنين    الحكومة العراقية تجدد عقد إستيراد الكهرباء من الأردن    دخل السجن بسبب «أموال القذافي» وأيّد حظر النقاب.. 44 معلومة عن نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق    السيسي يهنئ ساناي تاكاياشي لانتخابها أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان    وزير الكهرباء: الجهاز التنفيذي للمحطات النووية خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة    النائب محمد عبد الله زين: أين الحد الأدنى للأجور؟.. وعضو المجلس القومي: لا تحملوا القطاع الخاص فوق طاقته    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب خدمة للطلاب والباحثين بتخفيضات كبيرة    اكتشاف مقبرة جماعية لقتلى عراة فى منطقة تل الصوان شرقى دوما السورية    ماكرون: نسعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن بشأن إدارة غزة    محمد صبحي: مجلس الإسماعيلي خيب آمالنا ووزارة الرياضة أنقذت الموقف    أستاذ علاقات دولية: مصر أصبحت محط أنظار المستثمرين بالعالم خاصة أوروبا    عاجل- مصر تتصدر الدول العربية في استقطاب مشروعات الطاقة المتجددة باستثمارات تتجاوز 161 مليار دولار    برلمانى: القمة المصرية الأوروبية خطوة جديدة لتعزيز الحضور المصري الدولي    تعليم وصحة الفيوم يتابعان التطعيمات اللازمة لطلاب المدارس للوقاية من الأمراض    "أهمية الحفاظ على المرافق العامة".. ندوة بمجمع إعلام سوهاج    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    «تعليم البحيرة» تعلن جداول إمتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    وزير الصحة: إدخال تقنيات المستشفيات الذكية والجراحة الروبوتية ضمن المنظومة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة».. ما فعله اللون الأسود بالأخضر
نشر في التحرير يوم 05 - 01 - 2014

ترسم رواية «لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة» للسورى خالد خليفة، وبحروف تمتلئ بالصدق والشجن والحنين، صورة لا تنسى للحصاد البائس لدولة بوليسية، يحكمها الخوف والقلق، فتترك آثارها على أسرة يعيش أفرادها اغترابًا معذبًا، وانهيارًا لا فكاك منه، تصنع الدولة البوليسية مؤسسات خاوية، فتولد بيوت يسكنها أشخاص معلّقون فى الهواء، يعيشون حياتهم متفرجين، فى حياة موازية لدولة الحزب، لكنهم يدفعون الثمن كاملًا: تشوهات نفسية، وانفجارات عنيفة، هجرة وهروب، حياة بلا دفء، أحلام مجهضة، وقطارات لا تصل أبدا.
بحساسية لا تنقصها التفاصيل، تبدو الرواية كما لو كانت وثيقة عن زمنها، وعن شخصياتها الحية والنابضة، وتبدو حلب الشهباء، وقد أصيبت فى روحها إصابة مباشرة، فانعكس ذلك على العائلة النازحة من الريف، مأساتها فى أحد معانيها خلقها اثنان من الآباء: رب الأسرة زهير الذى ترك زوجته وأولاده، وهرب مع سيدة أمريكية إلى الولايات المتحدة، ورب الوطن / الزعيم الذى فرض الحزب والأناشيد والعيون المتجسسة، فلما مات عام 2000، لم يصدق أحد موته، وأورث ابنه عزبة اسمها الوطن، وما بين الاثنين، يلتقط خالد خليفة باقتدار مؤثر نماذجه المغتربة فى وطنها: الأم المعلّقة بين الصحو والغيبوبة، المهجورة من الزوج والعمل، والابنة المعلّقة بين الحزب والحب، وبين الحلم والفوضى، والابن الحائر بين الموسيقى والموت، والشقيق الثالث (راوى الأحداث) القانع والمستسلم والشاهد على المنزل الخاوى، والخال المعذب بين جسده وروحه، وحول الأسرة نماذج أخرى أصبحت إما جزءًا من ماكينة النظام الغبية، أو رفضت رقصة الدبكة على إيقاعات الحزب، فعاشت منكفئة على ذاتها، ترصد وتتأمل لحظات العار القومى، أو تنتظر الفرصة للهروب بعيدا عن مدينة فقدت روحها: «جميعنا نسير فى البيت غرباء عن بعضنا، حياديين تجاه الأثاث الذى بدأ يتهالك، أمى فى السادسة والأربعين من عمرها، امرأة هَرمة كفاية لكى لا تشعر سوسن بكراهيتها، دخلت إلى غرفتها، وجدت آلات رشيد الموسيقية، الكمان والتشيللو والساكسفون الذى بدأ يعزف عليه مؤخرا مقطوعات جاز رائعة تذكرنا بوجوه فلاحات ميدان أكبس وموظفى محطتها، أمى بقيت مصممة على إعادة عزف الموت والعذراء لشوبرت، يعلق رشيد ساخرا بأن أمنا ولدت على درج أوبرا فيينا، رجت رشيد أن تبقى آلاته فى غرفتها، يعزف لها أغنية فرنسية لجاك بيريل ترجمتها له ومضت تشرح بحماس معانيها».
لا تمتلك الشخصيات سوى الذكريات والانتظار، هناك عجائز ينتظرن الموت، وعمائر عشوائية قبيحة تكتسح حقول الخس، وحارة توحشت لا يمكن الخروج فيها دون التسلح بسكاكين، وحوادث يومية تنبئ عن جحيم أرضى مكتسح: ذلك الأب الذى قتل زوجته وأطفاله الأربعة ثم انتحر بسكين المطبخ صارخا فى جيرانه: «الموت حرقًا أكثر شرفا من انتظار الموت جوعا»، سائلا بحُرقة: «ألا توجد سكاكين فى مطابخ هذه المدينة»؟، تظل المدينة رغم ذلك مستسلمة لقدرها، وكأنه لا سكاكين يمكن استخدامها تعبيرا عن الرفض والتمرد، تكتفى الشخصيات بأحلام اليقظة والنوم، تدفن أفكارها فى الأوراق والرسائل، وكأن الجميع ينتظرون قطارًا لا يأتى، ويقنعون بصور باهتة لعائلة كانت هناك، ولا مزيد من الأطفال فى بلد لم يتحقق فيه الحالمون: «أصابتنا الدهشة حين اكتشفنا أننا دون أصدقاء، طبخت أمى يالنجى ويبرق وتبولة وأطباق طعام كثيرة، فوجئنا أنها لم تنسَ أطباقنا المفضلة، لم تمانع حين فتح رشيد زجاجة ويسكى بلاك ليبل، رفع كأس سوسن أميرة العالم كما أسماها، اكتفينا بنصف احتفال، لم تعد سوسن مجنونتنا التى تلهب مناسباتنا القليلة بصولة رقص شرقية، اكتفينا بتقطيع التورتة التى أحضرتها أمى من محلات سلورة فى الجميلية، تحاول استعادة مكانة عائلية قديمة».
تتداعى الحكايات، وتتزاحم الخيبات، الكل يخاف الكل، حتى الزعيم يخاف شعبه، تتجمد الطموحات مثل صقور محنطة، وتتحول الأمنيات إلى بقايا رماد طفلة معوقة فى قارورة زجاجية، براعة الرواية المكثفة فى هذا المزج الواعى بين العام والخاص، فى تعبير الأسرة عن مأساة الوطن، وفى تقديم هجائية لاذعة لدولة القبيلة البوليسية، بوعى وصدق، ودون شعارات.
«لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة» رواية كبيرة تهز قارئها من الأعماق، تنقل شخوصها إلى حجرتك، وتشهد على ما فعله الحمقى بالمدن، وما فعلته المدن بعشاقها، وما فعله اللون الأسود باللون الأخضر: «مكبرات الصوت صدئت لكنها ما زالت معلقة مكانها، مكتفية ببث أغانى الحزب الثورية فى مناسبات لا تنتهى، فى السنوات الأخيرة تُسمع كما لو أثناء سيرك مسجلات عتيقة تبث آيات من القرآن الكريم تنبعث من شبابيك شقق فى الحى تشبه القبور، بنيت على عجل بمواد مغشوشة وبيعت مبالغ طائلة لفلاحين فقراء ما زالت حلب تجسد حلمهم بالثراء والعيش المدنى، رغم تحول أكثر من ثلاثة أرباع أحيائها إلى عشوائيات غير صالحة للحياة، انتشرت الجريمة، ملتحون يطاردون بكبت فى وضح النهار أى امرأة ترتدى ملابس قصيرة، يذهبون إلى المحاكم إن قبض عليهم، ويخطبون فى جموع القضاة عن الشرف والانحلال الأخلاقى، وحقهم فى محاسبة المستهترين بتعاليم الدين الحنيف، مهرجان جنون حقيقى، وروائح غريبة، أصبحت حلب مدينة مستباحة لخوف لم يتوقف، مدينة مُعاقبة، تئن تحت رغبات تحت رجال مخابرات ومسؤولين فاسدين لا يتقنون شيئا إلا الولاء، وعقد حلقات الدبكة فى استفتاءات الرئيس التى جعلت جان يكتب لابنه بأنه شعر لأول مرة فى حياته بعار لا حدود له».
يقول خالد خليفة فى روايته: «الأمكنة التى لا تعنينا لا نسمع أنينها»، ولأن وطنه يعنيه، فقد تحولت حكايته إلى قصيدة أنين وحنين للأماكن والجدران والبشر، وما نهاية الانتظار والجمود إلا الموت، ذلك الفعل البسيط «كدلق كأس ماء على أرض جافة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.