أول شخص ستقابله عندما تصل تونس وتتجول فى شوارعها هو بائع الياسمين، سيقابلك بابتسامة ويعرض عليك الزهرة التى كانت شعارًا لأولى ثورات الربيع العربي. وأول شعور سيجتاحك وسيرافقك طوال الرحلة هو شعور الألفة، فالشوارع والبشر والدكاكين ومحلات بيع الأطعمة فيها شبه كبير بمثيلاتها فى مصر.. كما أن السير فى شارع الحبيب بو رقيبة والتجول فى ساحة الاستقلال حيث تجسدت الروح الثورية العربية الأولى فى 17 ديسمبر من عام 2010، سيثير فى ذاكرتك كل الأحلام الصادقة والنبيلة التي عشتها في ال18 يومًا بميدان التحرير. كونك مصريًا، سيجلب لك الحظ السعيد على أرض تونس، ذلك لأن هذا الجنسية ستمنحك جواز عبور إلى قلب الشعب التونسى المضياف بطبعه والعاشق لأبناء وادى النيل، ويكفيك أن تنطق ببضع كلمات باللهجة المصرية فى أى مكان هناك، حتى يعرف على الفور سائق التاكسى أو بائع تذاكر السينما أو «القهوجى» بأنك مصرى، ليبذل بعدها كل ما فى وسعه لإسعادك وتلبية كل طلباتك. المناسبة كانت الدورة ال27 لأيام قرطاج السينمائية.. والمشهد ببساطة كان عبارة عن تجسيد لحالة عشق لا متناهى للفن السابع. حالة ستشعر بها خلال تجولك فى الشوارع وعلى دور العرض، حيث يصطف التونسيون فى طوابير منذ الصباح الباكر أمام السينمات لحجز مقاعدهم لحضور الأفلام أى كانت نوعيتها، فسواء كانت تلك الأفلام روائية طويلة، أو قصيرة، أو حتى تسجيلية، عربية أو فرنسية أو إنجليزية أو إفريقية، ستجد من عشاق السينما الكثيرين ليشاهدونها، وهذه بالفعل أروع شهادة نجاح لأي مهرجان سينما على وجه الأرض. اللافت فى دورة «أيام قرطاج السينمائية» هذا العام أن القائمين عليها حاولوا قدر استطاعتهم الانتصار للإنسان، من خلال اختيار أفلام تعبر معظمها عن معاناة الإنسان وهمومه وخصوصًا الإنسان العربى داخل بلاده وخارجها، مثل فيلم «divines» للمخرجة المغربية هدى بن يامنة، والذي رسم معاناة فتاتين مسلمتين إحداهما من أصول عربية والأخرى من أصول إفريقية تعيشان في باريس، داخل مجتمع يسوده الفقر والتهميش، فى لوحة سينمائية بديعة، وفيلم «نحبك هادي» وهو فيلم تونسي من إخراج المخرج محمد بن عطية، وبطولة مجد مستورة، ويحكي قصة شاب مقبل على الزواج ويعاني من سلطة الأم التي رتبت له الزواج من عروس، لكنه فجأة يجد فرصة للتخلص من تلك السيطرة عندما يلتقي بامرأة أخرى ولكنه فى النهاية يتخلى عن حلمه ويرفض السفر معها إلى إيطاليا ويبقى في تونس. ذلك بالإضافة إلى أعمال تناولت معاناة المرأة العربية مثل فيلم «ريحانة» للمخرجة الجزائرية ريحانة وهو أولى تجاربها السينمائية، التى تناولت خلالها أبشع ما تتعرض له المرأة داخل المجتمعات العربية من قهر وقمع وتحرش وإذلال. تجربة السجن من أكثر التجارب التي يمكن أن تمر بها في حياتك روعة، أن تحضر فيلمًا سينمائيًا داخل سجن حيث يكون الجمهور كله من المسجونين، وهذا ما حققته إدارة مهرجان أيام قرطاج السينمائية بالتعاون مع المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب وإدارة السجون التونسية، حيث ضربوا سويًا مثالًا للتحضر واحترام حقوق الإنسان، بالذهاب إلى هؤلاء السجناء، الذين أكد مسؤولى السجن أكثر من مرة قبل عرض الفيلم أنهم مواطنون يتمتعون بكافة حقوق المواطنة ولكنهم فقط مسلوبي الحرية، وهو ما يمنحهم الأمل في مستقبل أفضل. نجاح رغم الظروف الصعبة على الرغم من بعض العيوب البسيطة التى شابت تنظيم الدورة ال27 من مهرجان قرطاج، والمتعلقة بتنظيم حفلي الافتتاح والختام إضافة إلى تنظيم حضور عروض الأفلام، إلا أن الدورة أثبتت رغم الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تمر بها تونس ويمر بها العالم العربي بشكل عام، أنه لا زال هناك مكان للجمال وللفن وسط القبح والتطرف والاستبداد. وانتهى المهرجان مساء السبت الماضي حيث أسدل الستار على فعاليات الدورة السابعة والعشرين التي تتزامن مع خمسينية الأيام. وقد شهدت الدورة حضور نجوم السينما العربية والإفريقية مثل جميل راتب، عادل إمام، وعزت العلايلي، وخالد النبوي، وناهد السباعي، ويسرى اللوزي، وديكونج بيبا، وميشال خليفي، ومحمد ملص، وأولجا بالوجون، وتيميتي باسوري، وخالد الصديق، ودجينجاري مايجا، وإدريسا وودراجو. الجوائز وقد انتهت مداولات لجان التحكيم إلى فوز الفيلم التونسي «زينب تكره الثلج» لكوثر بن هنية بجائزة التانيت الذهبي، وفوز الفيلم المصري «اشتباك» بجائزة التانيت الفضي، كما ذهبت الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم The Revolution ''s won't be televised لراما تيوا، وجائزة التانيت البرونزي ل«3000 ليلة» لمي المصري من فلسطين، وجائزة الاتحاد العام التونسي للشغل لأحسن مصور في فيلم تونس لأمين المسعدي عن فيلم «آخر واحد فينا». وحصل أحمد حافز، عى أحسن مونتاج عن فيلم «اشتباك» من مصر، وأحسن صورة لأحمد جبر من فيلم «اشتباك»، وأحسن موسيقى لمجموعة شكررر لفيلم «شوف»، وأحسن سيناريو لمي المصري لفيلم «3000 ليلة»، وأحسن دور نسائي، لعليا عمامرا، وأحسن دور رجالي لفؤاد نابا عن فيلم «شوف». أما جائزة العمل الأول، فذهب التانيت الذهبي ل«آخر واحد فينا» لعلاء الدين سليم من تونس، والتانيت الفضي لفيلم «الآن يمكنكم القدوم» لسالم الإبراهيمي من الجزائر. أما الجائزة الخاصة للجنة التحكيم، فذهبت لفيلم «إمبراطورية النمسا» لسليم مراد من لبنان، وأحسن دور نسائي، لنوفيسا بن شيدا من فيلم «مسافة ميل بحذاءي» من المغرب، وأحسن دور رجالي لمجد مستورة من فيلم «نحبك هادي» من تونس. وفي فئة الأفلام القصيرة، ذهبت جائزة التانيت الذهبي ل«الولي الصالح» لاسان سي من السنيغال، وجائزة التانيت الفضي لفيلم «صمت» لشادي عون من لبنان، وجائزة التانيت البرونزي ل«A place for my Self» لماري كلامونتين دوزا دجامبو من رواندا. وفي جائزة السينما الواعدة، ذهب التانيت الذهبي ل«الشعور بالذنب» لمايكل لاباركا من فنزويلا. أما الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم فذهبت ل«طريق الأمل» لمحمد أشكونا من موريتانيا، إضافة إلى تنويه خاص لفيلم «عين الحياة» لوفاء حسين من مصر.