فى جلسة استماع بالكونجرس استمرت نحو ساعتين حول الخطوات المقبلة فى سياسة أمريكا تجاه مصر أكدت الإدارة رغبتها واستعدادها لدعم مصر فى هذه المرحلة الحرجة، كما أن أغلب نواب الكونجرس من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية انتقدوا قرار الإدارة الأخير بتعليق المساعدات العسكرية مؤقتًا، وطالبوا بمراجعة هذا الأمر على أساس أن مصر أمامها تحديات أمنية كبرى، وهى تواجه الإرهاب و«الإسلام الراديكالى»، وتسعى لتحقيق أمن سيناء. ولم يتردد أبرز قيادات اللجنة وأعضاؤها فى مهاجمة رئاسة مرسى والإخوان، وما صاحبها من استبداد وانفراد بالسلطات وتهميش القضاء وتهديد للمجتمع، والأخطر فى رأيهم أن الإدارة الأمريكية كان موقفها سلبيًّا أو هكذا بدا خلال عهد مرسى. وفى شهادته أمام اللجنة قال ديريك شوليه، مساعد وزير الدفاع الأمريكى لشؤون الأمن الدولى، «إن العلاقة العسكرية الأمريكية المصرية هى واحدة من أكثر العلاقات الدفاعية أهمية واستمرارًا فى الشرق الأوسط. وإن هذه العلاقة على مدى أكثر من ثلاثين عامًا خدمت المصالح الأمنية المشتركة لكلا البلدين. وأن فى تحركنا قدمًا لا نسعى فقط للحفاظ عليها بل لتحديث وإعادة تقييم هذه العلاقة المديدة من أجل ضمان الدفع بالمصالح المشتركة لزمن طويل». مسؤول البنتاجون ذكر فى كلمته عن العلاقة القوية وانعكاسها فى الشهور الأخيرة. أنه خلال شهر أغسطس الماضى منحت مصر السفينة الحربية الأمريكية سان أنطونيو تصريحًا للمرور عبر قناة السويس خلال 24 ساعة من تقديم الطلب. فى حين طلبات السفن من الآخرين يجب أن تنتظر ربما 23 يومًا للحصول على تصريح العبور. وكما قال شوليه «فإن العسكرية الأمريكية فى إمكانها الرد على الهجمات وإدارة عمليات حربية على امتداد المنطقة بسبب الإسراع بالسماح بالطيران عبر المجال الجوى المصرى والعبور عبر قناة السويس». مضيفًا: «هذا الأمر قد يكون حرجًا لنجاح المهمة». كما أن مسؤول البنتاجون حرص على التأكيد من جانبه أن القرار الأخير الخاص بتعليق المساعدات العسكرية لا يمس المصالح الأمنية الحيوية فى ما يخص أمن الحدود وأمن سيناء ومكافحة الإرهاب وبرامج التدريب إلا أن هذا الأمر انتقده أبرز قيادات اللجنة سواء كانوا من الجمهوريين أو الديمقراطيين. إدوارد رويس رئيس اللجنة الجمهورى انتقد بشكل عام القرار الأخير، خصوصًا اتخاذه فى الوقت الحالى، وتساءل تحديدا: كيف ترى الإدارة أن 20 طائرة هليكوبتر من طراز آباتشى كافية لمواجهة الإرهاب فى سيناء؟ أما إليوت أنجل، القيادى الديمقراطى البارز فى اللجنة، فكرر موقفه الرافض تمامًا للقرار الأمريكى، وهو موقف معلن منذ صدور القرار يوم 9 أكتوبر. وقال أنجل إن التعليق الجزئى للمساعدة العسكرية لن يشجع الإصلاحات الديمقراطية فى مصر، قائلًا: «الحقيقة أعتقد أن هذا فى الغالب قد يكون له تأثير عكسى»، وقال «إن التعاون العسكرى مهم. ونحن صرفنا المليارات من الدولارات، وقمنا بدعم تماسك العلاقات، فلنستخدمها، ولا ندمرها.. فلنستخدمها». الإدارة من جانبها سواء على لسان مسؤول الدفاع أو على لسان مسؤولة الخارجية فى جلسة الاستماع إليزابيت جونز، القائمة بأعمال مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، كررت الموقف المحدد والمعلن من قبل بأن القرار بتعليق جزء من المساعدات العسكرية مؤقت، وسيتم مراجعته وإعادة تقييمه مع تحرك الحكومة المؤقتة وإحرازها تقدمًا نحو حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيًّا. وكانت موجودة فى الجلسة أيضا كممثلة للإدارة إلينا رومانوسكى نائب مساعد مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وبما أن الجلسة عكست اختيارات ومواقف أعضاء الكونجرس، خصوصًا مجلس النواب فإن أغلب مداخلات الأعضاء أعربت عن قلقها تجاه تطور الأوضاع فى مصر، والتشديد على ضرورة الوقوف مع مصر لأهميتها ومكانتها ودورها فى المنطقة، وطالبت بضرورة استمرار التعاون العسكرى من أجل مواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار. كما شغلت قضية حماية الأقباط حيزًا مميزًا من القضايا المطروحة. النائب الجمهورى كريس سميث من ولاية نيوجرسى أفاض الحديث فى قضية الفتيات القبطيات اللاتى تم اختطافهن وتزويجهن قسرًا، وذكر غاضبًا أنه طرح الأمر على السفيرة باترسون إلا أنها، كما قال، لم تتعامل مع الأمر بجدية. ويمكن القول بعد انتهاء جلسة الكونجرس والتحدث مع بعض من حضروا الجلسة من المهتمين بالشأن المصرى «بأن لا أحد من أعضاء الكونجرس ذرف أى دمعة على غياب الإخوان، وزوال عهدهم وإطاحة مرسى من حكم البلاد». العضو الوحيد الذى انتقد الوضع على أساس أن إطاحة تمت لرئيس منتخب بتجربة مماثلة لما حدث فى تشيلى كان النائب الديمقراطى جيرالد كونلى الذى تكلم فى نهاية الجلسة، وقال تعليقه هذا. إدارة أوباما من خلال هذه الجلسة وتشاوراتها التى أجرتها أخيرًا تسعى لإيجاد «تخريجة تشريعية» (إذا جاز التعبير) أو «مرونة تشريعية»، كما تقول وكررتها جونز فى الجلسة، وذلك من أجل استمرار تدفق الأموال لمصر وحكومتها المؤقتة فى المرحلة الحالية. ومن جانبه حاول النائب الجمهورى مارك ميدوز أن يتبين بالضبط ما تريده الإدارة فى طلبها من الكونجرس وتشاوراتها معهم. هذا النائب قال فى لحظة: «أنا مرتبك وحائر، وأعتقد أن الحكومة المصرية حائرة ومرتبكة أيضا». رئيس اللجنة إدوارد رويس فى كلمته قال: «مثل دول عربية كثيرة فإن مصر تجاهد للتغلب على نقص التقاليد الديمقراطية»، و«بينما كانت الحكومة التى قادها الإخوان المسلمون منتخبة ديمقراطيًّا، فإنها حكمت استبداديًّا». وبعد أن أشار إلى أن مصر فى أزمة قال «نحن يجب أن نتعلم من أخطائنا. والأهم أنه يجب على المصريين أن يتعلموا من أخطائهم. وهم الذين سيحددون مستقبل وطنهم، ولسنا نحن. ونأمل بأنهم سيرفضون هذا الشكل من التطرف الذى يقود فقط إلى أن تنتزع حقوق المرأة وتتعرض الأقليات للاعتداء ويتم التهام النظام القضائى». ثم ذكر «ما قاله مصرى أخيرًا لمجلة (الإيكونوميست) أن الإخوان المسلمين كانوا يطبقون خطة ل(حرق مصر) وتدمير أساسها». كما أن رويس أشار إلى أنه يرى أن أى مساعدات اقتصادية من خلال المنظومة السائدة فى مصر وبدون إصلاح اقتصادى «إهدار لأموال». وبما أن المساعدات الاقتصادية لا تزيد على 260 مليون دولار سنويا، فإن النائب الديمقراطى خوان فارجاس (من ولاية كاليفورنيا) تساءل باستغراب واستهجان عن ضآلة هذا الرقم مقارنة بعدد سكان مصر ذات الأهمية والمكانة وما هو نصيب كل فرد من المصريين من هذه الأموال وبعد فترة صمت، قال «نحو 3 دولارات فقط لكل مصرى سنويًّا.. أى ثمن قطعة بيتزا واحدة». وبجانب الإصلاح الاقتصادى طرح أكثر من عضو باللجنة قضايا الإصلاح السياسى وحماية الحريات وحقوق المرأة والأقليات. كما أن إليانا روس ليتنن، النائبة الجمهورية تساءلت: هل من جديد فى ما يخص قضية المنظمات الأهلية والمجتمع المدنى. ولا شك أن الجلسة وهى تتحدث عن الخطوات المقبلة فى سياسة أمريكا تجاه مصر تناولت الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية فى مصر والتحديات التى تواجهها الحكومة المصرية هذه الأيام. البعض لم يتردد فى ترديد توصيف «الأزمة»، وإن كان البعض الآخر اختار «التحدى»، وفى كلتا الحالتين كانت المطالبة واضحة سواء أتت تصريحًا أم تلميحًا «التخلص من آثار عهد الإخوان وعهد مبارك»، والاستعداد والتأكيد أيضا كان واضحًا «على ضرورة المشاركة والمساهمة» لاجتياز المرحلة الحرجة، و«أن هذا من مصلحة مصر ومصلحة أمريكا ومصلحة المنطقة». وبالطبع لا أحد قال أو حسم بأن الطريق سهل أو ممهد أو المخاطر زالت بإطاحة الإخوان.