البابا تواضروس يترأس صلوات تدشين كنيسة العذراء بمسرة.. بث مباشر    فادي السيد يكشف عن مواصفات فتاة أحلامه    النائب حازم الجندي بعد رفع فيتش التصنيف الائتماني لمصر: دفعة قوية للاقتصاد    أسعار الذهب اليوم السبت 2-11-2024 خلال التعاملات الصباحية.. تراجع عيار 21    أسعار الأسماك في سوق المنيب بالجيزة.. «البلطي» ب45 جنيهًا    الطن بكام انهاردة.. أسعار الحديد صباح تعاملات اليوم السبت 2 نوفمبر 2024 (آخر تحديث)    حزب الله: قصفنا مستوطنة بيريا شمال مدينة صفد برشقة صاروخية    شهداء وجرحى فى قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي مدينة غزة    مقتل 8 أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على مدينة غزة ووسط القطاع    تشكيل ليفربول ضد برايتون في الدوري الإنجليزي    تفاصيل حالة الطقس اليوم السبت 2 نوفمبر 2024: أمطار رعدية على 19 محافظة وتحذيرات هامة من الأرصاد    بسبب الزوجات.. أخ يقتل شقيقه ويصيب نجله بطلقات نارية في البدرشين    اليوم.. محاكمة ميار الببلاوي والشيخ محمد أبو بكر بتهمة السب والقذف    اليوم.. محاكمة سائق دهس 7 لاعبين من نادي 6 أكتوبر    تحرير 212 مخالفة مرورية خلال حملة مرورية بالمنوفية    قصور ثقافة الأقصر تقدم محاضرات حول تنمية طفل القرى واليوم العالمى للمعلم    عمرو أديب يطالب بتقنين الحشيش كدواء مسكن للآلام في مصر تحت رقابة صحية    انخفاض أسعار البيض في المزارع المحلية اليوم 2 نوفمبر    "لمَّا كُنَّا صغيرين".. معلومات قد تعرفها لأول مرة حول "ترامب" و"هاريس": ملا مح طفولة ومراحل حياة نحو البيت الأبيض    «كما هو مكتوب على باب الجحيم!» قصة قصيرة للكاتب حسين عبد العزيز    إيهاب الخطيب يفجر مفاجأة بشأن عودة طارق حامد للزمالك| تفاصيل    سبب خروج كهربا من قائمة الأهلي لمواجهة سيراميكا في الدوري المصري.. تقرير يكشف    ضبط صاحب شركة تسفير متهم بالنصب على الشباب بعقود سفر وهمية فى سوهاج    وزير الرياضة: «مدينة مصر الأولمبية» نموذجا للحداثة    رضا عبد العال: رحيل معلول عن الأهلي ليس قرار محمد رمضان    ثنائيات مميزة على السجادة الحمراء في ختام مهرجان الجونة.. ياسمين رئيس وزوجها الأبرز    فستان شفاف وبدون بطانة.. بسمة وهبي تثير الجدل فى حفل خطوبة ابنتها    اليوم.. إطلاق 9 قوافل طبية ضمن مبادرة حياة كريمة    أسامة كمال: مليار جنيه يوميا حجم دعم الدولة للمنتجات البترولية    حكايات| الجبالي وقنديل.. الأستاذ والتلميذ في «تواصل الأجيال»    جرائم على السوشيال ميديا.. الداخلية تصل إلى الجناة في زمن قياسي    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم».. حقيقة زيادة كروت الشحن وباقات الإنترنت.. وعمرو أديب يطالب بتقنين الحشيش غي مصر    النظارة الطبية تنقذ طفلك من «كسل العين»    ترجمه الذكاء الاصطناعي للعربية.. «الحرب» كتاب جديد يكشف ألاعيب السياسة الأمريكية    «ظالمة».. تعليق مثير من طارق يحيى على عقوبات اتحاد الكرة ضد ثلاثي الزمالك    تجدد اشتعال النيران في مصنع جنوب بورسعيد    26 سبيكة ذهبية| محاكمة المتهم بسرقة فيلا أيمن طاهر.. اليوم    بعد تطبيق التوقيت الشتوي.. مواقيت الصلاة في مصر اليوم السبت    إصابة العشرات إثر سقوط صاروخ من لبنان على بلدة الطيرة وسط إسرائيل    مصر «فرحانة» ب«شيخة مجاهدي سيناء»    روسيا: نموذج أوكرانيا منع مواطنى جورجيا من الانحياز للغرب ضدنا    سد النهضة دخل مرحلة الخطر.. زلزالان جديدان في إثيوبيا    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. من أفضل الأدعية بعد صلاة الفجر؟    دعاء الرزق والتوفيق في العمل.. يأتيك بخير الدنيا والآخرة    رغبة قوية في العودة إلى الماضي.. توقعات برج القوس اليوم 2-11-2024    اللجنة الأممية المشتركة تدعو لوقف مهاجمة الفلسطينيين وفرق الإغاثة بغزة    «الصحة العالمية»: استئناف الجولة الثانية من التطعيم ضد شلل الأطفال بشمال غزة اليوم    الاحتواء واجب.. تعليق ناري من رئيس قناة الأهلي الأسبق على فوز الزمالك    المثال الأعلى .. علي جمعة: كل أحد في العالمين يجد نفسه في الرسول    ماذا كان يقول النبي قبل النوم؟ ردد هذه الاذكار تحفظك من كل سوء    مهام متعددة للجنة دائمة لشؤون اللاجئين بالقانون الجديد    قبل مواجهة ليفربول.. باير ليفركوزن يتعثر أمام شتوتجارت    فادى السيد عن فتاة أحلامه: مصرية بتعمل حواوشى وشبه هدى المفتى    10 علاجات منزلية للتخلص من احتقان الأنف    متسابقو "كاستنج" يقدمون مشاهد مضحكة لإرضاء لجنة التحكيم.. فيديو    عملية جراحية ناجحة لترميم عضلات المثانة بمستشفى دمياط    أسماء جلال بالأحمر الجريء في ختام الجونة.. "اتلبس مرتين قبل كدا"    أمين صندوق الأطباء يطالب بتغليظ عقوبة الاعتداء على الأطقم والمنشآت الطبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة».. ما فعله اللون الأسود بالأخضر
نشر في التحرير يوم 05 - 01 - 2014

ترسم رواية «لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة» للسورى خالد خليفة، وبحروف تمتلئ بالصدق والشجن والحنين، صورة لا تنسى للحصاد البائس لدولة بوليسية، يحكمها الخوف والقلق، فتترك آثارها على أسرة يعيش أفرادها اغترابًا معذبًا، وانهيارًا لا فكاك منه، تصنع الدولة البوليسية مؤسسات خاوية، فتولد بيوت يسكنها أشخاص معلّقون فى الهواء، يعيشون حياتهم متفرجين، فى حياة موازية لدولة الحزب، لكنهم يدفعون الثمن كاملًا: تشوهات نفسية، وانفجارات عنيفة، هجرة وهروب، حياة بلا دفء، أحلام مجهضة، وقطارات لا تصل أبدا.
بحساسية لا تنقصها التفاصيل، تبدو الرواية كما لو كانت وثيقة عن زمنها، وعن شخصياتها الحية والنابضة، وتبدو حلب الشهباء، وقد أصيبت فى روحها إصابة مباشرة، فانعكس ذلك على العائلة النازحة من الريف، مأساتها فى أحد معانيها خلقها اثنان من الآباء: رب الأسرة زهير الذى ترك زوجته وأولاده، وهرب مع سيدة أمريكية إلى الولايات المتحدة، ورب الوطن / الزعيم الذى فرض الحزب والأناشيد والعيون المتجسسة، فلما مات عام 2000، لم يصدق أحد موته، وأورث ابنه عزبة اسمها الوطن، وما بين الاثنين، يلتقط خالد خليفة باقتدار مؤثر نماذجه المغتربة فى وطنها: الأم المعلّقة بين الصحو والغيبوبة، المهجورة من الزوج والعمل، والابنة المعلّقة بين الحزب والحب، وبين الحلم والفوضى، والابن الحائر بين الموسيقى والموت، والشقيق الثالث (راوى الأحداث) القانع والمستسلم والشاهد على المنزل الخاوى، والخال المعذب بين جسده وروحه، وحول الأسرة نماذج أخرى أصبحت إما جزءًا من ماكينة النظام الغبية، أو رفضت رقصة الدبكة على إيقاعات الحزب، فعاشت منكفئة على ذاتها، ترصد وتتأمل لحظات العار القومى، أو تنتظر الفرصة للهروب بعيدا عن مدينة فقدت روحها: «جميعنا نسير فى البيت غرباء عن بعضنا، حياديين تجاه الأثاث الذى بدأ يتهالك، أمى فى السادسة والأربعين من عمرها، امرأة هَرمة كفاية لكى لا تشعر سوسن بكراهيتها، دخلت إلى غرفتها، وجدت آلات رشيد الموسيقية، الكمان والتشيللو والساكسفون الذى بدأ يعزف عليه مؤخرا مقطوعات جاز رائعة تذكرنا بوجوه فلاحات ميدان أكبس وموظفى محطتها، أمى بقيت مصممة على إعادة عزف الموت والعذراء لشوبرت، يعلق رشيد ساخرا بأن أمنا ولدت على درج أوبرا فيينا، رجت رشيد أن تبقى آلاته فى غرفتها، يعزف لها أغنية فرنسية لجاك بيريل ترجمتها له ومضت تشرح بحماس معانيها».
لا تمتلك الشخصيات سوى الذكريات والانتظار، هناك عجائز ينتظرن الموت، وعمائر عشوائية قبيحة تكتسح حقول الخس، وحارة توحشت لا يمكن الخروج فيها دون التسلح بسكاكين، وحوادث يومية تنبئ عن جحيم أرضى مكتسح: ذلك الأب الذى قتل زوجته وأطفاله الأربعة ثم انتحر بسكين المطبخ صارخا فى جيرانه: «الموت حرقًا أكثر شرفا من انتظار الموت جوعا»، سائلا بحُرقة: «ألا توجد سكاكين فى مطابخ هذه المدينة»؟، تظل المدينة رغم ذلك مستسلمة لقدرها، وكأنه لا سكاكين يمكن استخدامها تعبيرا عن الرفض والتمرد، تكتفى الشخصيات بأحلام اليقظة والنوم، تدفن أفكارها فى الأوراق والرسائل، وكأن الجميع ينتظرون قطارًا لا يأتى، ويقنعون بصور باهتة لعائلة كانت هناك، ولا مزيد من الأطفال فى بلد لم يتحقق فيه الحالمون: «أصابتنا الدهشة حين اكتشفنا أننا دون أصدقاء، طبخت أمى يالنجى ويبرق وتبولة وأطباق طعام كثيرة، فوجئنا أنها لم تنسَ أطباقنا المفضلة، لم تمانع حين فتح رشيد زجاجة ويسكى بلاك ليبل، رفع كأس سوسن أميرة العالم كما أسماها، اكتفينا بنصف احتفال، لم تعد سوسن مجنونتنا التى تلهب مناسباتنا القليلة بصولة رقص شرقية، اكتفينا بتقطيع التورتة التى أحضرتها أمى من محلات سلورة فى الجميلية، تحاول استعادة مكانة عائلية قديمة».
تتداعى الحكايات، وتتزاحم الخيبات، الكل يخاف الكل، حتى الزعيم يخاف شعبه، تتجمد الطموحات مثل صقور محنطة، وتتحول الأمنيات إلى بقايا رماد طفلة معوقة فى قارورة زجاجية، براعة الرواية المكثفة فى هذا المزج الواعى بين العام والخاص، فى تعبير الأسرة عن مأساة الوطن، وفى تقديم هجائية لاذعة لدولة القبيلة البوليسية، بوعى وصدق، ودون شعارات.
«لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة» رواية كبيرة تهز قارئها من الأعماق، تنقل شخوصها إلى حجرتك، وتشهد على ما فعله الحمقى بالمدن، وما فعلته المدن بعشاقها، وما فعله اللون الأسود باللون الأخضر: «مكبرات الصوت صدئت لكنها ما زالت معلقة مكانها، مكتفية ببث أغانى الحزب الثورية فى مناسبات لا تنتهى، فى السنوات الأخيرة تُسمع كما لو أثناء سيرك مسجلات عتيقة تبث آيات من القرآن الكريم تنبعث من شبابيك شقق فى الحى تشبه القبور، بنيت على عجل بمواد مغشوشة وبيعت مبالغ طائلة لفلاحين فقراء ما زالت حلب تجسد حلمهم بالثراء والعيش المدنى، رغم تحول أكثر من ثلاثة أرباع أحيائها إلى عشوائيات غير صالحة للحياة، انتشرت الجريمة، ملتحون يطاردون بكبت فى وضح النهار أى امرأة ترتدى ملابس قصيرة، يذهبون إلى المحاكم إن قبض عليهم، ويخطبون فى جموع القضاة عن الشرف والانحلال الأخلاقى، وحقهم فى محاسبة المستهترين بتعاليم الدين الحنيف، مهرجان جنون حقيقى، وروائح غريبة، أصبحت حلب مدينة مستباحة لخوف لم يتوقف، مدينة مُعاقبة، تئن تحت رغبات تحت رجال مخابرات ومسؤولين فاسدين لا يتقنون شيئا إلا الولاء، وعقد حلقات الدبكة فى استفتاءات الرئيس التى جعلت جان يكتب لابنه بأنه شعر لأول مرة فى حياته بعار لا حدود له».
يقول خالد خليفة فى روايته: «الأمكنة التى لا تعنينا لا نسمع أنينها»، ولأن وطنه يعنيه، فقد تحولت حكايته إلى قصيدة أنين وحنين للأماكن والجدران والبشر، وما نهاية الانتظار والجمود إلا الموت، ذلك الفعل البسيط «كدلق كأس ماء على أرض جافة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.