فقدت مصر والنادى الأهلى قامة عسكرية ورياضية شامخة بوفاة المغفور له الفريق أول عبد المحسن كامل مرتجى القائد العسكرى ورئيس الأهلى السابق الذى وافته المنيَّة الثلاثاء الماضى عن عمر يناهز 97 عاما، وتم توديعه إلى مثواه الأخير فى جنازة مَهيبة حضرها رموز المجتمع العسكرى والرياضى، مما يعكس قيمة الرجل وما يتمتع به من حب وتقدير. الفقيد من مواليد عام 1916، تَخرَّج فى الكلية الحربية ثم تدرج فى المناصب حتى وصل إلى مرتبة القائد العامّ للقوات العربية فى حرب اليمن، التى نال بعدها نجمة الشرف العسكرية لدوره الإيجابى فى الحرب، الذى لم يكن دورًا عسكريًّا فقط كما حكى لى أحد رفقائه، بل كان أيضا دورًا سياسيًّا وتنويريًّا فى دولة اليمن التى كانت تعيش فى عصور الظلام، فقام الفريق مرتجى بالمساهمة فى بناء مدارس كما قام بجهود مصالحة كثيرة بين القبائل المتنازعة هناك. بعد عودته تَولَّى قيادة القوات المصرية فى منطقة القناة فى أثناء حرب 67 التى أكد خلالها خبرته وكفاءته العسكرية، حتى إنهم أطلقوا عليه لقب «رجل كل العصور». بعد الحرب أصدر جمال عبد الناصر قرارًا مفاجئًا باعتقال الفريق مرتجى لاعتقاده أنه يتحالف ضده، وبعد قرار العفو خرج ليردّ اعتباره وليدلى بعدها بسنوات طويلة بشهادته عن الحرب التى تُعتبر حتى يومنا هذا وثيقة تاريخية تحكى ما حدث. حكايته مع رئاسة النادى الأهلى حكاية غريبة.. فبعد عودته من حرب اليمن كان يشرف على اتحاد الكرة المشير عبد الحكيم عامر المعروف بزملكاويته الشديدة، وكان الأهلى وقتها يعانى فى جميع اللعبات، خصوصا فريق كرة القدم الذى كان يحتلّ المركز العاشر فى الدورى، فخاف المشير أن يتهمه الرئيس عبد الناصر بالتحيُّز للزمالك فقرر تعيين اللواء مرتجى رئيسًا للأهلى لإنقاذه من كبوته، وعرض الأمر على الرئيس الذى وافق على الفور، ووقّع على القرار فأصبح أمرا واجب النفاذ. عرض المشير الأمر على مرتجى فى أحد الاحتفالات العسكرية فتردد فى القبول، فدعاه عبد الحكيم عامر إلى العَشاء فى منزله فى نفس الليلة، واصطحبه فى سيارته، وفى الطريق تَوقّف به أمام بوابة الأهلى وقال له نصًّا «إنت مش بتحب النادى ده زى ما كلنا عارفين عنك؟ طيب مش حرام إنك تتأخر فى العمل لصالحه؟»، فوافق مرتجى وتم تعيينه فى أكتوبر عام 65، إلا أن القرار لم يعجب بعض أعضاء النادى الذين لا يعرفون عن هذه الشخصية شيئا، بل واعتقدوا أنه ليس عضوا فى الأهلى، وعليه فلا يجوز أن يكون رئيسًا، ولكنه أثبت للجميع أنه عضو فى النادى منذ عشر سنوات مما يعطيه الحق فى تولِّى المنصب. فى نفس العام انتشل فريقَ الكرة من كبوته فحصل على بطولة كأس مصر وعلى المركز الثانى فى الدورى بعد الإسماعيلى، وهو إنجاز لم يكن الفريق قد حققه منذ زمن. اضطُرّ إلى ترك الرئاسة عام 67 لاستدعائه للمشاركة فى الحرب، إلا أنه عاد إلى منصب الرئيس عام 72، واستمر حتى عام 80، قام خلال هذه الفترة ببناء فريق الأحلام للأهلى، جيل الخطيب وحسن حمدى ومصطفى عبده وإكرامى بقيادة المدرب المجرى الشهير هيديكوتى. كان الفقيد يحضر يوميًّا إلى مقر النادى فى تمام العاشرة ولا ينصرف قبل المساء، وتَمتَّع بحب وتقدير الجميع لمواقفه الإنسانية النبيلة وأيضا لدعمه جميع الرياضيين، ومنهم محمود الخطيب، حينما سانده وعزّز طلبه من اللواء صديق مدير النادى للاقتران بكريمته، وأيضا حسن حمدى الذى تَحدَّى مرتجى الجميعَ من أجله وقام بتعيينه مديرًا للكرة رغم صغر سنه وقتها. من المواقف التى لا تُنسَى للفقيد موقفه بعد مباراة للزمالك والأهلى فى الدورى عام 66 وفيها حدثت أعمال شغب اتخذ على أثرها عبد الحكيم عامر قرارا بوقف رباعى الأهلى (الفناجيلى - طه إسماعيل - أبو غيدة - مروان كنفانى)، فشعر مرتجى بالظلم من القرار خصوصًا أن الأهلى كان سيلاقى الزمالك بعدها بأيام قليلة فى الكأس، فرفض تنفيذ القرار واتصل بالمشير وهدده بترك النادى إذا لم يعدل عن قراره، فاستجاب المشير وتراجع -ربما للمرة الأولى والوحيدة فى تاريخه- بدبلوماسية، وقرر استمرار سريان العقوبة ولكن مع وقف التنفيذ! وفعلًا لعب الرباعى فى مباراة الكأس وفاز الأهلى يومها. الفقيد هو والد خالد مرتجى عضو مجلس إدارة الأهلى الحالى وعضو لجنة شوون الأندية بالفيفا. رحم الله الفقيد.. رجل المبادئ والمواقف.