عن دار الكتاب العربى ببيروت صدر كتاب «الاغتيالات السياسية فى مصر» تأليف، د.خالد عزب، والباحثة صفاء خليفة، ويلقى الضوء على حوادث الاغتيالات السياسية التى أثارت ضجة وقت حدوثها، ونالت اهتمام عديد من الصحف المحلية والعالمية، ويتناول هذا الكتاب ثمانى حوادث، وفى الجانب المتعلق بدوافع ارتكاب الجريمة يقوم الكاتبان بتحليل ظروف وملابسات كل حادثة اغتيال، فيتعرض الكتاب لظروف الحادثة؟ وهى الأحداث السياسية فى مصر التى واكبت ارتكاب الجريمة، وكذلك التعريف بالشخص الذى تم اغتياله (من هو القاتل؟)، وما الدوافع التى دفعته لارتكاب جريمته؟ فى حادثة اغتيال بطرس باشا غالى، اعترف إبراهيم الوردانى بأنه القاتل وحده دون شريك.. ولما سأله رئيس النيابة عن سبب القتل أجاب على الفور «لأنه خائن للوطن، وجزاء الخائن البتر»، وأحيل الوردانى فى يوم السبت 2 أبريل 1910 إلى محكمة الجنايات التى قضت بإعدامه ونفذ الحكم فى 28 يونيو 1910، وقد شابت علاقة بطرس باشا غالى بالحركة الوطنية خصوصًا الحزب الوطنى شوائب أثرت بالسلب على صورته منها اضطراره لتوقيع اتفاقية السودان 19 يناير 1899، بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها، ترأسه لمحكمة دنشواى الخاصة التى انعقدت يوم 23 نوفمبر عام 1906 أعاد العمل بقانون المطبوعات القديم فى 25 مارس عام 1909. وقانون النفى الإدارى فى 4 يوليو من نفس العام، دوره فى مشروع مد امتياز قناة السويس. ترتب على ذلك، أنه فى أثناء نظر الجمعية العمومية لمشروع مد امتياز قناة السويس فوجئ الناس بقتل بطرس غالى فى 20 فبراير 1910، إذ لم يسبق أن تقدمه اعتداء مثله أو يشبهه، ولم يكن الناس قد عرفوا فى مصر حوادث القتل السياسى منذ عهد بعيد. كان قاتله إبراهيم ناصف الوردانى، شابًا فى الرابعة والعشرين من عمره، وكان من المتحمسين لمبادئ الحزب الوطنى، وقد اعترف أنه قصد قتل بطرس باشا غالى منذ زمن. كان اغتيال السير لى ستاك سردار الجيش المصرى وحاكم عام السودان فى 17 نوفمبر 1924، بمثابة بداية عصر الانتكاسات الوطنية، مما يوحى بأن عملية اغتيال السردار قد جرى استثمارها لصالح الاستعمار البريطانى، ووصف البعض اغتياله بأنه «اغتيال لسعد زغلول وحلمه»، وفى ذلك يقول سعد بعد وقوع الحادثة: «إن جريمة اغتيال السردار قد أصابت مصر، وأصابتنى شخصيًا». لقد اعتقد سعد أن الحادثة تعنى نهايته السياسية، وقال: «إن الرصاصات التى قتلت السردار.. هى رصاصات فى صدرى». جاءت حادثة اغتيال أحمد ماهر باشا فى أكتوبر 1944 والحرب العالمية الثانية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبعد تولى أحمد ماهر منصب رئيس الوزراء تعرض لهجوم عنيف بعد إعلان دخول مصر الحرب ضد المحور وانحيازه إلى الإنجليز، وقاد الهجوم الملك فاروق وحزب الوفد، وأشيع عنه أنه موالٍ لليهود وتابع للإنجليز. وفى وسط هذا الجو الملبد بالغيوم والفوضى، وبالتحديد فى 25 فبراير 1945 اقتحم شاب البهو الفرعونى بمبنى البرلمان، وأطلق النار على أحمد ماهر الذى مات متأثرًا بجرحه. تعد حادثة اغتيال أمين عثمان حادثة سياسية بالدرجة الأولى، فقد ذهب أمين عثمان ضحية معتقداته السياسية التى أفصح عنها أكثر من مرة صراحة، ونالت سخط الكثيرين، وقد وطد أمين عثمان علاقته بالإنجليز وساند بقاءهم فى مصر استفزت علاقة أمين عثمان بالإنجليز شباب الحزب الوطنى، بعد الحرب العالمية الثانية ذهب لزيارة إنجلترا، ومعه ألف جنيه، قدمها للحكومة البريطانية على أنها هدية من الشعب المصرى لإصلاح ما دمرته الغارات الألمانية على القرى الإنجليزية.. فى نفس الوقت الذى كان فيه المصريون متضررين من سياسات التقشف المالى التى كان يفرضها أمين عثمان فى أثناء الحرب وبعده، وترددت أنباء حول عزم بريطانيا تعيينه رئيسًا للوزراء.. وثار الجميع ضد هذه الأنباء... فى مساء 5 يناير 1946 قام ثلاثة من الشباب بإطلاق النار على أمين عثمان، وقبض على القاتل «حسين توفيق»، واعترف على بعض رفاقه وصدر عليه حكم بالسجن وكان ضمن المتهمين فى هذه القضية الرئيس الراحل «أنور السادات» وهرب حسين توفيق من السجن، ولم يعثر له على أثر فى ما بعد. كان حكم النقراشى بمثابة «المحنة الكبرى» بالنسبة إلى الإخوان، ففى وزارته الأولى أمر باعتقال حسن البنا وأحمد السكرى وعبد الحكيم عابدين، بناءً على الشك فى تورط جماعة الإخوان فى مقتل أحمد ماهر، حيث كان القاتل الذى كان ينتمى إلى الحزب الوطنى مواليًا لهذه الجماعة. بلغت المواجهة بين حكومة النقراشى والإخوان المسلمين ذروتها عندما أصدر النقراشى بصفته حاكمًا عسكريًا فى 8 ديسمبر عام 1948 أمرًا عسكريًا رقم 63 بحل جماعة الإخوان المسلمين، وفى 28 ديسمبر 1948 قام شاب يدعى عبد المجيد حسن ينتمى إلى الإخوان المسلمين، وكان يرتدى زيًّا عسكريًّا، بإطلاق الرصاص على النقراشى باشا رئيس الوزراء عند وصوله إلى مبنى وزارة الداخلية وحكم على الجانى بالإعدام، ونفذ الحكم. أما حادثة اغتيال حسن البنا، فهى تعد نتيجة لسلسلة من الأفعال وردود الأفعال بين الإخوان والنظام، خصوصًا بعد أن اجتاحت البلاد موجة من القتل والإرهاب بدأت بمقتل أحمد ماهر فى فبراير سنة 1945، ثم أخذت تتطور وتتنوع مظاهرها حتى أوائل سنة 1949. وذلك مرورًا ب«اغتيال الخازندار» (22 مارس 1948)، قضية السيارة الجيب (15 نوفمبر عام 1948)، اغتيال اللواء سليم زكى (4 ديسمبر عام 1948)، محاولة نسف محكمة الاستئناف (13 يناير 1949). إضافة إلى قرار النقراشى بحل جماعة الإخوان المسلمين، وكانت هذه التطورات كانت تعنى التصفية السياسة لحسن البنا، التى مهدت لتصفيته جسديًا بحادثة اغتياله فى 12 فبراير 1949. كان الدكتور المرحوم محمد حسين الذهبى، فقد أول من تصدى لأفكار التكفير والهجرة فكريًّا، خصوصًا بعد أن انتبهت الصحافة إلى نوعية الحياة الغريبة التى تعيشها الجماعة، فشنت عدة حملات صحفية خلال عامى 1974، 1975. وكان ضمن المشاركين فى هذه الحملة. ولم يختر شكرى مصطفى الشيخ الذهبى عفويًا، بل اعتبره مسؤولا بدرجة كبيرة عن تلفيق تلك الصورة السلبية لجماعة المسلمين، فلقد أصدر الذهبى وقت أن كان وزيرًا للأوقاف كتيبًا صغيرًا فى يوليو عام 1975 ناقش فيه فكر جماعة المسلمين، التى عرفت وقتها فى الصحف المصرية باسم «أهل الكهف» أو «جماعة الهجرة»، ونسب فكر هذه الجماعة إلى الخوارج، وأثبت فيه -بالاستناد إلى القرآن والسنة- فساد الزعم الذى أطلقوه بأنهم وحدهم المسلمون، وأن المجتمع حولهم يعد مجتمعًا كافرًا. وبالفعل تم اختطافه وقتله فى الثالث من يوليو عام 1977.