منذ إعلان البنك المركزي تحرير سعر صرف الجنيه، وما تلاه من زيادة في أسعار الوقود، بدأت المشادات اليومية بين المواطنين وسائقي عربات الأجرة حول تكلفة ركوبهم، التي سبقها معاناتهم في الحصول على بعض السلع المستوردة من الخارج بسبب صعوبة توفير الدولار، وزاد على ذلك خوفهم من ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأيام المقبلة. ووفقًا لما قاله متخصصون، كان كل ذلك من شأنه التأثير سلبًا على الحالة النفسية للمواطنين. قصص تقود إلى «انتحار جماعي» فعلى صفحات موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» انتشرت حكايات المصريين مع هذه المعاناة، فيقول أحدهم: «إمبارح كنت راكب الميكروباص، والسواق قال نص جنيه زيادة يا حضرات.. وفجأة لقيت رجل عجوز بيكلم نفسه، ويقول يعني الأجرة زادت نص جنيه، والسكر مش لاقينه.. أنا معاشي 200 جنيه أعمل بيهم أيه؟.. ربنا ياخودني واستريح». ويقول آخر: «أنا معايا 700 دولار وحاسس إني امتلك ثروة، مش عارف أصرفهم دلوقتي، ولا أصبر عليهم.. الحكومة قالت إن أسعار الدولارهتقل وهيوصل ل14 جنيه، لكن انهارده بقى ب17 جنيه وأكتر.. بتهيألي أفتح بيهم حساب لأولادي لأني مش هعرف أسبلهم حاجة تاني.. كل حاجة بتغلى ومش عارف حتى هدخلهم مدارس إزاي؟». وفي السياق نفسه، أطلق عدد من النشطاء على «فيسبوك» دعوة تحت عنوان «انتحار جماعي كمان أسبوع»، تخطى عدد المتفاعلين معها 7 آلاف شخص، وسيطرت على المناقشة الطابع الساخر، حيث أبدى المشاركون فيها غضبهم من ارتفاع الأسعار. الضيق والاكتئاب الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر مؤخرًا تدفع المواطنين إلى أعلى درجات الضيق والإحباط والاكتئاب، هكذا قال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة. وأوضح ل«التحرير» أن سبب الضيق الأساسي هو أن المواطن وجد نفسه يدفع أكثر دون أن يفهم سبب ذلك، فلابد أن يظهر مسؤول يشرح للمواطنين القرارات التي اتخذتها الحكومة وأسبابها وآثارها وإمكانية معالجتها وفقا لخطة واضحة حتى يتقبلوا الوضع. واستبعد فرويز أن يؤدي هذا الإحباط إلى الإنتحار نظرًا لأن هذه الفكرة تكون موجودة بشكل كبير عند المراهقين من سن 17 ل21 سنة، أما الفئة المتضررة من الأزمة هم الأكبر سنًا. أما الدكتور سمير عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي، فوصف ما يتعرض له المصريين ب«الضغط النفسي الكبير»، الذي ينتج عنه حزن شديد ويأس، وقال: «واحد بيركب بجنيه لقى نفسه بيدفع الضعف.. هيكون شعوره ايه؟». وأرجع عبد العظيم سبب تفاقم هذا الشعور إلى وجود «ناس فسده من الباعه والسائقين في مصر، يستغلون زيادة الأسعار ليزيدوا أكثر مما هو محدد لهم». وقال: «وفقا للطب النفسي، هذا الشعور العام يمكن أن يتغير إذا تغيرت الأوضاع الحالية». تعويم الجنيه وزيادة أسعار السلع كان البنك المركزي قد أعلن الخميس الماضي تحرير سعر صرف الجنيه المصري، أو ما يعرف باسم «تعويم الجنيه» بشكل يعطي للبنوك الحق في تسعير شراء وبيع النقد اﻷجنبي، وجاء ذلك بعد أن تجاوز سعر الدولار خلال اﻷيام الماضية ال18 جنيهًا ﻷول مرة في تاريخه، قبل أن يتراجع بشكل محدود حتى وصل اليوم إلى 17 جنيه في البنوك. وبالتزامن مع ذلك قررت الحكومة رفع أسعار المواد البترولية بنسب تتراوح بين 7.1% و87.5% بداية من يوم الجمعة الماضي، وعليه زادت أجرة المواصلات الداخلية، كما طالبت رابطة سائقي التاكسي الأبيض، زيادة تعريفة فتح العداد إلى 5 جنيهات بدلا من 3 جنيهات. وألمحت الحكومة أيضًا باحتمالية رفع أسعار تذكرة المترو، حيث قال شريف اسماعيل رئيس الوزراء إن الحكومة لن تستطيع تقديم خدمة المترو بنفس المستوى الخدمي ونفس الأسعار.