لكى لا ننسى.. فى ظل الهبات العشوائية للجماعة المحاربة من أجل استعادة سلطتها، أو الطيور الجارحة التى تريد إعادة بناء دولة الاستبداد والفساد.. لكى لا ننسى ماذا فعلنا أضع أمامكم افتتاحية كتبتها فى «السفير» منذ عدة أسابيع لعلها تسهم فى عدم النسيان.. «1» ربما تبدأ غدا أو بعد غد محاكمة المرسى. سيقف فى نفس مكان محاكمة مبارك «المخلوع».. مرسى الآن «المعزول» وكلاهما رهن وصف يشير إلى «قوة» ما، أزاحت الجالس على المقعد الكبير مرتين فى أقل من ثلاث سنوات، بينهما جالس انتقالى «المشير طنطاوى» لم تمكنه نفس القوة من الاختلاء بالمقعد أو تحويل انتقاليته إلى دوام. كيف أصبح مقعد الخلود ممرا سريعا إلى السجن؟ الرئيس فى مصر كان أبديا، ترتبط شبكات المصالح حوله بفكرة الخلود، والرهان على أن مغادرته الحكم رهن «البيولوجيا» وليس السياسة. مرسى طار بأسرع مما تخيل المؤمنون بخرافة تنظيم الإخوان وقدراتهم على تأسيس دولة (قالوا لقائد الجيش السيسى إنها ستحكم 500 سنة على الأقل). سقوط مرسى وجماعته بفعل «قوة» الجيش ولا «مؤامرة» من قائده (الذى قيل فى بدايته إنه سيسلم الجيش للجماعة). كما أن انتظار عودة مرسى يحول الإخوان إلى جماعة منتظرى الرئيس الغائب بكل ما يحمله ذلك من عجز وضعف وانهيار.. والأدق أنها عملية إنقاذ التنظيم بالوهم. الإخوان لم يبق لهم إلا مندوبو تفاوض (محمد على بشر، وعمرو دراج)، وورقتهما الوحيدة هى البحث عن «وسيط»، لكى لا تصبح المفاوضة المباشرة اعترافا بالحكم الانتقالى، دون ضمانات لتحقيق الهدف، وهو خروج القيادات من السجن. يغطى على الطلب الحقيقى تمسكا بمظاهر الشرعية الإخوانية (رئيس+دستور+مجلس شورى). محاكمة «المعزول» ستكشف حجم ومدى تأثير القوة التى عزلته؟ «2» نسميها «قوة المجتمع» بدأت فى الخروج من صمتها، موتها الكبير منذ 25 يناير، وإلى الآن تنتقل بين الحضور والغياب، بين الانتفاض والغضب إلى العودة إلى موقع المتفرج فى المدرجات. هذه القوة هادرة، فوضوية، باقية فى مرحلة سيولتها، لكنها تهدد الكيانات المتصلبة على سلطويتها، هكذا كان المجلس العسكرى فى المرحلة الانتقالية ضحية سلطوية قديمة ورثتها جماعة الإخوان، كلاهما رفض النظر إلى هذه القوة باعتبارها يدا جديدة تقتحم «سبيكة» السلطة. الدولة بالنسبة إلى كيانات السلطوية القديمة هى «غنيمة» نصر فى معركة الغالب فيها يجلس على الحكم أو يحتل الغرفة المغلقة ويدير البلاد. هذا المجتمع، الذى كان قطيعا، لم يكن يهتم بشىء، ما دام كل شىء مستقرا، والضابط الساكن فى القصر سيعيد الاستقرار فى أية لحظة، فهو «الأب» الذى يعرف أكثر، والمطلوب منا طاعته، هو الذى يحدد الأعداء والأصدقاء، ويرسم هندسة الشوارع لنسير فيها، وهو الذى يضع التنظيمات والتيارات فى مواقعها داخل «الديكور الديمقراطى». هذا التنظيم الزئبقى سهل الترويض، اختفى الآن، لم يعد له وجود، نحن أمام تنظيم يدافع عن سلطته، فرصته لتأسيس دولته.. وهذا التحول من التقية إلى السلطة عبء الآن على الإخوان قيادة (تتفاوض حتى النفس الخير أملا فى النجاة) وجمهورا (فى روحه ندب غائرة وشعور بأنهم غرباء فى مجتمع كافر). مع مَن تتصالح؟ القيادة أم الجمهور؟ «3» هذه أسئلة تعوق التفكير.. لأن التصالح مع قيادة اسمه صفقة، ومع الجمهور عملية اجتماعية طويلة المدى تحتاج أولا وقبل كل شىء توقيف العنف، والانتهاكات، وقبلها نغمة الكراهية المغلفة برومانسية قاتلة «إحنا.. وأنتم». إذن المطلوب ليس الكلام على مصالحة، تقال أحيانا من قبيل معالجة شعور خفى بالذنب، أو لمداراة الارتباك أمام الحالة الراهنة، أو رد فعل على هجوم الكراهية القادم مع رفرفات نهش الطيور الجارحة للجميع. والشجاعة تقتضى مواجهة الجميع بالحقائق وليس التخفى تحت أغطية عاطفية، أو ملابس واقية من نهش الطيور الجارحة، التى هى إن دققت ستجد وتكتشف بسهولة أنها منتهية الصلاحية. والحقيقة أنه لا بد من تفكيك البنية التحتية التى قادتنا إلى كارثة بعد ثورة حملت كل آمالنا وأحلامنا بدولة محترمة، تنتظرها فيها السعادة. البنية التحتية التى أقصدها تتعلق بجناحى الكارثة: ■ السلطوية الحاكمة فى كل المؤسسات والتى تحول المؤسسة من دورها المحدد (المفيد) إلى «تسلط» و«وصاية»، وهذا يمتد من الجيش إلى الأزهر، لا بد أن تعود هذه المؤسسات إلى حجمها، ودورها الطبيعى فى الدولة، هذه السلطوية التى تضع المؤسسة فوق المحاسبة، أو تمنحها قداسة فوق الحقوق والحريات، فإنها تضع أساسيات الإفساد والفشل كما رأينا وعشنا فى تاريخنا القريب جدا. ■ الجناح الثانى للكارثة هى التنظيمات المعادية للدولة، والحياة الحديثة، والتى تعيش على عجز هذه الدولة السلطوية على توفير الخدمات لمواطنيها، فتتكاثر التنظيمات على هذا العجز، وعلى أوهام أنهم مندوبو مملكة الله على الأرض، وهنا يتحول تنظيم مثل الإخوان إلى قبيلة، طائفة، تصبح عند وصولها إلى السلطة فوق الدولة، أو فى مهمة علوية لنشر الدين. المجتمع بالنسبة إلى الإخوان ليسوا أفرادا أو مواطنين أو حتى جمهور له احترامه، باعتباره جزءا من اللعبة عندما تكون حلوة.. وإنما المجتمع عبارة عن زبائن.. وفى عقلية التجار هذه الزبون على حق فقط لحظة الانتخابات.. أو الحشد. وهنا لن يكون مهما أساليب العقاب الجماعى، والاعتقالات العشوائية، أو إغلاق فرص الحياة على الأعضاء، وإنما التفكير كيف سيؤثر تفكيك البنية التنظيمية للجماعة على عملية إدماج جمهور الإخوان فى المجتمع؟ كيف تستطيع «قوة المجتمع» البناء لا الهدم فقط؟