تراكمات ملايين السنين فوق صدأ الحديد الأول فى قاع المحيطات أدى إلى نمو الجبال، وأعلاها جبال الهيمالايا. التى بلغت من العلو حدًّا أثّر على النسق المناخى للأرض، وحركة الرياح فيه. لكنها لم تفعل ذلك فقط. بل عزلت خلف «سدها» شعبا وإمبراطورية كبرى. لذلك ظلت الصين بعيدة عن طرق التجارة، والتبادل الثقافى، مع العالم. حتى بدأت استخدام طريق الحرير. الذى كان ممرًّا للبضائع من شرق العالم المعروف وقتها إلى غربه. وممرًّا للأفكار، والأديان، ونظام العد. وحسب بعض قراءات التاريخ كان ممرًّا لجراثيم جديدة، من كل جانب إلى الآخر، وبالتالى نشر الأوبئة، مما صار عاملًا أسهم فى انهيار الإمبراطوريتين، الرومانية، والهان الصينية. قوافل طريق الحرير، وقوافل الجمال فى صحراء العرب، وقوافل الخيل، شكلت أول نظام عولمة عرفه العالم. صورة بدائية للنظام الحالى. إنترنت بطىء جدا جدا جدا لنقل المراسلات، وطائرات زاحفة لنقل البضائع، وسفن تتعلم السباحة. و«رجال ونساء أعمال» يتبادلون التجارة عبر الحدود. التجارة إحدى المهن الساحرة التى شكلت العالم كما نراه الآن، أسهمت فى تطور منظومة أخلاق سياسية، كما أسهمت فى نشر الثروة، سواء ثروة التجار العرب فى عهد ما قبل الأمريكتين، أو ثروة التجار الأوروبيين بعد اكتشاف الأمريكتين، وغزو الأوروبيين لهما، وحيازة ثرواتهما. الغزو نفسه لم يكن ممكنا لولا أن أسهمت التجارة فى حدوثه. وإن بصورة مأساوية، أدت إلى وفاة 95٪ من سكان أمريكا الشمالية الأصليين، بالأمراض، أو بالبارود. الطاقة الجديدة المكتشفة فى الصين، والمنتقلة عبر طريق الحرير إلى المقاتلين المسلمين. الحكاية بدأت عام 800 ميلادية، مع كيميائى صينى كان يحاول -يا للمفارقة- اكتشاف إكسير لإطالة الحياة، فخلط الكاربون مع الكبريت مع مركب مكون من باتاسيوم وأوكسجين ونيتروجين. عناصر تكونت فى النجوم قبل مليارات السنين. وكانت نتيجة الخليط مادة متفجرة فتاكة استخدمها المقاتلون المسلمون فى حربهم ضد الصليبيين، فى صورة قذائف مدفع كروية الشكل، وبدائية الصنع. الأوروبيون طوروا فكرة الطاقة تلك إلى أسلحة خفيفة محمولة فى اليد، البنادق، مكنتهم من الانتصار بسهولة على سكان أمريكا الأصليين. قبل أن يستخدموها فى القرن العشرين فى أكبر مقتلة للإنسان طوال تاريخه على الأرض، حتى لو جمعنا عدد كل من قتلوا فى الحروب، فى أى مكان فى العالم، قبل الحربين العالميتين. وهنا أشير إلى أننا لا ننظر إلى الموضوع من ناحيته الأخلاقية. هذا مبحث آخر. إنما لبحث مسار الإنسان استخدامًا لأفكار توليد الطاقة، نحو الحصول على مزيد من الطاقة. كريستوفر كولمبوس استخدم فى رحلته تقنية الشراع المثلث، التى ابتكرها العرب، لكى يستخدم طاقة الرياح لصالحه، حتى لو سار عكس اتجاهها. استخدم بوصلة اخترعها الصينيون لاستخدام طاقة الجاذبية فى توجيه إبرة البوصلة ومعرفة الاتجاهات. واستخدم البارود. بل إنه فى رحلته الثانية إلى أمريكا حمل معه مصدرا آخر للطاقة بعد عشرة آلاف سنة من اختفائها من أمريكا - الخيول. لقد جمعت رحلة كولمبوس «كوكبى» الأرض معا فى كوكب واحد. ومحاصيل الكوكبين فى كوكب واحد، مما يعنى المزيد من الطاقة فى صورة سعرات حرارية. وجمعت القتل -كما أشرت سابقا- والحياة أيضا. خلال 300 عام فقط من رحلة كولمبوس تضاعف عدد سكان الكرة الأرضية ليصل إلى 900 مليون شخص، وسوف يتضاعف هذا العدد نحو ثمانية أضعاف حتى يومنا هذا. إلى جانب الاستيلاء على الثروات المعدنية، كان أول ما فعله الأوروبيون إقامة منشآت لاستخراج السكر من قصب السكر. وهو وقود العقول، والمادة الوحيدة التى يفرز العقل مادة تجعلنا «نتوق» إليه. طيب، سيبينا من كولمبوس دلوقتى، هل الموضوع قراءة تاريخ لمجرد قراءة التاريخ؟! طبعا لأ. فى فترات نضوب الطاقة، أو عدم كفايتها لشعب، أو عجزه عن استخراجها لأن هذا يحتاج إلى مجهود، تأتى التجارة مهنة منجدة. لو حللناها بمنطق الطاقة فهى استغلال لعدم كفاية طاقة التنقل لدى هذه الأمة أو تلك، للقيام بدور «موصِّل الطاقة». لو أخذنا مصر الحالية مثالا، هل من تبرير لعدم لعب هذا الدور بينما موقع البلد يؤهلها لتكون «محطة تزويد طاقة» للمسافرين إلى الشرق، أو إلى الجنوب؟ الاقتصاد الخدمى من هذا النوع أحد الحلول المنطقية لزيادة ثرواتنا، ومن ثَم توفير «أدوات الفكرة» من تعليم ومعامل ومباحث. الطاقة لا تفنى. ثورة الاتصالات فى حد ذاتها استغلال لبعض «أتفه» عناصر الكرة الأرضية والغلاف المحيط بها، أقول أتفه لفرط شيوعها. فى كل مكان حولنا، ثمة طاقة، نائمة، فى انتظار فكرة تيقظها. هذا طبعا إن لم نعتبر الأفكار إيقاظًا للفتن.