هالة صلاح الدين: لن تجد بين أعمالها محاكاة مبتذَلة للواقع .. وعبد النبى: توزّع 30 ألف نسخة سنويًّا بهاء طاهر: أعادت الاعتبار للقصة المضطهدة منْح القاصّة الكندية أليس مونرو جائزة نوبل للآداب هذا العام، حمل عدة معانٍ للكتّاب والمترجمين المصريين، الذين لم يتوقع الكثير منهم حصول كاتبة قصص قصيرة على الجائزة، بالإضافة إلى أنها الأديبة الأولى الكندية التى تنال الجائزة الأدبية الأرفع فى العالم. المترجم والروائى ياسر شعبان قال إن هناك مصطلحا معروفا يسمى «سوب أوبرا» أو «أوبرا الصابون» فى عالم مسلسلات التليفزيون، وظهر لوصف المسلسلات التى تستهدف المشهد العام بموضوعات بسيطة من السهل متابعتها، ومن أبرزها مسلسل «الجرىء والجميلات»، وهو ينطبق نوعًا ما على قصص «آليس مونرو» الكندية، فهى قصص تتناول موضوعات حياتية بسيطة وتهتم بالتفاصيل بأساليب قص بسيطة ومعالجات أبسط، بما يتيح للقارئ العام قراءة هذه القصص بأقل قدر من المجهود والمعرفة، وهذا ما أكسب قصصها شهرة كبيرة وجعلها تحتل قوائم أفضل المبيعات. شعبان أضاف أن «مونرو» لا تكتب قصصا قصيرة بالمعنى المتعارف عليه فى العالم العربى، وتتجاوز كذلك المعايير المشتركة لكتابة القصة القصيرة فى العالم كله، فأقصر قصصها تصل لنحو 20 صفحة (نحو 6000 كلمة) وأطولها يصل ل70 صفحة، مشيرا إلى أنها بالطبع كاتبة جيدة ولديها العديد من الموضوعات القصصية المتميزة، وربما هذا ما جعل بعض النقاد يصفونها ب«تشيخوف القصة القصيرة للعصر الحالى»، إلا أنه يرى هذا الوصف صحفيا، فالمسافة شاسعة بينها وبين تشيخوف وجوركى وزوسكيند وماركيز وكونديرا وحتى مواطنتها الكاتبة المتميزة فى القصة والرواية «مارجريت أتوود». صاحب رواية «المصائر» أوضح أن ما يثار حول أن حصول مونرو على «نوبل» ردُّ اعتبارٍ للقصة القصيرة، يغفل حقيقة مهمة عرفتها الكتابة منذ نهاية القرن الماضى، وهى نظرية «تكامل الأنواع وتجاوز التصنيفات» أو وفقا لطريقة إدوارد الخراط «الكتابة عبر النوعية»، وهى تعنى أن الحدود الفاصلة بين ما كان يسمى قصة ورواية وشعرا ومسرحا ونقدا وتنظيرا ومقالا تكاد تكون قد تلاشت، مشيرا إلى أن هناك كتابة بمعناها الأرحب والأكثر ثراء التى توجد فى أعمال «ميلان كونديرا» و«باتريك زوسكيند» و«مارجريت أتوود» و«دون دليلو»، والتى ظهرت فى تسعينيات القرن الماضى فى مصر وما زالت موجودة ومتطورة. من جانبه قال الروائى الكبير بهاء طاهر إن حصول قاصّة على جائزة نوبل تغيير مرغوب فيه ضد اضطهاد القصة القصيرة لسنوات طويلة على مستوى العالم، ورد اعتبار لأرقى فنون النثر، مضيفا أن كتابة الرواية والاهتمام بها جاء نتيجة لرغبة الناشرين، الذين يطالبون الكتّاب أحيانا بكتابة روايات طويلة، وذلك بالنسبة إلى الغرب لأنهم يقرؤون هذا النوع من الأدب فى المواصلات والمترو، أما بالنسبة إلى الشرق والعالم العربى على وجه الخصوص فالسبب مجهول. طاهر أضاف أنه قد ينشر مجموعة قصص قصيرة الفترة المقبلة كتبها منذ سنوات طويلة ولكنها لم تُنشر من قبل، وذلك بناء على طلب أحد الناشرين، مشيرا إلى أنه يكتب حاليا قصصا قصيرة بجانب رواية جديدة، ويمكن أن يكون هذا جزءا من إسهامات الكتّاب العرب فى القصة القصيرة وإعادة الاهتمام به. فى السياق ذاته قال الكاتب والمترجم محمد عبد النبى إنه يعتبِر آليس مونرو هى أفضل كاتبة للقصة القصيرة فى اللغة الإنجليزية، حيث تبيع كتبها نحو ثلاثين ألف نسخة سنويا، وهى من الكاتبات التى يُعجب الأدباء الآخرون بمهاراتها التقنية وصفاء أسلوبها، مضيفا أنها عُرفت بالتركيب المعقد لقصصها، فالقصة النموذجية لدى آليس مونرو قد تبدأ فى نقطة يعتبرها أغلب الكتّاب نهاية مناسبة، ثم تقفز إلى لحظة ما بعد عشر سنوات، ثم تعود من جديد. عبد النبى أضاف أن أهم ما يميّز آليس مونرو -التى تعيش فى بلدة صغيرة بجنوب كندا- هو أن قصصها عن الناس العاديين وقصصهم التى تحوى أسرارهم، وذكرياتهم، مشيرا إلى حصول الكاتبة الأمريكية ليديا دافيزعلى جائزة «مان بوكر» العالمية هذا العام، وهى لا تكتب إلا القصة، وتحديدا القصص القصيرة للغاية، ثم تأتى «نوبل» هذا العام لتؤكد هذا الاعتذار الضمنى تجاه هذا الفن النادر شديد الصعوبة، متمنيا أن تكون «نوبل» هذا العام احتفاء بهذا الفن مهضوم الحق. وقالت المترجمة هالة صلاح الدين إن الكاتبة آليس مونرو لم تخضع للابتزار الأدبى، الذى يرى القصة القصيرة سلّمًا يصعد عليها المبدع، وهو ينظر إلى الرواية التى يعتقدها نوعًا أرقى من الأدب، مضيفة أن ما يجعل مونرو أيقونة للقصة القصيرة هو ما ينطوى عليه أدبها من واقعية تحتمل الصدق أو الكذب، فلن تجد بين سطورها محاكاة مبتذَلة للواقع. مترجمة كتاب «فتاة فى باريس» أضافت أن القارئ يرتاب فى الواقعية ذاتها خلال كتابات مونرو، لا بأسلوب يتعمد تذكير القارئ بأن ما يطالعه ما هو إلا خيال، وإنما من خلال استغلالها أثر الواقعية خير استغلال ثم تقويضه عبر طرح عدة احتمالات بديلة فى الإطار الأدبى ذاته. الروائى الكبير محمود الوردانى أعرب عن سعادته بحصول القاصّة الكندية آليس مونرو على جائزة نوبل، معتبرا ذلك انتصارا للقصة القصيرة التى كان ينظر إليها الكثيرون أنها تحتضر، وعلى وشك الانتهاء، مضيفا أن الجائزة مازالت تعانى من مشكلات، منها أنها لها ظلال سياسية، وغير مستقلة تماما فى اختيار جنسيات الكتّاب الفائزين بالجائزة.