كم أتمنى أن تذهب مصر كلها إلى بورسعيد غدًا لتحتفل بعيد النصر بعد سنوات من الإهمال المتعمد لهذا اليوم المجيد فى تاريخ الوطن. كانت «بورسعيد 56» هى العنوان الرسمى للقرار الوطنى المستقل الذى افتقدناه فى السنوات الماضية واستعدناه حين استعدنا الثورة. وكانت «بورسعيد 56» هى الراية التى رفعناها عاليًا، رمزًا لكرامة الوطن بعد أن دفعنا الثمن غاليًا وقدمنا آلاف الشهداء لنسترد قناة السويس من غاصبيها. «بورسعيد 56»كانت فاصلًا بين عصرين، حيث كتبنا بالدم نهاية الاستعمار القديم، وفتحنا أبواب الحرية أمام كل شعوب العالم بدءًا من المنطقة العربية التى اختارت الطريق الذين دشنه عبد الناصر وهو يعلن أن على الاستعمار أن يحمل عصاه على كاهله ويرحل.. وقد كان، وتطهرت أرض العرب من المحيط إلى الخليج، ومعها كانت حركة التحرر الوطنى تمتد إلى إفريقيا وآسيا وكل الشعوب المكافحة من أجل الاستقلال. فى مذكرات «مانديلا» الذى رحل عن عالمنا قبل أيام يقول إنه لولا انتصار مصر فى 56 لما صمد شعب جنوب إفريقيا حتى انتصر على العنصرية، وقبله كان زعماء إفريقيا يبدؤون من القاهرة رحلة التحرر. وكان جيفارا وكاسترو يؤكدان أنهما استلهما شرارة ثورة الحرية من انتصار بورسعيد. ولولا «بورسعيد 56» لما بدأت شعوب العالم رحلة استرداد ثرواتها المنهوبة. وبعد الانتصار وعودة قناة السويس لأحضان الوطن الأم فقط، ارتفع شعار «بترول العرب للعرب» بعد أن كان للأجنبى المستغل وحده. وكما استعدنا القناة لنبنى السد ونبدأ النهضة وعاد البترول لأصحابه ليحولوا الصحارى إلى عناوين للتقدم والازدهار. لم تكد المدينة الباسلة تبدأ فى التعافى من آثار العدوان ومن الحصار الاقتصادى الذى تعرضت له مصر فى هذه الفترة، حتى كانت ضربة 67 ومعها سنوات أخرى من الصمود العظيم كانت فيها مدن القناة هى خط الدفاع الأساسى عن شرف مصر، وجبهة الإعداد للحرب المنتصرة فى 1973. ما حدث بعد ذلك كان جزءًا مما حدث لمصر كلها. حلم تحويل المنطقة إلى أكبر منطقة حرة للتجارة العالمية انتهى إلى ما نراه الآن، حيث الركود يسود المدينة، ومافيا التهريب تسيطر على اقتصادها، ورغم هذا فلن تنسى مصر أن بورسعيد ومدن القناة كانت البشير بسقوط حكم الإخوان واستعادة الثورة التى سرقوها. ولن يغيب عن الذاكرة كيف تحول قرار الرئىس المعزول بغرض الطوارئ وحظر التجول فى مدن القناة إلى مسمار فى نعش النظام؟! وكيف تحولت مناورة زرع الشقاق بين مواطنى القناة وجيش مصر الذى تولى الأمور هناك فى هذه الفترة.. إلى تأكيد على حقيقة الوحدة الأبدية بين شعب مصر وجيشها، خصوصا حين يتعلق الأمر بهذه المنطقة التى ارتوت بدماء المصريين دفاعًا عن شرف الوطن. اليوم نتذكر كيف كنا من عام واحد فقط أمام المؤامرة الكبرى لفصل «إقليم القناة» عن مصر، ليكون حاجزًا يترك سيناء فى قبضة الإرهاب ورهن الاتفاقيات الخائنة لتقسيم مصر!! واليوم نتذكر كيف كان الإخوان يخططون لكى تكون القناة وما حولها فى يد الأهل والعشيرة من الداخل والخارج، بعيدًا عن أى إحساس بمعنى الوطن الذى لم يعرفوه يومًا ولم ينتموا إليه من الأساس! يأتى «عيد النصر» هذا العام ونحن نعرف أن كل محاولات تشويه التاريخ قد فشلت، وأن كل المؤامرات ضد ذاكرة الوطن قد سقطت، وأن تضحيات المصريين لم تذهب سدى. ما زلنا فى قلب المعركة، وما زالت عصابات الإرهاب بقيادة الإخوان ترقص رقصتها الأخيرة قبل الموت، وما زالت الضغوط الدولية تكرر المحاولات وتكرر الفشل. لكننا ندرك، أكثر من أى وقت مضى، درس 56، ومعنى الاستقلال الحقيقى الذى لا يمكن أن نحقق بدونه استقرارا أو تنمية أو تقدمًا أو ديمقراطية. لهذا كله كان ينبغى أن يكون احتفالنا بعيد النصر فى 56 مختلفًا هذا العام. أعرف أن الظروف صعبة ولكن المناسبة تستحق. أنتظر خطابًا يعبِّر عن وطن يعتز بأيامه الخالدة من الرئىس عدلى منصور. أتمنى حضورًا، بشكلٍ ما، من الفريق السيسى يؤكد المعنى الحقيقى لوحدة الشعب والجيش، التى حافظت على مصر وهزمت كل التحديات. والأهم من كل ذلك أن نتوقف جميعًا عند المعنى الأساسى لبورسعيد 56 الذى يتجسد أمامنا الآن ونحن نبنى نظامنا الجديد: الاستقلال الوطنى هو الأساس، والكرامة الوطنية هى الراية التى نحقق فى ظلها أهداف الثورة. كل سنة مصر رايتها مرفوعة، وثورتها منتصرة، بإذن الله، ثم بإرادة الشعب.