نعم العرب كانوا قيمة علمية وأدبية وعلمية واجتماعية وثقافية منذ أمد بعيد وإلى الآن.. لكن هناك محاولات جبارة لطمس تلك الحقيقة لكى تبقى الحقيقة بعيدة وغير واضحة لأجيال الوطن العربى لكى تبقى تلك الأجيال تشك دائما وأبدا فى وجودهم وقيمتهم المادية الملموسة ولكى يبقى الغير هو الأفضل والأحسن، ومن ثم يرتكن الجميع إلى تلك الحقيقة إلى أن تنتهى الحياة، ومن ثم يوقف الصراع ما بين الأمم من حيث الأفضلية العلمية والأدبية والثقافية. ونفهم من تلك السطور السابقة الآن أن القوىّ يعمل جاهدا على أن يبقى هو القوىّ إلى الأبد ولكى يبقى هكذا عليه أن يبقى فى سعيه فى التطور والسير إلى الأمام. ويكره الآخر (الذى هو نحن) فى التقدم، والنظر يجب أن لا يمارسه الرجل المؤمن وبما أننا متأخرون فقد أعجبنا هذا الرأى وهذا التفسير لتأخُّرنا، مع أن رأى ابن خلدون مهم للغاية فى تلك النقطة الذى يوضح لنا فيه (أن المنهزم يقلِّد المنتصر) أى رقم (2) يقلد رقم (1) أى الفاشل يقلد الناجح، أى الضعيف يقلد القوى، أى الفقير يقلد الغنى. ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا يعمل الآخر لكى نبقى هكذا أو يبقى التفوق من نصيبه والسيادة تبقى له ومن ثم يفرض ثقافته وفهمه للأشياء وما على الضعيف إلا التقليد والسمع والتنفيذ إن كان يريد العيش، أى العالم يسير والعرب تعوى، ونتيجة لذلك أصبحت العرب تكره العلم، والعلم يعنى الغد... مع أن ديننا الحنيف يحثّنا على طلب العلم والتعلم دون هوادة حتى لو كنا فى أواخر أيامنا، وقد أسهم الغرب فى تشويه صورة العلم، بأن أوحى إلى الذين لا يفهمون أن العلم والعلمانية ضد الدين.. فخفنا نحن من ذلك وابتعدنا عن العلم والعلمانية على أمل أن نبقى قريبين من الدين، فخسرنا كل شىء ولا أمل فى شىء إن لم نَعُدْ إلى العلم وكان هو أسلوب حياة، ورسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول لنا ويوضح ليعلمنا ويحثنا على طلب العلم «ليس منا إلا عالم أو متعلم» وهذا يعنى أن المسلمين فريقان ليس لهما ثالث، فريق عالِم وفريق يتعلم، أما أن يوجد بيننا فى آخر الزمان فريق لا يفهم، فريق لا يشغل عقله، ولا يتعقل الأمور التى تقابله فى حياتنا فهو ليس منا وأيضا يوجد بيننا فى آخر الزمان (لأن اللى باقى من عمر الزمان مش قد اللى عدا) ويوجد من لا يقرأ ولا يكتب، فإنه سوف يحاسَب على هذا لأن رسوله أمره ويأمره ويحثّه على التعلم، أى يكون متعلما أو منتج علم. ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء هكذا وصف ولخَّص سيدنا على بن أبى طالب مأساة العرب، فهم جاهلون ومن ثم يخافون العلم. والعلم يعنى النور، والنور يخاف منه مَن لا يقدر على أن يرى فى النور كما الخفافيش، هل نحن بعد هذا العمر الطويل نبقى خفافيش، بعد هذا وبعد ما علمنا إياه رسولنا الكريم وما أوجده علماء العرب من علم ونور وتقدم أسهم فى ما فيه الغرب الآن، وأن يكون حالنا هكذا مأساويا... للغاية؟ يبدو أنه لا أمل فى النجاة من هذا الظلام الذى عشش فى عقولنا بأن خُلقنا لنموت، كما أكد هذا أحد خطباء المساجد، وأصبح العلم منبوذا غير معترَف به يبتعد عنه الناس بقدر الاستطاعة مع أن سيدنا علىّ وضّح لنا أهمية العلم وأن يكون المسلم لديه علم. فَفُزْ بعلمٍ تَعِشْ حَيًّا به أبدًا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء وكما كانت الفتنة الكبرى لحظة فارقة فى حياة المسلمين فإن فوز فريق الإمام الغزالى على فريق الإمام ابن رشد، حيث كانت الصدارة للنقل، ووقف العقل عند محطة النقل وعدم تشغيل العقل فى أى مسألة مهما كانت خطورتها وأهميتها بحجة أن العقل غير مؤهل لذلك، فإن كان العقل غير مؤهل لذلك فما هو المؤهل إذن؟ ومن هنا حرقوا مؤلفات ابن رشد وأسرعوا إلى مدرسة النقل والتقليد آخذين الغزالى لأعلى درجة وسمّوه «حُجَّة الإسلام» وهو الذى رفض العقل ورفض مقدرة العقل على معرفة الحقيقة وإدراكها. ومنذ تلك اللحظة أخذ قطار التقدم العربى فى الرجوع إلى الخلف محدثا حوادث هائلة وتراجع العقل العربى وتقوقع على ذاته وأصبح هم الناس الشكل وليس الجوهر، أى تحوَّل الدين إلى مظاهر شكلية وتديُّن مظهرى والتركيز على الملبس والجلباب والنقاب واللحى. وقبل أن أمضى إلى حال سبيلى أتساءل: لماذا اليهود أقوى من المسلمين مجتمعين؟ ونعيد التساؤل ونقوله بصورة أوضح: لماذا إسرائيل أقوى من العرب مجتمعين؟ إنه العلم ولا شىء غير العلم. حسين عبد العزيز