«معاناة المواطن» أصبحت تزداد يومًا بعد يوم خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية المتمثلة في الارتفاع الجنوني للدولار أمام الجنيه من ناحية، أو من خلال رفع أسعار الكهرباء والماء من ناحية أخرى، أو من خلال قرارات الحكومة التي تسعى لتطبيقها من أجل سد عجز الموازنة العامة للدولة عن العام الحالي، كل ذلك أدى إلى ارتفاع الأسعار، وأصبح المواطن البسيط مهددًا في قوت يومه. فمنذ اللحظة الأولى لموافقة مجلس النواب على قانون القيمة المضافة وتم الإعلان عن تطبيقه في شهر أكتوبر المقبل، بدأ التجار والمستوردين برفع أسعار السلع والمنتجات الأساسية التي يستخدمها المواطنون في حياتهم اليومية، ليتحمل تكلفتها البسطاء من أبناء هذا الشعب، واليوم ومع عدم توقف قطار غلاء الأسعار واستمرار الضغط المستمر على المواطن وتحميله أعباء أصبح لا يستطيع تحملها، تساءلت "التحرير" ما مدى تأثير ذلك على الأمن القومي للدولة المصرية؟.
يرى عدد من خبراء السياسة والاقتصاد أن قدرة المواطنين على التحمل لها حدود، وعند تجاوزها يسبب غضب كبير لدى الشعب، ومن الممكن أن يعيد سيناريو 1977، عندما خرجت مظاهرات شعبية ضد الغلاء في عدة مدن، رفضًا لرفع أسعار العديد من المواد الأساسية، ومنها رفع أسعار الخبز والسكر والشاي والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع الهامة في حياة المواطن البسيط، أو سيناريو يناير 2011، عندما خرجوا احتجاجًا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة. في الطريق إلى الغضب الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يقول إن ارتباك الأداء الاقتصادي والسياسي للحكومة من الممكن أن يتسبب في حالة غضب عامة للناس، ولا أحد يعرف إلى أين يمكن أن يقود هذا الغضب، مشيرًا إلى أن هذه الحالة ستحدث تخريب كبير سيضر بمصر ولن يطرح مستقبلًا أو بديلًا أفضل من القائم حاليًا، ويجب أن تنتبه الحكومة والنظام لهذه المسألة. وأضاف نافعة، فى تصريح ل"التحرير" أن سوء أداء الحكومة على جميع الأصعدة وعدم قدرتها على حل مشاكل الشعب، واستمرار حالة التجريف السياسي ستؤدى إلى ثورة غضب، والتى تعتبر بمثابة "خراب" بالنسبة للجميع، مشيرًا إلى أن ذلك أخطر ما يمكن أن تقوم إليه السياسات الحالية التى لا تتسم بالكفاءة أو الشفافية. وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الإصرار على حالة التجريف السياسي واعتبار أن كل معارض للنظام عميل وخائن، فى ظل عدم قدرة الحكومة على تلبية احتياجات المواطنين ستكون هناك ثورة غضب، لافتًا إلى أن الحكومة تعتقد أنها بهذه الطريقة تسحق المعارضة، ولكنها فى الواقع تُمهد الطريق لخراب مصر بالكامل. وأكد أن استمرار ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى إشعال مشاعر الغضب عند الناس الانفجار الذي يأتي فجأة من جانبه قال إلهامي الميرغني، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن ارتفاع الأسعار المستمر والضغط على المواطنين من الممكن أن يُعيد علينا سيناريوهات الخروج عن الصمت مثلما حدث فى عام 1977 وأيضًا مثلما حدث فى 25 يناير، لافتًا إلى أن طاقة الناس على التحمل لها حدود معينة وتجاوزها يسبب انفجار. وأضاف الميرغنى، فى تصريح ل"التحرير" أن الشعب أصبح لديه تراكم من الغضب كبير بسبب غلاء الأسعار ولا يوجد علاج لهذا الأمر، لأن الدولة أصبحت تعتمد على الاستيراد فى كل شيء، مشيرًا إلى ضرورة أن تضع الحكومة خطة عاجلة لمواجهة هذا الخطر. لا كتالوج لهذا الشعب بينما يرى النائب هيثم الحريري، إن الدولة تمر بظروف اقتصادية صعبة، وأثارها السلبية يشعر بها جميع المواطنون فى الأيام الأخيرة، وذلك بعد ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ يفوق طاقة المواطن البسيط، خاصة بعد قانون ضريبة القيمة المضافة. وأضاف الحريري، فى تصريحات خاصة ل"التحرير" أن استمرار الوضع بهذا الشكل له تأثير على الأمن الاجتماعي والأمن القومي للدولة المصرية، لافتًا إلى أنه لا مفر من تعديل السياسيات الاقتصادية التى تنتهجها الحكومة ويدعمها مجلس النواب. وأوضح عضو مجلس النواب، أن الشعب المصري ليس له كتالوج في طريقة تعامله مع ضغط ارتفاع الأسعار، ومن الممكن أن يصبر مثلما حدث مع نظام مبارك أو لا يصبر كما فعل مع الإخوان، مشيرًا إلى ضرورة إسراع الحكومة وتقديم سياسات اقتصادية تُخرجنا من الأزمة الحالية وتكون منحازة للفقراء. الانفجارات الصغيرة وأكد النائب سمير غطاس، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، أن استمرار سياسات الحكومة بنفس الطريقة ينتقص من شعبية الرئيس، ودفاعه عنها يسحب من رصيده لدى المواطنين، لافتًا إلى أن الناس لن تظل صامتة وستحدث انفجارات صغيرة مثلما حدث عندما قطع المواطنون الشارع بسبب لبن الأطفال، ومن الممكن أن يتكرر ما حدث في 17 و18 يناير عام 1977. قوى الشر الحاضرة أبدًا في المقابل، قال اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، إن التحديات الاقتصادية التي تواجهها الدولة وراء الارتفاع المستمر للأسعار، إضافة إلى جشع بعض التجار واستغلال بعض الفئات لهذه المرحلة دون مراعاة الوضع العام للبلاد. وأضاف عامر، في تصريح ل"التحرير" أن مصر مرت بثورتين، وتواجه أزمة اقتصادية كبيرة خاصة وسط غياب السياحة وضعف الإنتاج، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بقوله "هذا أمر طبيعي جدًا". وأوضح رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن الاحتجاجات والمطالب الفئوية للعاملين تسببت في زيادة ما تمنحه الدولة لموظفيها من 70 - 270 مليار جنيه، الأمر الذي جعل الدولة تستدين من الخارج، وأصبحت ديونها أكبر من دخلها، مؤكدًا أن استمرار الوضع بهذه الطريقة يُشكل مشكلة كبيرة للدولة المصرية. وأكد عامر، أن القوى الكارهة لمصر داخليًا وخارجيًا تحاول زعزعة الأمن القومي للدولة، وإعادة سيناريو عام 1977 حيث انتفاضة الخبز، من خلال الحرب النفسية والإشاعات التي تهدف إلى دفع الناس لهذا الأمر، موضحًا أن بعض الدول "أكلت حشائش من الأرض حتى تستطيع بناء نفسها، والشعب المصري أقوى من كل هؤلاء".