صفعة على الوجه من أم زميلتها بالمدرسة.. كانت هى السبب فى إزالة الستار عن كثير من الأمور الخاصة بها فى ذلك البيت الكبير العامر..عرفت أنها يتيمة.. وكانت قد ذاقت طعم ذلك اليتم غير أنها لم تدركه جيدا.. تستيقظ صباحا فى شقة كبيرة، فيها أخوات عدة، أكثر من أم ترعاهن، لها إخوة ذكور فى الدور الأول من البيت تتعامل معهم على استحياء، فممنوع الاختلاط إلا فى ضرورة.. الاستيقاظ والنوم فى مواعيد محددة.. كثيرون يعملون فى خدمتهم.. لم يكن كبيت صديقتها التى كانت تحكى لها عليه.. أحبت المدرسة وأحبت كوريا.. رغم أنها لم تزرها من قبل إلا من خلال صور كانت تعرضها عليها صديقتها الكورية بالمدرسة الخاصة بحى المعادى. حكت لى عن تلك الصديقة الكورية- وتساءلت : ألم تجد هذه الفتاة من يحبها ويصادقها من زميلات المدرسة؟ هل الغربة التى تشعر بها كلتاهما هى التى جمعت بينهما.. غربة الفتاة البعيدة عن وطنها، وغربة فتاة دار الأيتام؟ ضربتها تلك الأم القاسية بلا رحمة يوم رأتها أمام باب المدرسة بسبب خلاف بينها وبين ابنتها.. قالت لها: أنت تعيشين فى دار أيتام.. ولا شأن لك بابنتى بعد اليوم. بكت الفتاة طويلا وحكت لموظفات الدار، وفى حضن "ماما شادية" الأم الكبرى وصاحبة دار بيت السعد.. ووعدتها بأن تأخذ لها حقها.. فذهبت فى اليوم التالى للمدرسة وقدمت شكوى للمديرة فأحضرت ولية الأمر القاسية وعاتبتها وأمرت الفتاة أن ترد الصفعة لزميلتها. هم أناس وآدميون مثلنا.. ربما حظ أبنائنا أفضل منهم أن يجدوا أبا وأما واحتياجاتهم الأساسية ملباة ويتمتعون مع أسرهم، كلٌّ حسب إمكاناته وظروفه.. قصت على صاحبة دار بيت السعد بالمعادى، كيف أن الله اختبرها بمرض شديد كانت لا تقوى على النهوض من الفراش بسببه لأسابيع حتى كتب الله لها الشفاء واستعادت عافيتها.. كانت قد قررت فى نفسها أن تكرس جهدها تطوعا للمساعدة فى دور الأيتام وظلت تطهو الطعام وتغسل الملابس وترعى الأطفال فى إحدى الدور الكبيرة لحوالى عامين ثم أخذت قرارها بإنشاء دار أيتام صغيرة تشرف عليها هى وزوجها اللواء المتقاعد نهاد والذى شجعها على هذه الفكرة.. عرفت هذه الدار بالمصادفة فهى فى نفس الحى الذى أقطن فيه، وعمدت للتبرع أحيانا للصغار خاصة وأنها غير مشهورة ولا تعلن عن نفسها فى وسائل الإعلام كالأخريات.. رأيت الصغار.. وتعلق قلبى بهم نجوى و خلود وحسناء ويمنى، سيف وحسين وهشام و زياد الذى يبهرنى بذكائه و روحه المرحة.. لن تملك نفسك إذا قمت بزيارتهم يوما من أن تقع فى حبهم كلهم.. الدار تشتمل على خمس فتيات ما بين سن الثانية عشرة والخمس سنوات وطفلتين توأم، فرح وفريدة (سنة ونصف) أما الرضيع آدم فيبلغ نحو خمسة أشهر وقد أرسلته وزارة الشؤون الاجتماعية وعمره يومان.. أما الذكور فهم ثمانية، يتراوح عمرهم ما بين الثانية عشرة والست سنوات.. يذهبون لمدارس خاصة ومركز الشباب الرياضى وتحرص الدار على إعطاء دروس خصوصية لهم جميعا، ولك أن تتخيل كم يحتاجون لهذا البند بالذات، حوالى أربعة آلاف وثمانى مئة شهريا..
كنت فى زيارة لهم أتجاذب معهم أطراف الحديث عندما رن جرس الباب فانطلقت الفتيات لفتح الباب وهن يصحن: أبى.. دخل من الباب الأب وهو متهلل الوجه يرحب بكل واحدة منهن على حدة ويعطى إحداهن شنطة طعام بلاستيك قائلا، هذه لك ولأخواتك. فوجئت بأن الرجل هو صاحب الدار وإن كنت لم أفرق بين لقائه بهن وبين لقاء أى أب محب لأسرته بعد عودته من عمله.. خرجت من بيت السعد والأذان يؤذن لصلاة المغرب فى مسجد الدار، وإذا بكل الأولاد يهرعون للوضوء استعدادا للصلاة.. حييتهم وأغلقت باب الفناء الحديدى وأنا أتأمل فروع شجيرات الزهور البيضاء والوردية وهى تحيط به وتخرج منه رافعة أذرعها للسماء.. تحية لهؤلاء الشرفاء ولأمثالهم.. قصة البنت والمدرسة ماذا يفعلون فى دار الأيتام ماذا يحتاجون