جيمس وات: مصر فى حاجة إلى مانديلا جديد.. وخريطة الطريق ستؤدى بمصر إلى بر الديمقراطية التحول الكبير والسريع فى موقف عدد كبير من الدول الأوروبية مما حدث فى مصر بعد 30 يونيو، ونظرتها التى تجمدت وفقًا لمصالحها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا شك هو نجاح للدبلوماسية المصرية وللقيادة الحالية الملتزمة بخارطة الطريق من أجل الوصول إلى بر الأمان خلال فترة وجيزة. من هذه الدول بريطانيا العظمى، التى التقت «التحرير» سفيرها لدى القاهرة جيمس وات ليتحدث عن موقف بلاده مما يحدث فى مصر بعد رحيل دولة الإخوان. ■ هل ترى أن خارطة الطريق تمضى بمصر نحو ديمقراطية حقيقية؟ - هدف الخارطة هو الوصول بمصر إلى الديمقراطية، وهو هدف فى متناول يد الشعب المصرى، وكلى ثقة فى الوصول إلى الديمقراطية على أساس سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الفردية مثل أى دولة حديثة ومتقدمة، غير أن هذا الهدف الجيد الذى أثق فى إمكانية وصول مصر إليه تعترضه عقبات، ومن المهم أن تكون النتيجة من جراء كل هذه المتغيرات والدستور الجديد توفير الحرية والعدل وسيادة القانون فى شتى مناحى الحياة ومختلف جوانبها. ■ ما المواصفات المطلوب توافرها فى شخص رئيس الجمهورية القادم؟ - مصر فى حاجة إلى قائد عظيم يتمتع بصفات إنسانية وأخلاقية ويكون قادرًا على تمثيل كل المصريين وتحقيق آمالهم وطموحاتهم. ■ هل ترى أن مصر بحاجة إلى شخص مثل مانديلا؟ - بالطبع مصر تحتاج إلى التسامح، ويجب أن تبدأ هذه العملية فى يوم ما بين مختلف الأطراف المتصارعة، حتى تتوحد مصر مجتمعيًّا، ولهذا يجب أن يكون هناك اتفاق وطنى على أساس النظام السياسى والحل الوحيد لن يأتى إلا عن طريق الديمقراطية الكاملة والصحيحة. ■ وماذا عن الدستور؟ - الدستور الجديد الذى يحترم حقوق كل المواطنين ويترك مساحة للحرية وتنوع الآراء سيكون أساسًا جيدًا لمستقبل مصر ونظامها الديمقراطى الذى يجب أن يعكس تنوعها وثراءها وجذورها العميقة. ■ لماذا تثيرون قضايا حقوق الإنسان فى مصر؟ - لقد انتقدنا بعض الممارسات والأحداث التى وقعت فى فترة ما بعد 30 يونيو، كما أنه توجد لدينا تحفظات قوية نريد أن نتأكد من احترام السلطات المصرية لحقوق الإنسان فى موضوعات حرية الرأى والتعبير والتظاهر. ■ هل يمكن لبريطانيا بدلًا من انتقادها أداء قوات الأمن أن تساعد فى تقديم يد العون إلى الشرطة؟ - بالفعل طرحنا قبل 3 سنوات إمكانية تقديم المساعدة، خصوصا فى مجال تدريب قوات الشرطة، وفى كل مرة تأتى حكومة جديدة وندخل فى حوار مع السلطات المصرية، ومن جانبنا نرحب ونؤكد أننا جاهزون بالفعل وعلى استعداد للتعاون فى هذا المجال والارتقاء بأداء القوات، ولكن لسوء الحظ فى كل مرة من المرات الثلاثة تكون هناك تطورات وأحداث فى مصر وتقول القيادة العليا للشرطة إنها اضطرت للانشغال بتطورات الوضع فى البلد، ورغم هذا ما زالت يد بريطانيا ممدودة لتقديم المساعدة إلى مصر، وما زال هذا العرض قائمًا سعيًّا إلى تحقيق الاستقرار وتطبيق سيادة القانون والدستور. ■ ما الأسباب التى دعت بريطانيا إلى إعلان تأييدها لخريطة الطريق والحكومة الانتقالية فى مصر بعكس دول غربية وأوروبية أخرى؟ - يمكن أن تسألوا هذه الدول عن موقفها هذا، غير أننا لا نعتقد أن هناك انقسامًا أو فرقًا كبيرًا بين الدول الأوروبية ومواقفها، ولكننا فى بريطانيا لدينا وعى كبير بحجم التحديات الخطيرة المحدقة بالمنطقة خاصة موضوع الإرهاب وتحديدًا فى سيناء، كما أن بلادنا تربطها علاقات صداقة عميقة وقوية جدًا بمصر. وكيف ترى بريطانيا والدول الغربية بصفة عامة حالة الانفتاح المصرى على الدول الشرقية خصوصا روسياوالصين؟ - لا يوجد تناقض بين الصداقة التى تربط بين مصر والدول الغربية وصداقتها مع دول أخرى سواء كانت روسيا أو الصين. المملكة المتحدة تربطها علاقات طيبة مع جميع دول العالم، ومن الطبيعى أن تكون لمصر علاقات طيبة وطبيعية مع الجميع، ويكون هناك تنوع لديها فى العلاقات والخيارات الخارجية، وهذا أمر طبيعى وصحى. ■ وماذا عن التعاون بين مصر والمملكة المتحدة فى مجال مكافحة الإرهاب؟ - يجرى تحديد وتحليل للتهديدات الخاصة بهذه الظاهرة الدولية التى تطول كثيرًا من الدول، بما فيها بريطانيا التى تعد مجتمعًا مفتوحًا ترحب بالجميع من مختلف دول العالم وكل الأعراق والأديان، ويعيش فيها عدد كبير من المسلمين ويمارسون شعائرهم بكل حرية ومعظمهم مواطنون صالحون جدًا ويتمتعون بكل الحقوق والحريات. - الأفكار المتطرفة وسموم الإرهاب تؤثر على بعض هؤلاء المسلمين مثلما يحدث فى كثير من دول العالم، ولهذا فمن المهم أن نفهم الوضع فى مصر والمنطقة التى تعانى عديدًا من المشكلات من أبرزها الأزمة السورية، وما تسببت فيه الحرب هناك من حالة عدم استقرار وأصبحت بؤرة لتجمع وإيواء المتشددين، لذلك من المهم أن الدول المحورية فى المنطقة مثل مصر والتى تتميز بالوسطية والاعتدال أن يكون لها دور فى ضبط إيقاع الأحداث فى المنطقة فى هذه المرحلة. مصر شريك مهم فى إحلال السلام، كما تلعب بسبب مواقفها المعتدلة والوسطية دور ضد التطرف. ■ لقد تحدث مستشار الأمن القومى البريطانى عن تعاون مع مصر فى مجال مكافحة الإرهاب.. فماذا يقصد؟ - تفاصيل التعاون فى هذا المجال لا نتحدث عنها فى وسائل الإعلام، غير أننا نؤكد دعمنا لمصر فى جهودها من أجل مكافحة الإرهاب لاجتثاث البؤر الإرهابية فى سيناء. ■ ماذا عن تقييمك للاقتصاد المصرى فى هذه المرحلة؟ - هو تحت المستوى المطلوب، ولا تدور عجلاته كما ينبغى، والعلاج يأتى عبر تبديد الشكوك الاقتصادية والسياسية حيال الأوضاع فى مصر. ■ ما المعوقات التى تحول دون زيادة الاستثمارات البريطانية فى مصر؟ - الشركات البريطانية استمرت فى عملها خلال الفترة الماضية وما زالت تحتل بريطانيا المرتبة الأولى كأكبر مستثمر أجنبى فى مصر رغم تحديات الفترة الماضية، كما أن معظم هذه الشركات على استعداد لزيادة استثماراتها فى السوق المصرية، لكن هناك مشكلات تواجهها، شأنها شأن باقى الشركات الأخرى العاملة فى السوق المصرية، حيث تدور الشكوك حول البانوراما السياسية فى البلد، لذلك تقوم الحكومة البريطانية بتشجيع التقدم فى خطوات خريطة الطريق السياسية فى مصر لكى تمضى قدمًا بجميع عناصرها المتبقية بما فيها مراجعة مشروع الدستور من خلال استفتاء يومى 14 و15 يناير القادم للوصول إلى دولة سيادة القانون كأساس للتقدم السياسى والاقتصادى فى المستقبل. المستثمرون ينظرون إلى العملية السياسية الداخلية فى مصر وينتظرون فى هذه المرحلة لكى يروا التقدم فى تنفيذ عناصر خريطة الطريق ومراحلها، لكن من المؤكد أن الاستثمار فى مصر مفيد للغاية أكثر من أى دولة أخرى، خصوصا فى مجالات الغاز الطبيعى والنفط والأدوية والاتصالات، ولدينا شركة إنجليزية كبرى تعمل بنجاح فى السوق المصرية، كما أن البنوك البريطانية تعمل فى مصر منذ زمن طويل. هناك تحديات أخرى تواجه الاقتصاد المصرى وتتمثل فى فجوة الفرق بين الإيرادات والمصروفات والخلل فى الميزان التجارى. أنا أعرف أن الوزراء المسؤولين عن النشاط الاقتصادى فى الحكومة يدركون هذه المشكلات، وقاموا بدراستها جيدًا ولديهم أفكار جيدة للتغلب عليها. ■ ماذا عن الأزمة السورية.. هل تتجه إلى الانفراج أم إلى التعقيد؟ - أننا فى بريطانيا نرحب بالاتفاق مع إيران والذى يعد مجرد خطوة أولى ضمن سلسلة خطوات وصولًا إلى الاتفاق الشامل فى ما يتعلق بالملف النووى الإيرانى، أما بخصوص دور إيران فى سوريا، فهو يعد جزءًا كبيرًا من مشكلة الحرب فى سوريا، غير أنه لا علاقة رسمية مباشرة بين الاتفاق النووى وانتقاداتنا الموجهة للعمليات الإيرانية فى سوريا. هناك مَن يأملون فى أن التصرفات الإيرانية تتغير بصورة إيجابية كنتيجة للاتفاق النووى الذى يحتوى على فرص وإمكانيات كبيرة لتحسين المجتمع الدولى علاقاته مع طهران، ولكن التقدم سيكون خطوة بخطوة، ولندن تدرك أن دول مهمة جدًا مثل أصدقائنا من دول الخليج يشعرون بالقلق من الدور الإيرانى فى المنطقة، ونحن نحترم وجهة نظرهم وملتزمون بالاستماع والتعاون والتشاور معهم، وندرك المشكلات السياسية والأمنية الناجمة عن النفوذ الإيرانى، ونسعى إلى أن نرى تغييرًا فى تصرفات الحكومة الإيرانية. ■ ماذا تتوقع لمؤتمر «جنيف 2» حول سوريا؟ - فى كل حرب أو صراع يجب أن تكون هناك عملية سياسية، خصوصًا أن مجلس الأمن لم يتوصل خلال الفترة الماضية إلى اتفاق، ولهذا نشعر بالارتياح لاتفاق الدول الكبرى على ضرورة عقد هذا المؤتمر الذى نأمل فى أن يتم من خلاله إحراز التقدم الحقيقى. مؤتمر «جنيف 2» مهم، لكن لا يجب عقد آمال كبيرة عليه، وما أود التركيز عليه هو أن عقد المؤتمر ليس كافيا لوحده بل يجب التوصل إلى تفاهمات واتفاقيات بين الأطراف داخل سوريا وبين الدول المهمة والمعنية بهذا الملف، وهذا يتطلب عملًا شاقًا ومتواصلًا سواء قبل المؤتمر أو بعده أو حتى فى أثنائه. ■ هل يمكن أن يقود هذا المؤتمر إلى إنشاء نظام سياسى جديد بديلا لنظام بشار الأسد؟ - لا يمكن أن يكون الأسد ودائرته جزءًا من خطة الحل السياسى المستقبلى، ولكن نريد للدولة السورية أن تبقى وتستمر من أجل الحفاظ على وحدة الأرض هناك. سوريا حاليا أشلاء ومشتتة ولكن نأمل فى المستقبل نتيجة الجهود التفاوضية والاتفاقيات. ■ هل تتوقع انفراجة فى علاقة الغرب مع إيران؟ وما انعكاسات ذلك على دول الخليج؟ - نسعى إلى تتطور العلاقات، وأن ترتبط دول المنطقة بعلاقات أفضل ومن جانبنا نحرص على علاقات الصداقة والشراكة التى تربطنا مع دول الخليج، ونتحدث معهم وندرك مقدار قلقهم ونولى أهمية كبيرة لوجهات نظرهم وآرائهم من منطلق علاقات الصداقة التقليدية التى تجمعنا معهم، ونسعى إلى أن تظل هذه العلاقات على نفس المسار معهم، وهذا مبدأ مهم جدًا، ولم نغفل من جانبنا مصالح دول الخليج، وسيكون لكل الدول نتائج إيجابية جراء هذه التغييرات السياسية فى المنطقة. ■ هل معنى هذا أن لندن سترفع قريبًا مستوى التمثيل الدبلوماسى مع طهران؟ - لقد عادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل نحو شهر وأصبح لدينا قائم بالأعمال، إلا أنه غير موجود حاليًّا فى طهران. ■ هل تقصد أن الأمر مرتبط بالتطور فى الملف النووى الإيرانى؟ - لا ليس مرتبطًا بالملف النووى فقط، بل بتصرفات إيران فى المنطقة وسوريا وأمور ثانوية أخرى، مثلما حدث عندما تم إغلاق السفارة البريطانية فى طهران بسبب اقتحام إيرانيين لها وعدم احترام الحصانة الدبلوماسية وأمن وسلامة الموظفين فيها. ■ ذهبت كثير من التحليلات إلى أن الاتفاق النووى الإيرانى سيغير من التحالفات فى المنطقة قد يؤدى إلى إنشاء تحالف بين طهران وأنقرة.. فماذا عن ذلك؟ - ليس بالضرورة أن يحدث ذلك، وهناك كثير من التكهنات التى تغاير الواقع، وعمومًا نحن نرى أن هذا الاتفاق سيغير طبيعة التحالفات إلى الأفضل من خلال زيادة حجم التعاون وإقامة علاقات سلمية تجارية إيجابية بين جميع دول المنطقة سواء كانت دول صغيرة أو كبيرة، وبينها العراق الذى هو بلد مهم كثيرًا، وبالتالى فإن هناك مكاسب يمكن للجميع تحقيقها من وراء هذا التغيير السياسى، رغم أننا نعرف أن البعض يعتقد أن هذا أمر صعب، لكن هناك مصالح فردية وجماعية لدول المنطقة التى تحتاج إلى السلام يمكن حصدها من وراء هذ الاتفاق. المملكة المتحدة ترتبط بعلاقات صداقة مع دول المنطقة لا يمكن التضحية بها.