مصر متفوقة فى الشعر العامى لسبب جوهرى، إنه بيتكتب بلغتنا الأولى، العامية المصرية، وبيقدر يوصل بقدر قدرتها على الوصول، ويتحفظ لسهولة المعانى ووضوحها وقربها من القلب والتفكير، وبسبب موسيقيتها المتنوعة، وغنائيتها الجاهزة. العامية المصرية أبدعت على لسان التونسى بيرم، واللبنانى فؤاد حداد، زى ما أبدعت على لسان صلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم. إنما الأستاذ أحمد فؤاد نجم كان ليه نكهته التلقائية، بمزاياها الكتيرة، وعيوبها المعتادة. ولأنه ديوان متنقل لحياة معاصرة، بتأرخ لهموم عامة، وبتأرخ لموقف سياسى، ممكن تتفقى أو تختلفى معاه، لكن صعب جدا جدا تنكرى الموهبة. الموهبة قوية بشوكها وجمالها. والأستاذ نجم كان زى زهرة الصبار، ابن طبقات من العناء والقسوة والحياة والصبر والشوك والجمال، بعضها فوق بعض. علشان كده شعره السياسى والاجتماعى بيلمس مع الجميع، المتفق سياسيا بيحوله لدستور، والمختلف بيشوف فيه لمبة نور. فريق يغنى هم مين وإحنا مين، وفريق يقول: يعيش أهل بلدى وبينهم ما فيش تعارف يخلى التحالف يعيش تعيش كل طايفه من التانيه خايفه وتنزل ستاير بداير وشيش لكن فى الموالد يا شعبى يا خالد بنتلم صحبه ونهتف.. يعيش باسل رمسيس كتب على «فيسبوك»: «كل واحد مننا بيودع (نجم) بتاعه.. نجم مختلف عن التانى.. والحاجة اللى تجمع كل الوشوش المختلفة لنجم.. هى حبه الحقيقى للناس. أنا بودع نجم اللى جابللى أنا وأمل أول فانوس رمضان فى حياتنا.. وكان واقف على السلم الضلمة ووشه منور بنور الفانوسين اللى ممكن يكون اشتراهم بآخر فلوس معاه.. نجم أبو عينين بتلمع.. نجم الشيخ إمام». وفيروز كراوية كتبت «من بين شجاعات أحمد فؤاد نجم الكثيرة، بعد تحمل السجن والتهميش عبر العصور، ومن بعدما كتب فى هجاء كبار رموز عصره وقتما كان الاقتراب منهم من الكبائر التى تجلب النقمة، أنه عندما أتيحت له المنابر الإعلامية وبعض الشهرة فى وقت لاحق، خرج علينا إنسانا عاريا من الأقنعة، لا يخجل من سقطاته، يحكى عن حبه وغزله، لا يمتطى فرس الأخلاق الماسخة، ولا الفضيلة المنافقة، ولا النبل المظهرى الذى يمنح نفسه تفوقا وجدارة كذابة. لم يسمح لنفسه أن يكون وهما جديدا يضاف إلى الأوهام التى يحلو للمثقفين أن ينسجوها حول نفسهم وحول شللهم. وهكذا أحبه الناس، بجنونه، بوشه المكشوف، بجلابية بيضاء تشف عن روحه. هكذا كان من فارق سجن الخوف مبكرا... ولم يعد». والأستاذ نجم، بتلقائيته تلك، يتأرجح شعره بين الردح الصريح، والرومانسية الشجية المعجزة. وفى كليهما لا تملكين إلا أن تقولى يا سلام. وإلا أن تتعجبى من قدرة هذا الإنسان على استنشاق رحيق الصورة الشعرية من الزهور، ومن الخرابات، ومن الغيطان، ومن البحر، ومن زلعة العسل، ومن أنياب كلب الست، ومن قلل المياه. شابه يا أم الشعر ليلى والجبين شق النهار والعيون بحرين أمانى والخدود عسل ونار واللوالى فى ابتسامتك يحكوا أسرار المحار يا للى ساكنه القصر عالى إمتى يهنا لى المزار كلمتين يا صبيه طال على الانتظار كلمتين يا مصر يمكن هما آخر كلمتين حد ضامن يمشى آمن أو مآمن يمشى فين؟