إذا كنت قد قررت أن تذهب اليوم إلى الميدان لكي تطالب بالتطهير والقصاص والعدالة فلا أظنك ستكون مهتما بقراءة هذا المقال، فهو موجه أساسا لكل من يرفض الذهاب إلى الميدان اليوم. مبدئيا لن أقوم بتخوينك إذا لم تذهب إلى الميدان بل إنني لن أدعوك للذهاب إليه أصلا، فأنا وبكل أسف خارج البلاد في رحلة عمل، ولست من الذين يدعون الناس إلى حدث لن يشاركوا فيه بأجسادهم وإن شاركت فيه مشاعرهم وكتابتهم، كما أنني أربأ بك أن تكون من الذين يتخذون موقفا سياسيا بناء على رأي أحد أيا كانت ثقتك فيه، لا أعتقد أصلا أن هناك أحدا يفكر هكذا كما يظن أذناب أمن الدولة الذين يحلو لهم اتهام الكتاب والإعلاميين بالتحريض وتسخين الناس، ولو عقلوا لأدركوا أن الناس يذهبون إلى الميدان للتعبير عن مطالبهم أو بمعنى أصح للتعبير عن غضبهم من الاستهتار بمطالبهم، لا يذهبون إليه بناء على دعوة شخص أو حزب أو هيئة، بل لأنهم يشعرون بأن ذهابهم إلى الميدان وبقاءهم فيه ضرورة حتمية لإيصال رسالة إلى من يستهتر بهم، وكلما حدث اتفاق ضمني حول مضمون تلك الرسالة وصلت أسرع وكان تأثيرها أقوى، هذا الدرس الذي تعلمناه من كل الجمعات الماضية، التي لم ينجح منها إلا الجمعات التي كان بها حشد قوي يتفق على مطالب محددة، وأزعم أن هذه الجمعة بالذات مرشحة لأن تشكل منعطفا هاما في مسار الثورة بعد أن وصلت أرواح الناس إلى الحلقوم وفاض بهم وملوا وشكّوا في أصابع أيديهم، ولم يعد لهم إلا الميدان بعد أن خذلهم صناع القرار خذلانا مبينا. لا أظن أنك قررت ألا تذهب إلى الميدان لأنك مثلا تعتقد أن من سيكونون به بلطجية أو مرتزقة أو مدفوعون من جهات أجنبية، لن أقول لك إنك لو كنت تعتقد ذلك فأنت لست جديرا بأن أتحدث معك أصلا، لأنك تمتلك تفكيرا منحطا يجعلك تصنف الناس بناء على أشكالهم وطريقتهم في الكلام أو تحكم عليهم بالسمع.. بالعكس ينبغي أن أكون صبورا في شرح وجهة نظري، لذلك يا سيدي ولا يهمك، من حقك أن تعتقد ما تشاء، لكن لماذا لا تنزل بنفسك وتتحدث مع الناس وتستمع إليهم وتحكم بنفسك؟ تمام يا سيدي، أظن أنه كلام منطقي؟ طيب، هل قررت أن لا تذهب لأنهم قالوا لك: إن من سيذهبون هم القلة المارقة التي تريد أن تقفز على اختيار الشعب وتريد أن تفرض خيار الدستور أولا من أجل تحقيق مصلحة أمريكية صهيونية؟، إذا كنت تعتقد ذلك فأنت على ما يبدو مقصر في متابعة التطورات لأن هناك شبه توافق على عدم رفع شعار (الدستور أولا) والتركيز على مطالب التطهير والقصاص والعدالة الاجتماعية، أعرف كثيرا من الذين سيذهبون إلى الميدان اليوم من يؤمنون بضرورة الذهاب إلى الانتخابات الآن وفورا، لأن أي سلطة مدنية منتخبة ستكون أرحم وأحن وأفضل من السلطة العسكرية الغامضة التي تحكمنا الآن والتي يحتاج كثير من سياساتها وقراراتها إلى «مليارية» ترفع شعار (الوضوح أولا) بعد أن أصبحنا للأسف نعيش في لغز كبير يزداد تعقيدا وبواخة يوما بعد يوم. أرجوك عد إلى كل قوائم المطالب المرفوعة اليوم واقرأها مليا وأظنك ستدرك أن جميعها مطالب عادلة لا يمكن أن يختلف معها إنسان يحب هذه البلاد. هل تكره كمواطن أن تعيش في بلد به وزارة داخلية تحترم حقوق الإنسان ويعمل ضباطها بجد من أجل تحليل اللقمة التي تدفعها سيادتك من ضرائبك ولا يشعر أحد منتسبيها بأنه أعلى قدرا من أي مواطن آخر؟، هل تكره كإنسان أن ينال أهل الشهداء أبسط حقوقهم في أن يروا الضباط المتهمين بقتل أبنائهم موقوفين عن العمل في انتظار حكم القضاء بدلا من أن يترك لهم الحبل على الغارب لكي يمارسوا ضغوطا مادية ومعنوية على أهالي الضحايا بمساعدة بعض الشيوخ الذين يلوون أعناق النصوص الدينية لكي تظل أعناق السادة الضباط مرفوعة؟، بذمتك ودينك ألم يصمت أهالي الشهداء أكثر من أربعة أشهر في انتظار حكم القضاء وقد كان ذلك الصمت الذي شاركنا فيه جميعا خطأ فادحا على أي حال، ومع ذلك فقد صمتوا واحترموا حكم القضاء ولم يطلبوا حتى أن يحاكم قتلة أبنائهم في محاكمات عسكرية كالتي يحاكم أمامها الناشطون السياسيون والعماليون، ثم فوجئوا بإجراءات تستفز الحجر وبتصريحات عنجهية تستبق أحكام القضاء وبوزارة داخلية تغلب كرامة بعض ضباطها على كرامة الوطن واستقراره؟، وحياة ولادك يا شيخ هل تعتقد أن مصر ستشهد استقرارا في ظل هذا الاستفزاز المتعمد لأهالي الشهداء والمصابين والدوس على كرامتهم وآدميتهم لمجرد أن كثيرا منهم فقراء غير مسنودين على سلطة أو جاه أو بريق طبقي يجعل منهم أيقونات؟، هل تعتقد أن من يحرصون على الحشد والتظاهر والاعتصام من أجل هذه المطالب ناس فاضية ما وراهاش حاجة وأنهم مدفوعون من جهات خارجية، إذا كنت تعتقد ذلك وتردده فماذا ستقول لربك يوم الحساب عندما يسألك لماذا قمت بتشويه سمعة أناس لم تحرص على أن تتعرف عليهم وعلى مطالبهم مع أنهم يقفون على بعد دقائق منك رافعين مطالب إذا تحققت ستستفيد منها أنت وأولادك وأحفادك، وإذا لم تتحقق ستتضرر منها أكثر من الذين يرفعونها، لأن لديهم على الأقل جلدا وصبرا سيجعلهم يواصلون الرفض والكفاح؟، أنت وحدك الذي ستدفع الثمن في صمت كعادتك. أنا لا أحب تعبير (النزول إلى الميدان) حتى لو كان بريئا وعفويا، فالميدان بالنسبة لي قمة يرتقي الإنسان إليها وليس مكانا يُنزل إليه، ومع ذلك فأنا لا أدعوك إلى الصعود إلى الميدان أو حتى النزول إليه، أدعوك فقط لأن تفكر في كل الأسئلة السابقة مليا وأن تجيب عنها بصدق، وكلي ثقة من أنك لو فعلت لاكتشفت أن الميدان لا يحتاج إليك بقدر ما تحتاج أنت إليه، وأن الميدان هو الضمان الوحيد من أجل أن لا تتم سرقة ما نستحقه نحن والأجيال المقبلة من بعدنا، وأنه إذا كان الله قد كتب لنا حياة أطول على عكس الشهداء الذين صعدوا إلى السماء فليس أقل من أن نرتقي على خلافاتنا وأهوائنا ومخاوفنا ونصعد إلى الميدان.