بعد عدة مجموعات قصصية تُصدر الكاتبة عزة سلطان روايتها الأولى «تدريبات على القسوة». تتميز الكاتبة بجرأتها فى تناول قضايا شائكة، وهى أيضا منشغلة بالعلاقة بين الرجل والمرأة، ولكنها مع هذا تؤمن بأن علاج أى قضية يكمن فى التناول الجيد بعيدا عن الإيحاء والإثارة. ■ الجمل القصيرة، والبنية الشعرية جعلت أعمالك القصصية مميزة، فلماذا تتجهين إلى نوع آخر ربما فقدت فيه أدوات تميزك السردى؟ - حين أكتب لا أعتمد بنية شعرية، وإنما دور النقاد أن يحللوا النص ويعثروا على مواد تفرده، أما شعرية النص فذلك لأننى أعتمد الشعر رافدا مهما فى قراءتى ومن الطبيعى أن يؤثر على مفرداتى السردية، ربما يجد النقاد أعمالى مميزة لبعض الأسباب، لكن ذلك لا يعنى أن هذه الأدوات حكر على القصة، فتلك أدواتى التى تنتقل معى من جنس أدبى إلى آخر، ستجدين فى مقالاتى بعضا من أدوات السرد، ولذا لا أتصور أن هذه الأدوات المميزة للسرد عندى يمكن أن تهجرنى حين أكتب الرواية، ولكن لندع هذا الأمر للنقاد فينظرون للعمل ويحكمون بشأن تميزه أو نمطيته. ■ كيف بدأت تجربة الرواية وأنت تكتبين منذ عقدين ولم تفكرى فى كتابتها، وما أهم الأحداث والعوالم التى تتناولها روايتك الجديدة؟ - لسنوات شغلتنى تفاصيل خاصة بالمرأة وتغيرات اجتماعية، استتبعها تغيرات سلوكية وأخلاقية، وكانت مشاهداتى اليومية لهذه التفاصيل تربكنى وتطرح التساؤلات داخلى، وفى كل فترة أقوم بتدوين عدد من الملاحظات، حاولت الكتابة فى هذا الموضوع، لكن فى كل مرة لم يكن العمل يكتمل. حتى جاء عام 2011 بصخبه وأحداثه وثورة يناير، وكان للمرأة دور مهم، فى شهر مايو عملت على كتابة الرواية وأنهيتها وتركتها فى درج مكتبى ولم أفكر فى نشرها. تحكى الرواية عن امرأة خلال ثلاثين عاما من عمرها حيث الحدث هو الأهم وليس الزمن، متتبعا التغيرات الاجتماعية الأخلاقية التى يمر بها المجتمع من خلال البطلة. ■ ولكن مع كتابتك الرواية بعد القصة القصيرة هل يعنى أن القصة أصبحت عاجزة عن استيعاب العوالم التى تريدين التعبير عنها؟ - هذا غير صحيح فالقصة تعبر عن لحظة وحالة، فإذا تعددت الحالات واللحظات السردية، أصبح الأمر أكبر من القصة، الموضوع هو الذى يختار شكله وثوبه السردى. ■ فوز أليس مونرو كاتبة القصة القصيرة بجائزة نوبل،كيف ترينه؟ ومتى يفوز بها مبدعة عربية؟ - أنا سعيدة أن يتم تقدير القصة القصيرة وتحصل كاتبتها على جائزة رفيعة مثل نوبل، وهو تأكيد أهمية القصة القصيرة كفن سردى له خصوصيته. أما عن فوز مبدعة أو مبدع عربى، فحدثينى عن الترجمة أولا قبل أن نتحدث عن الجوائز، المبدع العربى أقصى طموحه أن يتم طباعة عمله طبعة ثانية، فى مجتمع لا يقرأ، الناشر أصبح يطبع ألف نسخة وبعض الأعمال تستمر الطبعة الأولى عاما قبل أن تنفد، حين نتحدث عن مساحة فى الثقافة العالمية الأمر يحتاج إلى ما هو أكبر من الموهبة، يحتاج إلى جهود مؤسسات تعمل على الترجمة، لتعريف الآخر بثقافتنا وأدوات إبداعنا، نتكلم عن طباعة عمل لأكثر من عشرة آلاف نسخة، وانتشار فى العالم العربى ثم العالم كله، وهنا دعينا نتساءل كم كاتبا عربيا أعماله مترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية؟ وإذا كان لدينا مبدعون متميزون للغاية وأعمالهم مترجمة، فكم يشكلون من إجمالى مبدعى العالم العربى؟! ■ وما رأيك فى تناول المرأة للجسد؟ - لا بد أن نعترف أن المعرفة طريق للشقاء، والمعرفة بشىء تُلزم تلبية احتياجاته، قديما كانت المعرفة بالجسد ينتابها الغموض، وقلة المصادر، وبعد تعدد المصادر وانتشار المعرفة وثقافة الجسد، أصبح التعبير عنه ضرورة، والتعبير عن مشكلات الفرد التى لها علاقة بالجسد أمر بات واجبا، مشكلات الجسد ليست حكرا على المرأة، لكننا نعتبر المرأة فردا منتقص الأهلية، ومن ثم إذا عبر الرجل عن الجسد لم تكن هناك مشكلة، أما إذا عبرت المرأة عن مشكلات الجسد أصبحت هناك مشكلة وأصبحت كتابة جسد، وبعض الكاتبات ينجرفن للدفاع عن كتاباتهن بقولهن هذا جسدى، أنا أرفض هذا الدفاع، وأرفض الفكرة، المرأة إنسان يكتب ويعبر عن مشكلاته التى لها خصوصية لما لهذا النوع من خصوصية ثقافية ونفسية، قبل أن نقف ونحاسب المرأة نحاسب الرجل، عندما تحاسبون الرجل حين يتحدث عن الجسد يمكن وقتها أن نتحدث عن كتابة الجسد عند المرأة، وإن كنت لست مع فكرة محاسبة المبدع عما يكتب، سواء كان المبدع رجلا أو امرأة. ■ ما حدود الجرأة لديك؟ ما تعريف الجرأة؟ الجرأة منطقة شائكة يتم قياسها حسب السائد فترة صدور النص، فقد كتب نجيب محفوظ فى روايته الطريق مشاهد جنسية صريحة، وتحدث عن ملابس البطلة الداخلية، لكن الزمن الذى صدرت فيه رواية الطريق، كانت ملابس النساء هى المينى جيب والميكروجيب، وكان العامة يرتدون المايوهات على الشواطئ العامة، ولم يُتهم نجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس بهذه الجرأة. ربما مرحلة الانغلاق ومحاولات التعتيم التى نعيش بها ترفض أى خارج عن مساحة التعتيم هذه، تجعلنا نرفض أى محاولات لمعالجة موضوع، ونطلق عليه أحكاما مسبقة تصنع حوله هالة من التحريم تبعد الآخرين عن التعامل معه، ومن ثم لا أرانى أكتب بجرأة وإنما أُعالج الموضوعات وفق سياقها، فإذا تحدثت عن قضية البكارة كيف سأتحدث؟ إن الموضوعات والقضايا التى أكتب عنها هى التى تختار شكل معالجتها.