عن المجلس الأعلى للثقافة، صدرت حديثًا رواية للروائية والشاعرة سهير المصادفة، وفى هذا العمل الجديد نجد شخصيتين رئيسيتين: جمال وزوجته نرمين. جمال يعمل صحفيًّا، إلا أنه لا يجيد كتابة المقالات، لذلك يكتفى فى جريدته، بتصحيح مقالات رئيس التحرير من الناحيتين اللغوية والإملائية. هو بالتأكيد قليل الذكاء والموهبة، لا يجيد إلا المؤامرات ومشاعر الكراهية للآخرين. إلا أن هذا لا يعتبر مشكلة بالنسبة إلى جمال، فمشكلته الرئيسية ليست فى العمل، بل فى زوجته نرمين التى يشك فيها، ولا يعرف إن كان يكتفى بتطليقها أو يتهوّر ويقتلها! أما نرمين الزوجة، فهى تبدو لنا فى واقع الأمر ومن خلال الصفحات الأولى فى هذه الرواية زوجة مثالية جميلة رقيقة حنون، لدرجة أننا نشك فى أسلوب تقييم جمال لزوجته. الموقف النفسى بين الزوجين ملتبس، إذ يبدو بوضوح وجود صراع ما بينهما، يظهر بجلاء لدى جمال، فى حين أنه يبدو كما لو كان غائبًا لدى نرمين، فالرجل الذى يشك فى زوجته عندما يتحدث عنها إلى الآخرين، يستعمل ألفاظًا سخيفة من نوع (العاهرة) و(الفاجرة) و(الحيوانة) رغم أنها عندما تناديه هى تقول (حبيبى). ثم إنها تنشغل طوال النهار بطلبات المنزل من كنس ومسح وطبخ، ثم تجد الوقت الكافى لتنشغل أيضا بتأليف وكتابة النصوص الأدبية على جهاز الكمبيوتر. هى لا تنقصها الموهبة الأدبية التى حرم هو منها، رغم أن هذه الموهبة هى الأساس الذى ينبغى أن يقوم عليه عمله هو كصحفى. يتضح لنا بالتدريج أن المشكلة الأولى بينهما قد تكون فى عدم الإنجاب. ثم تبدو على استحياء مشكلة ثانية قد تكون فى أن الشهية الجنسية لنرمين غير قابلة للإشباع. ثم هل يمكننا هنا أن نضيف مشكلة ثالثة هى إحساس جمال بالغيرة وبمركب نقص من زوجته منذ أن اكتشف موهبتها الأدبية. لعلاج المشكلة الأولى كانت والدة جمال قد حاولت أن توحى إليه بضرورة الزواج مرة أخرى للحصول على الطفل، مع الاحتفاظ بنرمين، إلا أن نرمين اشترطت عليه إن أراد الزواج من جديد أن يطلقها أولا. أما فى ما يتعلق بالمشكلة الثانية فإن السبب الكامن وراء شك جمال فى زوجته هو إحساسه بأنه غير قادر على إشباعها جنسيًّا. وهذه المشكلة لا علاج لها إلا الطلاق. تظهر فى العمل شخصية ثانوية هى حسن، وهو شاب جاء من الصعيد ليعمل صحفيًّا فى القاهرة، فى نفس الجريدة التى يعمل بها جمال، ويقيم فى حجرة تقع فى سطح عمارة بالجيزة، ويقدّم بشخصيته وبأسلوبه فى الحياة، نموذجًا آخر للرجل القمىء الدنىء. هو يغرر بالفتيات البريئات الساذجات، ويقودهنّ إلى حجرته ليفقدهنّ شرفهنّ، ثم يعذّبهنّ بهجرانه لهنّ. تحضر عايدة للعمل فى نفس الجريدة، فيبدأ حسن فى ممارسة ألاعيبه معها، إلا أنها هى التى تستطيع أخيرًا أن تنتقم لنفسها، ولكل بنات جنسها من ذلك الوغد، عندما تفضح عجزه الجنسى أمام الجميع، إذ إنه يظل يحاول ساعات طويلة حتى يصل إلى مبتغاه. بعد ذلك يتوب حسن عن خطاياه، ويتزوج فتاة من قريته تعمل ممرضة، وتقبل أن تقيم معه فى القاهرة. إضافة إلى هذا النص الذى يدور فى الزمن الحالى، ويصوّر لنا باقتدار الحالة النفسية المضطربة لبعض معاصرينا، هناك النص الذى كانت نرمين تكتبه على الكمبيوتر، ويجد طريقه إلى رواية المصادفة. يقع هذا النص فى منتصف الرواية الأصلية ليقسمها إلى نصفين متساويين، وتدور أحداثه فى القرن الأول للهجرة، على لسان شخصية نسائية هى راوية الأحداث. هى تمارس الحب خمسًا وسبعين مرة مع رجل خلال العام الأول لهما معًا، ثم تفاجأ به يهجرها، فتطارده متتبعة إيّاه على طرق القوافل، بين القبائل التى تقيم فى منطقة جغرافية تمتد بين شمال شرق السعودية الحالية، وجنوب غرب العراق. الأمر الملفت فى هذا الجزء من الرواية هو اللغة العربية الفصحى المستعملة فى الحوار وفى السرد، اللغة التى تعود مفرداتها إلى تلك الفترة الزمنية البعيدة. هذه الرواية باختصار هى دراسة نفسية مهمة فى العلاقات الزوجية ولغة فصحى قوية.