مفاجأة في أسعار الذهب اليوم 9-6-2024 بعد الارتفاعات الأخيرة    أسعار الفراخ والبيض اليوم 9 يونيو "خيالية".. الكل مصدوم    السعودية تلغي تصاريح بعض حجاج الداخل بسبب اللقاحات وتوجه رسالة للوافدين    حزب الله ينفذ 11 عملية ضد إسرائيل في أقل من يوم    البحرية البريطانية: حريق شب في سفينة نتيجة قذيفة أطلقت من اليمن    مصرع 6 أشخاص وإصابة 8 آخرين في انقلاب سيارة محملة بالعمالة بالبحيرة    اليوم .. طقس حار نهارا معتدل ليلا والعظمى بالقاهرة 36 درجة    اليوم.. مغادرة آخر أفواج حج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    تامر عبد المنعم عن صفعة عمرو دياب: كل واحد يلزم حدوده ومليون دولار لن تكفي لرد الكرامة    وصفات طبيعية لعلاج قشرة الرأس، أبرزها الزبادي وزيت شجرة الشاي    أخبار غزة.. مسيرات تدد بمجزة النصيرات والاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدات جديدة    عاجل: حدث ليلا.. الغضب يشتعل ضد نتنياهو واحتجاجات عنيفة أمام البيت الأبيض    حزب الله يعلن قصف مقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هلل الإسرائيلية براجمة من صواريخ فلق 2    عاجل.. اتحاد الكرة يحسم مصير إمام عاشور من المشاركة أمام غينيا بيساو    «مين هيقدر يديره؟».. القيعي يكشف سبب رفضه لتعاقد الأهلي مع ميدو    أمم أوروبا 2024.. المنتخب الإنجليزي الأعلى قيمة سوقية ب 1.78 مليار يورو    «البترول»: خططنا لتلبية احتياجات الكهرباء من الغاز أو المازوت    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 ونيو 2024    البنك المركزي يعلن معدلات التضخم في مصر بنهاية مايو.. الاثنين    جدول مواعيد امتحانات الثانوية العامة 2024.. تنطلق غدا    «التعليم»: اتخذنا إجراءات غير مسبوقة لمنع تداول امتحانات الثانوية    طلاب «إعلام المنوفية» يطلقون حملة «إعلامنا» للتعريف بالكلية ومميزات الدراسة بها    طرح البرومو الدعائي لفيلم عصابة الماكس: في كل خطوة كمين (فيديو)    مناخ «الزراعة»: الموجات الحارة تؤثر على الفواكه والخضروات    فضل الدعاء في هذه الأيام المباركة.. لا يرده الله    للحجاج والمعتمرين.. محظورات لا يجب فعلها أثناء الحج    «زي النهارده».. 9 يونيو 1967 تنحي الرئيس عبدالناصر بعد نكسة 67    وزير الصحة يتفقد مستشفيي رأس الحكمة والضبعة المركزي بمطروح (صور)    ما سبب الشعور بالصداع عند الاستيقاظ من النوم؟.. «السر في التنفس»    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. «هيئة الدواء» تسحب أدوية جديدة من الصيدليات.. انفراد..النيابة العامة تحيل «سفاح التجمع» لمحاكمة عاجلة أمام «الجنايات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأحد: 48 ساعة قبل عودة الغليان (تفاصيل)    حبس 8 مسجلين خطر بينهم سيدة ضبط بحوزتهم 13 كيلو مخدرات بالقاهرة    بايدن مخاطبًا ماكرون: شراكة الولايات المتحدة وفرنسا «لا تتزعزع»    تحرك عاجل من السعودية بشأن الحج بدون تصريح    10 سنوات إنجازات | طرق وكباري و3 محاور رئيسية لإحداث طفرة تنموية في قنا    أسامة كمال: الحكومة المستقيلة لهم الاحترام.. وشكل الوزارة الجديدة "تكهنات"    ليلى عبد اللطيف تكشف حقيقة توقعها بعيد أضحى حزين في مصر    كوميديا وإثارة وظهور مُفاجئ ل السقا وحمو بيكا..شاهد برومو «عصابة الماكس» (فيديو)    مقتل 45 شخصا على الأقل جراء صراع عشائري في الصومال    ياسر إدريس: لا ينقصنا لاستضافة الأولمبياد سوى إدارة الملف    طارق سليمان: كنت مع مشاركة شوبير في نهائي إفريقيا على حساب الشناوي    جامعة العريش تطلق مبادرة شاملة لتأهيل الخريجين لسوق العمل    مع بدء رحلات الحج.. خريطة حدود الإنفاق الدولي عبر بطاقات الائتمان في 10 بنوك    «القومى للمسرح المصري» يحتفي بدورة «سميحة أيوب»    «هيكسروا الدنيا».. سيف زاهر يكشف ثنائي جديد في الزمالك    خبير مائي: سد النهضة على وشك الانتهاء من الناحية الخرسانية وسيولد كهرباء خلال سنتين    طارق قنديل يتحدث عن.. سر نجاح الأهلي ..البطولة الأغلى له.. وأسعد صفقة بالنسبة له    إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارة وتروسيكل بالإسماعيلية    ما أهم الأدعية عند الكعبة للحاج؟ عالم أزهري يجيب    مصرع طفل عقب تعرضه للدغ عقرب فى جرجا بسوهاج    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    ليلى عبداللطيف تتسبب في صدمة ل أحمد العوضي حول ياسمين عبدالعزيز (فيديو)    "نيويورك تايمز": قنبلة أمريكية صغيرة تقتل عشرات الفلسطينيين في غزة    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بعيادة الجلدية ووحدة طوسون الصحية    حظك اليوم برج الحوت الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل.. انفراجة جديدة في مفاوضات بن شرقي وحقيقة عرضين الخليج ل "الأخطبوط"    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    عقوبة تصل ل مليون جنيه.. احذر من إتلاف منشآت نقل وتوزيع الكهرباء    انتصار ومحمد محمود يرقصان بحفل قومي حقوق الإنسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد منصور يكتب: أمريكا والربيع العربي.. الرقص على رمال متحركة «الحلقة السادسة»
نشر في التحرير يوم 10 - 12 - 2013

منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى عام 1979 يُنظر إلى الجيش المصرى فى واشنطن على أنه حليف للولايات المتحدة. لقد حافظ الجيش على استمرارية السلام مع إسرائيل، بينما زادت نسبة المعدات والأسلحة والنظم الأمريكية فى عتاد الجيش المصرى، مع مرور الوقت مقارنة بالأسلحة الروسية أو غيرها، مما يجعل النظم العسكرية المصرية قابلة للتشغيل المتزامن والاتساق مع مثيلتها الأمريكية فى أى مناورات أو عمليات عسكرية مشتركة (اتضحت فائدة هذا فى حرب الخليج فى 1991).
واشنطن أدركت أن الشيوعيين والقوميين أخطر عليها من الإسلاميين
جيش مصر له علاقات قوية على صعيد التسليح والتدريب وتبادل الخبرات مع نظيره الأمريكى
واشنطن أدركت أنه مهما حدث من تغير فى مصر فيجب الحفاظ على سلامة المؤسسة العسكرية
أمريكا شعرت بارتباك فى التعامل مع المجلس العسكرى
باحث فى «الكونجرس»: من المفيد أن تكون مصر فى صف أمريكا.. لكن ليس مفيدًا أن تكون القاهرة قادرة على بسط قوتها على الجوار بمفردها
لدى الجيش المصرى علاقات قوية على صعيد التسليح والتدريب والتنظيم وتبادل الخبرات مع الجيش الأمريكى. وإضافة للعلاقات العسكرية المتميزة (التدريبات المشتركة والمشاركة فى حرب الخليج) فإن لمصر أهمية عسكرية إضافية للولايات المتحدة تشمل أولوية العبور فى قناة السويس لقطع البحرية الأمريكية وحق عبور الطائرات العسكرية فى الأجواء المصرية، ودور مصر فى تهدئة الأوضاع مع حماس التى تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2006 (ولعبت مصر هذه الأدوار دون توقف فى عصور مبارك والمجلس العسكرى ومرسى، ولا توجد أى تقارير عن أى تغير حدث فيها مؤخرًا)، وبالتالى فإن التسهيلات المصرية تلعب دورا مهما فى مساعدة القوة العسكرية الأمريكية فى الانتشار والوصول السريع إلى أهدافها. ويقول باحث فى الكونجرس فى حوار أجريته معه فى واشنطن فى يوليو الماضى إنه على مدى الأعوام العشرة الماضية «كان لدينا مئة ألف عسكرى فى العراق وأفغانستان. كان علينا نقل جنود ومعدات إلى ومن المنطقة. وكانت أولوية العبور فى قناة وحقوق الطيران فى الأجواء المصرية مهمة للغاية. فكر لثانيتين كم أن هذين التسهيلين محوريان لو قررت واشنطن مهاجمة طهران». (دار هذا الحوار قبل الانفراجة الأخيرة فى المفاوضات الأمريكية الإيرانية والتى باتت -لو نجحت- تهديدا إضافيا لموقع مصر الأقليمى الآخذ فى الضعف مقارنة بعدة دول صار لها نفوذ إقليمى يتعدى مصر اقتصاديا أو عسكريا أو سياسيا «أو على صعيدين أو أكثر» ومنها تركيا والسعودية وإسرائيل وتنضم إليهم تدريجيا إيران حتى من قبل إبرام أى اتفاق حول مستقبل برنامجها النووى).
فى الأربعين عاما الماضية مر الجيش المصرى بتحول هائل من مؤسسة تستعمل أسلحة روسية ومن المعسكر الشرقى عموما، وتتبنى عقيدة عسكرية معينة إلى الاعتماد أكثر على العتاد والسلاح الأمريكى وتغيير العقيدة القتالية، كما قال الباحث فى الكونجرس، مضيفا: «من المفيد أن تكون مصر إلى جانبك ولكن من المهم أن لا تكون فى صف أعدائك.. وليس مفيدا أن تكون مصر قادرة على بسط قوتها على منطقة الجوار بمفردها». وأعتقد أن البنتاجون والمؤسسة العسكرية الأمريكية سيستمران فى دعم الجيش المصرى بعد أن قاما بتحويله بهذه الصورة الهائلة على مدى أربعة عقود وصارت قيادته العليا ورئيس أركانه لأول مرة فى تاريخه ممن تلقوا تدريبا عالى المستوى فى الولايات المتحدة. ويسافر مئات الضباط المصريين إلى الولايات المتحدة كل عام لعدة أسابيع لتلقى كورسات تدريبية أو للإشراف على نقل إحدى شحنات الأسلحة الأمريكية المدرجة تحت المعونات العسكرية إلى أرض الوطن. ولذا بالنسبة إلى البنتاجون كان الاستثمار فى المؤسسة العسكرية المصرية وضمان أنها ستعبر دون مشكلات بهذه العاصفة السياسية التى اجتاحت مصر هو أهم هاجس خلال الأيام العشرة الأولى من فبراير 2011.
من ناحيته لم يكن الجيش نفسه يريد أن ينهار نظام مبارك بالكامل. هناك مصالح كثيرة قد يخسرها الجيش الذى يسيطر، وفقا لديفيد سانجر وزينب أبو المجد وآخرين، على أراض شاسعة فى أنحاء البلاد وعلى محطات بنزين ومصانع أدوية ومصائد أسماك ومصانع أجهزة منزلية وفنادق ومنتجعات، كما يعمل عشرات من كبار العسكريين المتقاعدين فى مناصب سياسية مهمة كمحافظين أو مستشارين أمنيين فى القطاع الخاص أو الحكومى. ويتلقى الجيش منذ نهاية السبعينيات 1٫3 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة يذهب القسم الأعظم منها لشراء اسلحة أمريكية كما يتضح من البيانات الامريكية المنشورة لمبيعات الأسلحة للدول الأخرى. وبات من الواضح أن لدى الجيش ملاءة مالية جيدة سمحت له عندما كانت احتياطيات النقد الأجنبى الحكومية تتبخر فى عام 2012 أن يفتح خزائنه ويقرض الحكومة مليار دولار وفقا لسانجر. وفى الشهور القليلة الماضية -وفقا لتقارير صحفية- دفع الجيش (أو على الأقل وعد بدفع) أقساط متأخرة على ملاك سيارات أجرة وديون مستحقة على مزارعين.. إلخ. هناك ادعاءات أن الجيش المصرى يسيطر على 25 إلى 40٪ من الاقتصاد المصرية، ولكنها ادعاءات مبالغ فيها بشدة ومشكوك فى طريقة حسابها قياسا إلى إجمالى الناتج القومى المصرى، كما أن تعريف السيطرة نفسه مبهم بعض الشىء. ويغفل كثيرون ممن ينظرون إلى المساعدات العسكرية الأمريكية كأداة ضغط على الجيش المصرى أنها فى نهاية المطاف لا تزيد عن 2٫8 فى المئة من إجمالى إيرادات الدولة (أرقام عام 2011) المصرية.
إذن كان الأمر واضحا لدى معظم صانعى السياسة الخارجية الأمريكية أنه مهما حدث من تغير فى مصر فيجب الحفاظ على سلامة المؤسسة العسكرية المصرية من أجل المصالح الأمريكية. ومن ناحية أخرى تخوفت واشنطن أنه إذا سقط مبارك ونظامه فسيتطلب الانتقال اللاحق وإعادة البناء والإصلاح مليارات الدولارات التى لا يمكن للولايات المتحدة تقديمها بسبب ظروف الانكماش الاقتصادى والضغوط من الحزب الجمهورى لتخفيض الموازنة العامة للبرامج المحلية، ناهيك بالبرامج الخارجية. وبدأت واشنطن فى التفكير فيمن سيتحمل عبء الانتقال الاقتصادى فى مصر. وفكرت واشنطن أن الرياض سيتعين عليها فى وقت ما دفع هذه الفواتير كما قالت كيم غطاس فى كتابها. وجاء التفكير فى السعودية حيث إن احتياطياتها المالية تتعدى الستمئة مليار دولار محتلة الموقع الثالث على مستوى العالم من حيث الاحتياطيات المالية. وفعلا فى 2013 قدمت السعودية والإمارات والكويت مجتمعة حزمة من 12 مليار دولار قروضا ومنحا للقاهرة بعد إسقاط حكومة مرسى الإخوانية. وقبل أن تفتح السعودية والإمارات والكويت خزائنها، كانت قطر هى الممول الخارجى الرئيسى (وهى أيضا حليف مقرب للولايات المتحدة) وقدمت نحو 8 مليارات دولار قروضا للقاهرة.
لقد كان لحقوق الإنسان والديمقراطية دائما أثر هامشى على علاقات الولايات المتحدة بمصر. وفى أيامه الأخيرة قبل أن يترك منصبه فى وزارة الخارجية الأمريكية مساعدا لشؤون الشرق الأدنى فى نوفمبر 1999 التقى مارتن أنديك معى ومع مجموعة من الصحفيين العرب. وقال أنديك إن القلق بشأن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر (والعالم العربى عموما) كان دائما على جدول أعمال اللقاءات مع كبار المسؤولين المصريين، ولكن كان هناك عادة «عدة مواضيع أخرى تسبق فى الأولوية وكانت المناقشات تستغرق وقتا طويلاً حتى ينتهى الوقت المخصص للاجتماعات قبل أن نبحث مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان». وبعد 14 عاما من هذا اللقاء سمعت نفس الكلام تقريبا من مسؤول حالى فى الخارجية الأمريكية تحدث مثل معظم المسؤوليين الحاليين فى الإدارة بعد أن طلب عدم ذكر اسمه.
ورغم هذا يبدو أن هناك تغيرا طفيفا، ولكنه ملموس فى الوضع المتدنى لحقوق الإنسان على سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. وقالت مسؤولة سابقة خرجت من الإدارة الأمريكية لمركز أبحاث فى واشنطن مؤخرا: «الولايات المتحدة تفكر فى أى نوع من قضايا حقوق الإنسان يمكنها أن تتحدث عنها الآن. هل نركز عن تصاعد التحرش بالنساء والاعتداءات الجنسية الطابع؟ هل هذه مسائل استراتيجية؟ هل لو أقرت مصر قانونا للجمعيات الأهلية يقيد نشاطها ويخنقها ستكون هذه مسألة مهمة ومشكلة كبيرة فى نظر عدة أشخاص فى الإدارة ولكنهم أقلية. لا يوجد كثيرون فى الإدارة يفكرون فى تبعات قوانين مثل هذا خلال عشر سنوات، وأنه لو لم تدعم التحول الديمقراطى بإعلام حر ومؤسسة قضائية مستقلة ومجتمع مدنى نشط.. ستتهاوى التجربة الديمقراطية». ودار حوارنا فى مكتبها القريب من البيت الأبيض فى يوليو أو قبل مقتل مئات من المحتجين من الإخوان المسلمين فى يوم واحد بعد أن قامت قوات الأمن باستعمال قوة مفرطة للغاية فى منتصف أغسطس لفض اعتصامات رابعة والنهضة أو صدور قوانين التظاهر مؤخرا. ولكن الحكومة الأمريكية اكتفت أحيانا بتصريحات صحفية غير حادة فى معظم الوقت. وعموما ما زال التغير فى سياسة الولايات المتحدة من حيث الاهتمام بحقوق الإنسان مقتصرا فى أغلبه على التصريحات إلا إذا كانت مجبرة على اتخاذ قرارات بسبب قوانينها (قطع التمويل لحكومات عسكرية انقلبت على حكومات منتخبة مثلا) أو لم يكن هناك ثمن حقيقى لمواقفها الداعمة للديمقراطية وحقوق الإنسان. ولذا لا يبدو أن واشنطن ستواصل قطع المساعدات العسكرية الجزئى الذى اتخذته حيال مصر طويلا. وكما تقول مسؤولة سابقة فى الخارجية الأمريكية: «لا توجد أى عصا موجهة إلى مصر ولا يوجد كثير من الجزر على أى حال.. لم تتغير سياساتنا فى المساعدات كثيرا تجاه مصر، كما لم تتغير المؤسسات التى تقدم هذه المساعدات. وتسعى المؤسسات الأمريكية لدعم حقوق الإنسان ومراقبة الانتخابات وتنظيم برامج تدريبية.. ولكن الربيع العربى جاء فى أسوأ فترة اقتصادية تواجه واشنطن منذ سنوات طويلة، حيث لا يتوفر لدى الحكومة الأمريكية المال اللازم لتقديم أى مساعدات إضافية».
وإضافة إلى ثنائية المصالح والقيم يبقى فى واشنطن اعتقاد شبه سائد أن الثقافة السياسية فى مصر يصعب تغييرها من الداخل ويستحيل تغييرها من الخارج. ويقول باحث فى الكونجرس التقيت معه الصيف الماضى: «لا يمكنك تغيير مصر بشكل واسع وعليك العمل مع الوضع القائم. الجيش أقوى مؤسسة والقوة الباقية كما أثبتت الثورة. وهناك طبعا أمل فى أنه فى يوم ما ستتغير مصر ولن تظل هكذا إبدا». ويذكرنا هذا مرة أخرى بمقولة الراحل عمر سليمان، مدير المخابرات العامة السابق، حول أن مصر ليست جاهزة بعد للديمقراطية. وموقف الباحث الأمريكى ورجل الاستخبارات المصرى العتيد يرتكزان على أدبيات كثيرة مفادها أن غياب الديمقراطية عن الشرق الوسط يعود إلى عوامل ثقافية خصوصا الدين. ويقلب تيموثى ميتشيل هذه المقولة رأسا على عقب ويروى فى كتابه «ديمقراطية الكاربون» كيف أن الولايات المتحدة فضلت التعامل مع الأجنحة الإسلامية الأشد محافظة وقوَّت من عودهم على مدى عقود، متغاضية عن أثرهم السلبى على انعدام التطور الديمقراطى والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان. كان وجود هذه الجماعات دائما دعما قويا لإضفاء شرعية على سلطة أسر حاكمة فى الخليج خصوصا السعودية وصلت إلى السلطة مثل غيرها بقوة السلاح. وكان القيد الأساسى على حركة هذه الجماعات أو الأجنحة الأسلامية المحافظة، مثل الوهابيين فى السعودية مثلا، يقصرون نشاطهم على السعى للتحكم فى البشر ومسلكهم وملبسهم، خصوصا النساء داخل حدود هذه البلاد، والوقوف بصلابة وشراسة ضد أى محاولة لنشر الفكر اليسارى أو الوطنى المعادى للمشروع الرأسمالى (فتقف السعودية ضد ناصر وضد اليمن الجنوبى.. إلخ)، وبمعنى آخر فإن قسما كبيرا من صانعى السياسة الخارجية الأمريكية من الأربعينيات وربما حتى الآن، فى نظر ميتشيل، تبنى وجهة نظر تعتمد على أن هناك ثقافة عربية جامدة مستمدة من الإسلام وقرروا تدعيم وتقوية النظم السياسية المحافظة المعادية للديمقراطية ودعم استخدام الجماعات الإسلامية شديدة المحافظة فى إضفاء شرعية على هذه النظم الحليفة. وحتى فى العقدين الأخير، ومع تأكد سقوط المعسكر الاشتراكى وتبين أن الاتجاهات الإسلامية شديدة المحافظة سياسيا قد يتولد عنها أعمال عنف مجنونة لا حد لها، وأن استعمالها كما حدث فى أفغانستان فى الثمانينيات سيكون ضرره على المدى الطويل أكبر من نفعه لم تغير الولايات المتحدة كثيرا من سياساتها. كان الوقت قد تأخر كثيرا وصار القيام بتغيير حقيقى فى بلد مثل السعودية مثل تفريغ المحيط بمعلقة شاى صغيرة. ورضيت واشنطن بتغييرات تجميلية فى السنوات القليلة الماضية فى تعليم الفتيات أو إقامة مجلس شورى دون سلطات حقيقية. لم تكن المسألة فى الأغلب أن الولايات المتحدة تخشى الديمقراطية الانتخابية، لأنها ستجلب للسلطة إسلاميين يتبنون قيما محافظة، ولكن الولايات المتحدة كانت تخشى نوعا معينا من الإسلاميين يشبهون القوميين واليساريين من قبلهم فى أنهم قد يتحدون مصالح الولايات المتحدة أو على الأقل يطالبون بعلاقات متكافئة معها. انعقدت اجتماعات عديدة للوزارات والوكالات والهيئات الأمريكية المعنية برسم السياسة الخارجية فى واشنطن فى أواخر يناير وأوائل فبراير لتبحث ما إذا كان يتعين على مبارك الرحيل.. وخلال أيام كانت النقاشات تركز أكثر على موعد وكيفية الرحيل. وكان أوباما ووزير دفاعه جيتس ووزيرة خارجيته كلينتون أكثر تقليدية وبطئًا. وحذرت كلينتون مرارًا من «التحرك بسرعة بشكل تبدو معه الأمور وكأننا نتخلى عن حلفائنا». وقالت كلينتون إن الخيار لم يكن بين الإصلاح أو الاستقرار ولكن بين الإصلاح أو الفوضى «والآن تدق الفوضى على الباب ومن المهم أن نديرها بشكل ملائم».
كانت السياسة الخارجية الأمريكية حيال مصر فى 2011 وقبلها أسيرة المعطيات المتضاربة وهو تضارب يأتى أحيانا من المنظور المستخدم فى تحليل الأوضاع فى مصر. وكانت هناك من هذه الجوانب العديدة ثلاثة أكثر أهمية، هى:
(1) جانب المصالح الاستراتيجية التى تحرسها أو ترعاها مصر.
(2) رغبة الشعب المصرى فى حكم يمنحه ما يحتاجه من عدالة اجتماعية وتنمية وكرامة وهى رغبة تتناغم مع القيم الأمريكية.
(3) اعتقاد عدد من الباحثين والسياسيين والبيروقراطيين الأمريكيين أن الثقافة السائدة فى مصر (والعالم العربى) لا تتوافق مع الديمقراطية أو الليبرالية.
وكان صانعو السياسة الخارجية الأمريكية يرقصون بين هذه المعطيات المتضاربة كأنها ساحة من الرمال المتحركة تبتلع من يركز على جانب واحد دون الآخر أو يقلل من أهمية فريق دون الآخر منذ اندلعت التظاهرات فى القاهرة وغيرها من المدن المصرية فى 25 يناير وحتى أول فبراير عندما وصلت الإدارة الأمريكية لموقف مبدئى يستلزم أن يقوم مبارك «بانتقال منظم.. على الفور»، وهو تصريح دبلوماسى أدلى به أوباما وفهمته القاهرة والرياض وتل أبيب على أنه تخلٍّ واضح لواشنطن عن حليف قوى فى القاهرة. واندلعت حمى من الاتصالات والضغوط الإقليمية دفاعا عن مبارك كان أشدها من إسرائيل والسعودية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.