أجرى الحوار: مهند الصباغ اشتهر بمعاداته لكل الأنظمة، ابتداءً من نظام عبد الناصر الذى اعتقله خمس سنوات لانتمائه لمنظمة «حدتو»، ثم معارضته لنظام السادات وسياسة الانفتاح التى انتهجها من خلال روايته «اللجنة»، ثم رفضه استلام جائزة الرواية العربية والتى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة. الروائى الكبير صنع الله إبراهيم له تاريخ طويل من النضال آخره ما قام به ضد جماعة الإخوان المسلمين ومشاركته فى اعتصام المثقفين قبل قيام ثورة 30 يونيو. الروائى صنع الله إبراهيم يحدثنا فى حواره معنا حول رؤيته للأحداث السياسية حاليا، متوقعا انتفاضة جديدة للشعب المصرى ضد غلاء الأسعار وعدم تنفيذ مشروع قانون الحد الأدنى والأقصى للأجور، كما يتذكر بداياته ككاتب متمرد على الكثير من الكتّاب الكبار وقتها.. فإلى نص الحوار: ■ بدايةً كيف ترى تشكيل لجنة الخمسين؟ وهل تعتقد أنها قادرة على كتابة دستور يعبر عن ثورة 30 يونيو؟ - تشكيل لجنة الخمسين بشكل عام متوازن ومعقول إلى حد كبير، إلا أننى لا أريد الحديث عن جميع أعضاء اللجنة لأنى لا أعرفهم جميعا بشكل شخصى، كما أن الشعب كله يراقب هذه اللجنة وينتظر ما ستقدمه من تعديلات ليحكم عليها إذا كانت عبّرت عن الثورة أم لا. ■ لو كنت عضوا بلجنة الخمسين ما المادة التى كنت ستناضل من أجل وضعها فى الدستور الجديد؟ وما المادة التى كنت ستنسحب من اللجنة إذا تم إقرارها به؟ - سأجيب على الجزء الأخير من السؤال أولا، هناك مادة بالدستور لا بد من حذفها بالكامل وهى المادة 219، وكنت أفضل أن يكون المصدر الرئيسى للتشريع الشرائع السماوية وليست الشريعة الإسلامية فقط، إلا أننى أعرف جيدا أن مثل هذا الحديث حاليا قد يثير غضب كثيرين، لكن لا يوجد مبرر لاختيار الشريعة الإسلامية فقط. ■ ولماذا تطلق لفظ انتفاضة على ما حدث ب25 يناير و30 يونيو لا ثورة؟ - لم يكن هناك أهداف محددة، أو خطة لما حدث، أى ثورة تقوم من أجل مطالب واضحة، إلا أن ما حدث فى مصر بدأ باحتجاجات ضد ممارسات الداخلية ثم تلخصت فى «ارحل» ضد مبارك، وهذا لم يصنع ثورة، هذه انتفاضة احتجاجا على جرائم رئيس والمطالبة بتغييره. ■ وما الأحداث التاريخية فى أى دولة التى تطلق عليها ثورة؟ - على سبيل المثال الثورة الفرنسية وثورة الكومونا فى باريس 1780 والثورة البلشيفية، الكومونا تطالب بفصل الدين عن الدولة، بحيث يكون التعليم مدنيا لأن الكنيسة كانت تشرف على التعليم فى هذا الوقت، بالإضافة إلى منع عمل الأطفال وتخفيض ساعات العمل، وذلك يوضح وجود مطالب واضحة، وهذا لم يكن متوافرا فى ما حدث خلال 25 يناير و30 يونيو. فى مصر كان لدينا مطلب واحد فقط هو الرحيل، وبعد رحيل مبارك نشكل رأى عام حول مطالب الدستور، ثم حدثت مؤامرة المجلس العسكرى مع الإخوان، لتدخل مصر فى دوامة أتت بالإخوان، لينتفض الشعب المصرى مجددا مطالبا برحيل الإخوان. ■ فى حوار سابق قلت إن الفريق السيسى رجل وطنى وقدّم لمصر عملا كبيرا، ولكن هل من الممكن أن تتظاهر ضده؟ - بالطبع يمكن أن أنزل للتظاهر ضده، إذا ابتعد عن مصالح الشعب أو انحاز إلى أعدائه، لكن حتى هذه اللحظة هو منحاز لمصالح الشعب والمصالح القومية لمصر، لهذا أعتقد أنه يجب الوقوف بجانبه. ■ وهل تتوقع أن ينتفض الشعب المصرى مجددا خلال الفترة المقبلة؟ - بالتأكيد، مصر تعانى حاليا من ارتفاع الأسعار وعدم تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور، وليس هناك أى محاولة للسيطرة على أسعار السوق، فهناك قانون طوارئ من الممكن أن تُمنع بموجبه أى زيادة فى الأسعار. كما أن الحكومة تتعامل مع الأزمات بشكل روتينى، حيث يخرج وزير التموين ليعلن عن تشكيل مجلس أعلى، ويستمر فى تشكيل لجان ثم مجلس أعلى ولا يقدم شيئا، فهذا أمر غير معقول ومثير للضحك، فمن الممكن فرض تسعيرة جبرية فورا بموجب قانون الطوارئ للتخفيف عن المواطن. ■ تقصد أن الانتفاضة الشعبية ستكون لها علاقة بالمستوى الاجتماعى للأفراد وليس لمطالب سياسية؟ - هذه أيضا سياسة، عندما تحدّ الدولة من الفارق الكبير بين طبقات المجتمع فهذه أيضا سياسة، بجانب مطالب أخرى خاصة بالموقف من قطر وأمريكا والموقف من استعدادها لتوجيه ضربة عسكرية على سوريا. ■ بخصوص علاقة مصر بأمريكا، هل ترى أنه من الممكن أن يتوقف التسليح الأمريكى لمصر والمعونة الأمريكية أم هل يستمر الوضع كما هو الآن؟ - أعتقد أن هذا الحديث سابق لأوانه، بمعنى أن هناك أولويات محددة الآن وهى ضرب بؤر الإرهاب، والمضى قُدما فى خارطة الطريق كى نصل لدرجة من الاستقرار حتى نواجه المشكلات الأخرى مثل التعليم والصحة والزراعة، وتأتى بعد ذلك مشكلات السياسة الخارجية، ولكن لا يمكن الحديث عن السياسة الخارجية دون وجود الحد الأدنى من الاستقرار. ■ وما رأيك فى الحديث عن عدم وجود من يسمون بالفلول أو بقايا النظام السابق؟ - بالتأكيد يوجد فلول، وقد بدؤوا فى العودة بقوة للظهور على شاشات التليفزيون، حتى فوجئنا منذ فترة وجيزة بظهور أحد «فئران مبارك» يتحدث عن تجربته معه وكأن ثورة لم تقم ضد هذا الرئيس. ■ هل يمكن أن يؤثروا فى الحياة السياسية أو الانتخابات البرلمانية؟ - من الصعب أن ينتخبهم الشعب مرة أخرى، إلا أن الأمر يتوقف على دور الحركات الشعبية والشبابية والتكتلات الثورية والأحزاب، فالمواطن البسيط الذى يدلى بصوته يحتاج إلى من يذكره بالمرشح الفاسد، وهذا دور ما يمكن أن نسميه ب«الطليعة» أو النشطاء السياسيين. ■ انتميت لمنظمات شيوعية فى مرحلة شبابك.. فلماذا لا تنتمى إلى حزب يسارى حاليا؟ - لا يوجد سبب محدد، لكننى لا أستطيع القيام بأمرين فى وقت واحد، حاليا أقوم بالكتابة، قبل خلع مبارك بسنوات تفاعلت مع حركة «كفاية» وتوقفت من وقتها عن الكتابة، إلا أننى أشعر الآن بعدم تقديمى إضافة عما يقدمه باقى الموجودين فى الحركة، فهناك من هو أصغر منى سننا وأكثر قدرة على الحركة وما يمكننى فعله هو الكتابة. ■ وما رأيك فى الأحزاب اليسارية الموجودة حاليا ودورها فى الساحة السياسية؟ - لا بد أن نفرّق بين الأحزاب اليسارية، بعض من هذه الأحزاب تعاون مع نظام مبارك، وآخر يدلى بتصريحات طفولية لا تعبر عن واقع المجتمع، والبعض الآخر منها عاجز عن التواصل مع الجماهير والتفاعل مع طبقات المجتمع الذى يتحدث عنها دائما، وعلى جميع هذه الأحزاب توثيق علاقتها بالجماهير كى تعود إلى قوتها ونشاطها التى كانت عليه منذ سنوات طويلة. ■ من وجهة نظرك.. هل يؤثر الانتماء الأيدلوجى للكاتب على إنتاجه الأدبى؟ - هناك درجات من الانتماء الإيدلوجى، فهناك مثلا الإخوان المسلمين فهى لا تؤثر فقط ولكنها تمحى العقل، ولا يمكن أن يظهر كاتب أو رسام من الإخوان، إلا أن الجميع له انتماء أيدلوجى بشكل ما بدرجات متفاوتة، أو رؤية عامة للحياة وانحياز لجانب ضد جانب، فأنا مثلا ضد الإخوان، فهذا انتماء إيدلوجى لكنه يختلف عن الانتماء المتعصب للإخوان أو أى جماعات متعصبة. الانتماء الإيدلوجى جزء من الحياة لكن بدرجات فلا يوجد كاتب أو فنان ليس له رؤية وتفكير واختيارات، لكن لا يجب أن تصل لدرجة التعصب. ■ تحولت رواية «ذات» إلى عمل درامى فى رمضان الماضى، فهل هناك مشروع لتحويل روايات أخرى إلى أعمال فنية الفترة المقبلة؟ - نعم، قمت بكتابة سيناريو لرواية «شرف» مع مخرج مصرى يعيش فى ألمانيا يدعى سمير نصر، وقمنا بعرض السيناريو على عدد من المنتجين، حتى تعاقدنا مع محطة تليفزيون ألمانية ووصلنا لصيغة اتفاق مشترك بينها وبين محمد حفظى المنتج المصرى، ثم فوجئنا بانسحاب المحطة ونبحث فى الوقت الحالى عن شريك آخر. ■ وهل سننتظر من صنع الله إبراهيم رواية تؤرخ للمرحلة الحالية؟ - عندما قمت بكتابة رواية «ذات» واستخدمت فيها التأريخ من خلال أرشيف الصحف، لم يكن الإنترنت منتشرا بهذا الشكل، كما أن وسائل الإعلام لم تكن قد تطورت إلى هذا الحد، الأمر الذى زاد من درجة متابعة الإعلام، وأفقد فكرة التأريخ قيمتها. ■ وهل حدث تغيير فى مفهوم الكتابة بعد الإنترنت بخصوص الوثائق والأرشيف؟ - هذا جائز، خصوصا أن استخدام الوثائق له أشكال كثيرة، وأنا لم أستخدم غير طريقة واحدة أو ثنتين فقط، إلا أنه على من سيستخدم التوثيق فى عمل أدبى مراعاة تغييرات كثيرة طرأت على المجتمع خلال فترة قصيرة. ■ فى فترة الستينيات كانت هناك مجموعة من الكتاب ينشرون أعمالهم فى الصحف والمجلات بشكل منتظم، ولم تكن واحدا منهم، ما السبب فى ذلك؟ - خرجت من السجن عام 1965، وبعد ذلك ركزت على كتابة الرواية، إلا أننى قمت بنشر عدد قليل من أعمالى فى عدة مجلات، منها مجلة «المجلة» عندما كان يحيى حقى مسؤولا عنها من أجل توفير أى مبلغ مادى، حيث كنت أعمل فى هذا الوقت بمكتبة مقابل عشرة جنيهات شهريا، وكان مبلغا كبيرا وقتها، وأدفع منه ثلاثة جنيهات إيجار غرفة فى مصر الجديدة. ■ يحيى حقى كان له رأى سلبى فى روايتك «تلك الرائحة»، فهل أثر ذلك على علاقتكما؟ - إطلاقا، فأنا آخر من تحدث مع يحيى حقى قبل وفاته، وقال لى «هتقرا خبرى يا صنع الله بكره فى الجورنال»، ولكننى لم أفهم وقتها قصده، حتى قرأت فى اليوم التالى خبر وفاته، ودائما كنت على علاقة طيبة به. وما كتبه عن رواية «تلك الرائحة»، أن هذه الرواية كان من الممكن أن تكون تحفة رائعة لولا بعض الأوصاف التى استخدمها الكاتب وما كان يجب كتابتها، وبالمناسبة كنت سعيدا بذلك جدا، فجيلى كان متمردا على الكتّاب الكبار وقتها، فأى بادرة رفض من قبل هؤلاء الكتّاب لما نكتبه يعتبر أمرا جيدا، ولو قام يوسف السباعى مثلا بمدح إحدى رواياتى وقال عنها إنها رواية عظيمة كنت سأنتحر.