المعلقون: واشنطن بحاجة إلى الخروج من قفص الاتهام الذى وضعت نفسها فيه بسبب أنانيتها وانتهازيتها السياسية ما تم ذكره عن 24 مليار دولار كان تقديرًا أوليًّا ولا يعرف أحد إلى أين ستصل أرقام الخسائر «لا يوجد منتصر» فى المواجهة المريرة التى شهدتها واشنطن. و«لا يجب تكرار الخطأ نفسه». هذا هو ما أراد الرئيس أوباما وأيضا القيادات الجمهورية فى الكونجرس التصريح به وتأكيده والتحذير منه مع عودة الحكومة إلى عملها وتسيير أعمالها. ولم يكن بالأمر الغريب أيضا أن يشير كل معلق سياسى إلى «أن على واشنطن أن تستعيد مصداقيتها» لدى المواطن الأمريكى ومن ثم لدى شعوب العالم. واشنطن بحاجة إلى «إعادة نظر» و«ترتيب أولويات» و«العمل الإيجابى» للخروج من «قفص الاتهام» الذى وضعت واشنطن نفسها فيه بسبب «أنانيتها وانتهازيتها السياسية» و«تطنيشها المزرى لما هو الصالح العام». «واشنطن بوست» بالأمس وعلى صفحتها الأولى لم تهلل لما حدث من «انفراجة» وقالت «إن معركة الميزانية تتحرك نحو جبهة جديدة ومواجهة جديدة». وبأن المحاولة الجارية الآن من جانب الإدارة وقيادات الكونجرس هى التحرك «ما بعد دائرة الأزمة التى شلت واشنطن خلال السنوات الثلاث الأخيرة». كما قالت الصحيفة بأن قيادات كبرى بالحزب الجمهورى «وشعبيته تدهورت كثيرا» أكدوا بأنهم لن يقعوا فى المطب ذاته ولن يكرروا خطأ المناطحة من جديد مع الرئيس أوباما. ولم تتردد «واشنطن بوست» فى أن تتناول بالتحليل والتعليق سؤال الساعة منذ «انفراج الأزمة»: هل سينجح الجمهوريون فى إنقاذ حزبهم من تبعات وعواقب الأخطاء التى ارتكبها «المتشددون منه» فى حق حزبهم وتاريخه؟ وحرصت وسائل الإعلام صباح أمس «الجمعة» على إبراز رقم 89 على أساس أنه رقم الأيام المتبقية لكى ينتهى العمل بالميزانية والأموال التى تم اعتمادها للصرف وتسيير الأمور حسب الاتفاق الأخير. إذ من المحدد تاريخه كموعد نهائى لتقديم وإصدار توصيات طويلة الأمد بشأن الميزانية يوم 13 ديسمبر القادم. وهذا الأمر مسؤولية اللجنة الجديدة المشتركة المكونة من أعضاء فى مجلسى الشيوخ والنواب. أما التاريخ الثانى المحدد و«المكتوب بالبنط العريض» هو 15 يناير المقبل تاريخ نهاية تمويل الحكومة حسب الصفقة التى تمت الأربعاء الماضى. أما التاريخ الأخير والمحدد «أمام أنظار الجميع» فهو 7 فبراير القادم على أساس أن هذا اليوم هو الموعد النهائى المقبل لرفع سقف الديون. ولعل الأزمة الأخيرة التى عاشتها وعانت منها واشنطن عاصمة القرار الأمريكى أكدت من جديد تبعات وعواقب «كل ما يحدث فى واشنطن» على ما يحدث فى دول العالم. فالعالم سواء شئنا أم أبينا «مترابط» و«متصل» و«متأثر من بعضه البعض» و«مؤثر فى بعضه البعض». وأن هذه «التشبيكة الدولية» فى هذا الزمن الآن لا تعترف ولا تعرف «واحنا مالنا». وقد لوحظ أن المتابعة العالمية لما حدث فى واشنطن ولأصحاب القرار الأمريكى كانت مكثفة ومتواصلة ومجتهدة من أجل معرفة أسباب ما حدث وتوابع ما قد يحدث. التوصيف القائل: بأن أمريكا إذا عطست أصيب العالم بالبرد.. تم تكرار استعماله من جديد. حتى لو كان هذا العطس مكتوما وكان يعبر عن عجز فى اتخاذ القرار أو حسم الأمر أو فك الأزمة. وواشنطن كما قيل من جانب أهلها الكرام تحاول الآن «أن تلملم نفسها» وتأمل أيضا «بأن تلتئم الجراح التى أصابتها». ولا تنسى أبدا أن فاتورة حساب «العناد» الأخير كانت كبيرة وسوف تزداد أكثر مع الأيام. وما تم ذكره عن 24 مليار دولار كان تقديرا أوليا ولا يعرف أحد إلى أين ستصل أرقام الخسائر. وقد قامت مجلة «فورين بوليسى» بنشر تقرير «طريف وظريف» يتحدث عن ماذا تعنى ال24 مليار دولار وما يمكن شراؤه بهذا المبلغ. إذ يمكن شراء شركة «تويتر» أو 150 طائرة مقاتلة من طراز «إف 35» «ثمن الطائرة الواحدة منها 159 مليون دولار»، أو 16 من برج خليفة الشهير بدبى «أعلى برج فى العالم». كما أن ال24 مليار دولار توازى حجم اقتصاد السلفادور وضعف حجم اقتصاد أيسلاند. أما صحيفة «نيويورك تايمز» فقد قامت «بوضع أصبعها على الجرح» وهى تطالب فى افتتاحية لها بعنوان «مصالح مشتركة لا مواجهة» بأن يرتفع الجميع إلى مستوى المسؤولية ويضعوا نهاية لما يسمى ب«الحوكمة الهدامة». وتشهد شاشات التليفزيون وصفحات الصحف حاليا قراءات وتحليلات وتعليقات معمقة لأزمة صناعة القرار فى واشنطن وهل التشدد أصبح اللغة المفضلة للاستخدام فى العمل السياسى؟ أم أن التشدد كما هو فى العالم كله هو صاحب الصوت الأعلى والوجود المتكرر وبالطبع الأكثر انتهازية ولعبا بالمشاعر الوطنية والدينية؟ وجود ونفوذ «حزب الشاى» بقياداته «المتشددة» أو «المتطرفة» فى الأزمة الأخيرة بشكل واضح دفع المراقبين والسياسيين فى واشنطن إلى تسليط الأضواء وبشكل مكثف على «حزب الشاى» وما أضافه من «مرارة» للعمل السياسى وللمواجهات الأمريكية على كل جبهات الاختلاف والتشابك. وما دام «حزب الشاى» مطروحا للنقاش فإن النقاش يدور أيضا عن مؤسسة «هاريتيج» بتوجهاتها المحافظة والمتشدة.. ودورها الكبير والمؤثر فى المواجهة الأخيرة. ولن يسلم بالطبع مشروع الرعاية الصحية المعروفة باسم «أوباما كير» من الجدل الدائر حول إدارة أوباما وعجزها وتضخم الحكومة وأساليب الحكم والتحكم فى الحياة الأمريكية. ما يحدث فى واشنطن هذه الأيام من «محاسبة للنفس» أو «جلد للذات» أو «مراجعة وتقييم» أو «إعادة ترتيب للأولويات» لا يمكن تجاهله خصوصا أن لدول العالم وشعوبه «نصيبهم» من هذا «التخبط» الأمريكى إن عاجلا أو آجلا!!