عاد من جديد تنظيم «القاعدة» إلى شاشة الاهتمام الأمريكى. تحركات «القاعدة» وانتشاره وتمويله وعملياته الإرهابية كانت أمورا شغلت واشنطن سنوات طويلة. وها هو يعود هذا التنظيم الإرهابى العالمى ليحتل موقعا مميزا فى أجندة الإدارة الأمريكية وقراراتها وتصريحاتها. منذ أيام قليلة كشفت «نيويورك تايمز» أن الولاياتالمتحدة بدأت فى إرسال أسلحة تشمل صواريخ وطائرات «درون» «بدون طيار» للعراق لمساعدته فى محاربة الإرهاب الموالى للقاعدة وتحديدا تنظيم «داعش» (الدولة الإسلامية فى العراق والشام). وبجانب هذه الإمدادات العسكرية اتفق الطرفان على تعاون استخبارتى لمطاردة أفراد «داعش». وكلها تأتى استجابة لطلب من الرئيس العراقى نورى المالكى الذى قابل الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى واشنطن الشهر الماضى. الوضع الأمنى فى العراق متدهور لأقصى درجة. وعدد القتلى خلال عام 2013 تجاوز ال8 آلاف منهم أكثر من 950 من رجال الأمن العراقى. والمواجهة مصيرية. وفى سياق متصل أصبح الجهاديون الموالون أو المتعاونون مع «القاعدة» مصدرا لقلق وتخوف فى سوريا خصوصا فى الفترة الأخيرة. ولهذا طالبت الولاياتالمتحدة من حلفائها فى الخليج التوقف عن مد هؤلاء بالأموال والأسلحة. وأثير مع طرح هذا الملف الشائك مدى استجابتهم لاتخاذ خطوات فعلية حيال هذا الطلب الأمريكى وهل فى استطاعتهم فعل ذلك؟ وهل يريدون القيام بذلك؟. وفى كلتا الحالتين «فى العراقوسوريا» يجب التذكير بأن خطاب الحث والتحفيز على الجهاد يهدف بشكل أساسى إلى إشعال المواجهة السنية الشيعية. ومن ثم تتدفق الأموال ويتسلل الأفراد ويتزايد أعدادهم داخل سوريا. وقد كشفت بعض التقارير الأخيرة أن نحو 11 ألف محارب من 70 دولة انضموا للجهاد فى سوريا ضد نظام الأسد خلال هذا العام، نحو 1900 منهم من دول غرب أوروبا. وهناك بعض التقديرات عن عشرات من الأمريكيين ضمن صفوف الجهاديين فى سوريا. وهذه القضية تحديدا سيطرت على اهتمام الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية فى الفترة الأخيرة وهى تتعاون حاليا مع نظيراتها فى دول المنطقة من أجل رصد هؤلاء الجهاديين ومطاردتهم و«سد الطرق» أمامهم. وبما أن سوريا صارت فى نظر بعض المراقبين ملاذا و«أرض معارك» للجهاديين لم يتردد المراقبون فى تسمية سوريا«أفغانستان المتوسط». وما دمنا نتحدث عن عودة «القاعدة» إلى دائرة الاهتمام الأمريكى. تجب الإشارة إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية أصدرت مؤخرا قرارا بإدراج القطرى عبد الرحمن النعيمى (رئيس منظمة الكرامة لحقوق الإنسان) واليمنى عبد الوهاب الحميقانى (أمين عام حزب الرشاد وعضو مؤتمر الحوار الوطنى) على قائمة الإرهاب لقيامها وتورطهما فى تقديم الأموال لتنظيم القاعدة. ومن ضمن ما قالته الخزانة الأمريكية عن النعيمى إنه قام فى عام 2013 بتحويل 600 ألف دولار ل«القاعدة» عبر ممثل للتنظيم فى سوريا، كما قام منذ سنوات بتحويل أكثر من مليونى دولار شهريا ل«االقاعدة فى العراق» ولفترة ما. وبالطبع نفى كل من النعيمى والحميقانى «مزاعم واشنطن» حسب تعبيرهما. وحديث عن «القاعدة» ازداد فى الأشهر الأخيرة مع الحديث أيضا عن مصر واليمن وليبيا ومالى. يوم الأحد الماضى مع حدوث تفجير انتحارى فى بنغازى حذر بعض المراقبين من أن تكون هذه العملية مؤشرا أن «القاعدة » لم يعد يستعمل ليبيا كملاذ آمن له بل أرضًا لمعاركه القادمة ولبسط نفوذه داخل ليبيا. محاربة الإرهاب والقاعدة ستكون أحد المواضيع الرئيسية التى سيناقشها وزيران سابقان للدفاع والخارجية هما روبرت جيتس وهيلارى كلينتون فى كتابين قادمين يصدران خلال 2014. روبرت جيتس وزير الدفاع فى إدارة أوباما سيصدر له كتاب يوم 14 يناير المقبل. والكتاب اسمه «الواجب: مذكرات وزير حرب». وسيكون الكتاب كما قال جيتس عن «سنواتى الأربع والنصف مع الحرب» فى عهدى بوش الابن ثم أوباما بعده وتعامله مع حربين فى كل من العراقوأفغانستان من خلال المعارك السياسية مع الكونجرس ورئيسين وأيضا العاملين فى البنتاجون. جيتس كان وزيرا للدفاع ما بين 2006 و2011. أما هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية السابقة فهى المسؤول الأمريكى الآخر الذى سيتحدث عن الإرهاب وبن لادن فى كتاب جديد. والكتاب الجديد هو مذكراتها ويصدر فى شهر يونيو القادم. ولم يتحدد بعد اسم الكتاب. وإن كان سيكون موضوعه الأساسى -كما قال الناشر- سياسة أمريكا الخارجية من خلال مجموعة من «اللحظات الدرامية» فى حياة هيلارى مثل مقتل أسامة بن لادن والربيع العربى. كما ذكر الناشر أيضا أن الكتاب سيعكس آراء هيلارى كلينتون ومواقفها تجاه «التاريخ المعاصر لسياسة أمريكا الخارجية والحاجة الملحة إلى دور قيادى لأمريكا فى عالم متغير». قبل صدور هذا الكتاب بقلم هيلارى فى يونيو سيصدر كتاب آخر عنها وعن حياتها وصعودها السياسى فى شهر فبراير المقبل. وهيلارى البالغة من عمر 66 عامًا كانت وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة ال67 فى الفترة ما بين 21 يناير 2009 والأول من فبراير 2013. ومع اقتراب عام 2013 من نهايته توجد مؤشرات عديدة تؤكد إمكانية خوض هيلارى كلينتون معركة الانتخابات الرئاسية فى عام 2016. هيلارى وزيرة الخارجية السابقة وأيضا زوجة الرئيس الأمريكى رقم (42) بيل كلينتون منذ أيام وفى تويتة بعثت بها بمناسبة عيد الكريسماس وقدوم العام الجديد هنأت المتابعين والمتابعات لها -يزيد عددهم على مليون- وقالت «وأنا أفكر فى الملايين الذين يواجهون تحديات كل يوم. وأتطلع لعام 2014، هناك الكثير لعمله». ولا شك أن الأيام المقبلة ستشهد تبعات صفقة أمريكا مع إيران وانعكاساتها داخليا وإقليميا وعالميا. والأزمة السورية بكل مشاهدها المأساوية تهيمن على اهتمام الكثيرين. خصوصا أن الكل يتخوف من أن القتال الدائر فى سوريا سوف ينتقل حتما إلى الدول المجاورة ويزداد اشتعالا. وسوف يتزايد العنف فى أفغانستان ويزداد عدم الاستقرار السياسى فى الأردن، وأيضا ربما تتزايد قوة القاعدة ونفوذها فى شبه الجزيرة العربية نتيجة عدم الاستقرار المستمر فى اليمن وكرد فعل للعمليات الأمريكية فى مكافحة الإرهاب. وأغلب الشعوب وخصوصا فى منطقة الشرق الأوسط فى حالة ترقب وتخوف وتريد «أن تعرف رأسها من رجليها» أو «تتأكد أن الغد سيكون أفضل من اليوم؟». ولكن كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟.. تظل أسئلة الساعة.