تعودنا مع نهاية كل عام أن نجرى جردة حساب لهذا العام، وما تضمنته أيامه من إيجابيات وسلبيات، لكن التأمل فى هذا العام الماضى لا يصفعنا إلا بالسلبيات مع قليل من الإيجابيات التى لم تخف هذا الوجه البائس لعام حفل بالكوارث الوطنية والقومية. بدأ هذا العام وتحديدا فى 25 يناير الماضى باختفاء الباحث الإيطالى ريجينى، الذى خلفت طريقة التعامل مع جريمة مقتله بخفة وضعف كفاءة وفساد، توترا شديدا فى العلاقات مع أهم داعمى الدولة المصرية وأهم شركائها فى أوروبا، أعنى الجانب الإيطالى، الذى وجد نفسه مضطرا إلى سحب السفير وتوتير العلاقات بين البلدين، ولم يكد يمر شهران إلا وفوجئ المصريون بحادث اختطاف شخص لطائرة مصرية وإجبار قائدها على الهبوط فى قبرص، الحادث الذى تبين خلوه من أى أهداف سياسية أو إرهابية، لكنه كشف ضعف إجراءات تأمين الطائرات المصرية الذى كان له انعكاس سلبى واضح على توافد السياحة الأجنبية إلى مصر، خصوصا السياحة الروسية التى كانت قد تضررت بالفعل بعد إسقاط داعش لطائرة ركاب روسية فى سيناء بعبوة زرعت فى الطائرة. الشاهد فى كل إخفاق يتعلق بقضايا من هذا النوع أن الحكومة تتمسك بإنكار كل شىء والادعاء بأن كل شىء على ما يرام، فلا يحاسب أحد صغيرا كان أم كبيرا فى سلم المسؤولية الغائبة فى مصر. وفى السابع من أبريل وعلى خلفية زيارة تاريخية للملك سلمان عاهل المملكة العربية السعودية، فوجئ الشعب المصرى وأظن السعودى أيضا بتوقيع الحكومتين على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والتى تضمنت تنازل مصر عن جزيرتى تيران وصنافير اللتين رفض القضاء المصرى لاحقا تبعيتهما للسعودية، مؤكدا مصريتهما ولا يزال السجال القانونى جاريا فى أروقة المحاكم، بعد أن احتجت الحكومة بتبعيتهما للسعودية وهو ما خلف توترا فى العلاقات بين البلدين تبدو مكتومة على مستوى الأنظمة، بينما تبدو أكثر صخبا فى وسائل الإعلام فى الدولتين، بطبيعة الحال اختفى الحديث عن مشروعات التكامل بين البلدين والتى كانت تضم جسرا بريا يربط إفريقيا بآسيا لأول مرة فى التاريخ، وغيرها من المشروعات التى توارت لحساب الخلاف الناشئ على خلفية تباين المواقف فيما يتعلق بأزمات إقليمية كالموقف من الحل فى سوريا ونظام بشار الأسد. وعلى وقْع تظاهرات انطلقت من بعض القوى الوطنية للاحتجاج على اتفاقية تيران وصنافير لجأ صحفيان لمبنى النقابة للاحتماء من أجهزة الأمن التى دخلت السفارة وأخرجتهم عنوة، مما أطلق موجة احتجاجات للجماعة الصحفية، مما حرك دعوى ضد نقيب ووكيل النقابة وسكرتيرها الذين قدموا للمحاكمة، ولا تزال قضيتهم مطروحة أيضا أمام القضاء لتدخل الدولة فى خصومة جديدة مع نقابة الرأى. فى شهر مايو شهدت القاهرة وعشر مناطق أخرى سلسلة من الحرائق الغريبة التى كبدت المُلاك خسائر مالية فادحة، خصوصا فى منطقة العتبة والموسكى، وقد طالت بعض هذه الحرائق المبنى التاريخى لمحافظة القاهرة دون أن يحظى الأمر بتحقيق جاد لكشف ملابسات تلك الحوادث الغامضة. وفى 16 مايو رفعت الحكومة أسعار الدواء بنسبة 20% كما ارتفعت أسعار بعض الأدوية إلى الضعف، وامتد النقص لأدوية أمراض مزمنة كالسكر وأدوية القلب والسرطان وأمراض الكلى كالمحاليل. فى 19 يوليو سقطت طائرة مصرية انطلقت من باريس واشتبه فى وجود عبوة ناسفة على متنها، وجرى خلاف لا يزال دائرا بين الطرفين الفرنسى والمصرى فى إطار شيوع المسؤولية ووجود فرضية عمل إرهابى تحاول السلطات الفرنسية نفيه، رغم تأكيد سلطات التحقيق المصرية وجود آثار مواد متفجرة فى رفات الضحايا، وفى تقليد ثابت ظهرت من جديد حوادث غرق المراكب بغرق مركب هجرة غير شرعية فى رشيد، مما استدعى حوادث سابقة لمواكب الموت التى تمضى نحو البحر، لأن شطآن مصر طردتهم بأمواج القهر والفقر، وقبل نهاية العام بشهر واحد فى نوفمبر أقدمت الحكومة المصرية على تعويم الجنيه المصرى فجأة، القرار الذى خفض قيمة الجنيه إلى أكثر من النصف وأطلق مارد الأسعار من القمقم فاشتعلت أسعار كل السلع، خصوصا مع الضعف المعروف لهيكل الإنتاج الوطنى وارتفاع فاتورة الاستيراد، خصوصا فى قطاع مثل الدواء الذى نستورد 85% من احتياجاتنا منه، فضلا عن باقى القطاعات التى تضررت من هذا التعويم، الذى بدا أنه صدر دون أى دراسة فى رضوخ لشروط صندوق النقد الدولى لإقراض مصر مبلغ 12 مليار دولار، بالرغم من أن الحكومة المصرية نجحت فى عشرة أيام فقط فى جمع 60 مليار جنيه للاكتتاب فى مشروع قناة السويس سابقا، فى تأكيد على أن بدائل التمويل الوطنى متاحة وأفضل من كل الوجوه، خصوصا مع وجود أرصدة بالبنوك تتجاوز 2 تريليون جنيه. واختتم عام 2016 أيامه الحزينة بهذا الحادث الإجرامى حيث فجر انتحارى منتم لتنظيم أنصار بيت المقدس نفسه فى جمع من المصلين فى الكنيسة البطرسية بالعباسية، مما خلف وفاة 27 ضحية بريئة معصومة الدم، وهو الحادث الذى كشف الحاجة أيضا إلى إعادة بناء مقاربة شاملة للتعاطى مع ظاهرة الإرهاب، التى لا يزال البعض يختزل مواجهتها فى الجانب الأمنى وحده. كل هذه الحوادث كانت كاشفة عن مرض أصاب الدولة المصرية فأدى إلى تراجع كفاءتها ولياقتها على نحو مفجع، سواء على مستوى صناعة القرار السياسى والاقتصادى، الذى يصدر عن سلطة تبدو بحاجة إلى توسيع خياراتها، والأهم توسيع الحوار والشراكة داخلها كفريق مؤهل، لا يحتقر القطاع المدنى بدعوى فساده، فيلجأ للمؤسسة العسكرية فى كل شىء كما يجرى الآن، فأتصور أن هذا خطر على مستقبل الدولة المصرية. أتصور أن كل ما جرى فى هذا العام يدعو الرئيس والسلطة إلى إعادة الاعتبار لفريضة الحوار الوطنى، الذى تصنعه إجراءات عدالة انتقالية تزيل أسباب الاحتقان فى المجتمع المصرى وتعزل الإرهاب، فلا تدع له بيئة حاضنة هى بيئة الظلم الاجتماعى والتمييز ضد بعض الفصائل والفئات لنجعل عام 2017 عام الحوار الجاد الذى يصنع قواعد جديدة لعقد اجتماعى جديد، لا يقفز على ما تحقق ولا يحتقر أحلامنا فيما لم يتحقق بعد. أدعو الله أن يكون عامنا الجديد عام خير وسعادة ورشد، عام أمن وأمان واستقرار على مصر وعلى العالم العربى والإسلامى وكل الإنسانية.