تمر مصر الدولة بمرحلة فاصلة فى تاريخها، مرحلة تتطلب رجال دولة لا أنصاف رجال ولا من طائفة المنطقة الرمادية، تمر مصر بمرحلة تتطلب رجال دولة يؤمنون بمصر دولة مدنية حديثة قائمة على المواطنة والمساواة، دولة ذات هوية مصرية، حضارتها مجموعة طبقات من فرعونية، قبطية وعربية إسلامية، دولة متوسطية تنتمى إلى حوض البحر الأبيض المتوسط وتمثل امتدادًا لحضارته. تحتاج مصر فى هذه المرحلة إلى رجال يؤمنون ببلدهم، يقدمون مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية، مستعدون للتضحية من أجل الوطن، يستخدمون كل ما لديهم من قدرات وكفاءات لمصلحة الوطن، يؤمنون إيمانا تاما بالوطن، لا يتوقفون أمام حملات داخلية أو خارجية تستهدف إضعاف الهمم أو بث الخوف فى النفوس، فالخوف يبث فى نفوس أنصاف الرجال، أما رجال الدولة فيصمدون فى وجه مثل هذه الحملات مهما بلغت شدتها وقوتها. المؤامرة على مصر كبيرة، لأن مصر وشعبها أحبط مؤامرة دولية ضخمة بنيت على أساسها استراتيجيات لدول كبرى على رأسها الولاياتالمتحدة، مؤامرة دولية أطرافها كثر من الولاياتالمتحدة إلى تركيا ومن الاتحاد الأوروبى إلى قطر، أبرمت المؤامرة الدولية بين الإدارة الأمريكية والتنظيم الدولى لجماعة الإخوان جرى بموجب الصفقة الاتفاق على منح الجماعة السلطة فى مصر كمقدمة لضمان سيطرتها على المنطقة كى تقيم نموذجها الخاص مقابل حل القضية الفلسطينية عبر تحقيق أهداف إسرائيل، بالإضافة إلى سحب مقاتليها من المجتمعات الغربية، ووقف استهداف الغرب وتأمين الدول الغربية تماما من شرور الإرهاب. أبرمت الصفقة وكان نجاح مرسى أو صفقة إنجاحه الخطوة الأولى على طريق تنفيذ هذه الصفقة، تركوا الجماعة تسيطر على مصر وتجعل منها قبلة الإرهابيين من كل أنحاء العالم، توطن الإرهاب فى شمال سيناء ومنها انتشر إلى داخل مصر الدلتا والصعيد، غضت الإدارة الأمريكية والعواصم الأوروبية الطرف عن جرائم الجماعة وانتهاكات حقوق وحريات المصريين، لم يتوقفوا أمام تحول مصر إلى بؤرة لجذب الجماعات الإرهابية من شتى أنحاء العالم، لم يتوقفوا أمام تحول مصر إلى حليف لجماعات العنف والإرهاب من الجماعة الإسلامية والجهاد إلى طالبان والقاعدة، لا مشكلة لدى الغرب عامة ما دام أن الإرهاب يضرب موطنه الأصلى. ثار الشعب المصرى على مرسى والجماعة وتلاحم الجيش مع الشعب وأسقطوا حكم المرشد ومعه الصفقة مع الغرب، وهنا ظهر معدن رجال القوات المسلحة، وظهر الفريق أول عبد الفتاح السيسى، الرجل الذى قدم مصلحة مصر على مصلحته الشخصية، كان مستعدا لدفع الثمن كضريبة لحماية الوطن، كان بإمكانه أن يؤثر السلامة ويرضى بدور القائد العام للقوات المسلحة ويترك الشعب لقدره. لم يفعل الرجل ذلك، بل قال إنه لن يسمح بترويع الشعب المصرى، وقام بخطوة تاريخية فى بيان الثالث من يوليو الذى حدد فيه خريطة طريق جديدة لمرحلة انتقالية وانسحب من المشهد. وعندما تكالبت الاتهامات من شتى أنحاء العالم الغربى، وتصاعدت المؤامرة مع الجماعة ورفاقها فى الداخل خرج الرجل إلى الرأى العام وطلب من المصريين الخروج إلى الشوارع وتفويضه لمواجهة المؤامرة والتصدى لها، وكان له ما أراد فقد خرج أكثر من 30 مليون مصرى يفوضونه فى التصدى إلى المؤامرة. وهنا بدأت مرحلة جديدة كان مطلوبا فيها رجال دولة بكل معنى الكلمة فلا مجال لأنصاف الرجال ولا لمن يوازن بين مصالحه الشخصية وأمن الوطن والمواطن، لا مجال لمن لا شخصية له، لا مجال للمتردد والعاجز عن اتخاذ قرارات أو الانخرط ضمن منظومة وطنية أو كتيبة مصرية لا تتوقف أمام ما يمارس من ضغوط من أطراف المؤامرة الغربية، ولا يخضع لابتزاز جماعات متعاطفة مع أطراف المؤامرة ولا يجعل من ذاته مقابلا مكافئا للوطن فىأخذ قراراته على أساس من حسابات المكسب والخسارة للذات قبل الوطن. عندما يتعرض الوطن للخطر وتتزايد سهام الأعداء فالحاجة هنا إلى رجال من معادن أصيلة، لا أنصاف رجال يقفزون من مركب الوطن ظنًا منهم أنها فى الطريق إلى الغرق، فى حاجة إلى رجال ينظرون إلى أنفسهم كربان للسفن لا يقفزون منها ولا يفرون، بل يبذلون الجهد حتى النفس الأخير، فما بالنا ونحن نتحدث عن وطن لا مركب أو سفينة. باختصار من لا يمتلك شجاعة الدفاع عن الوطن اليوم ، عليه مغادرة موقعه الآن وفورا لأن وجوده فى ذاته يضر الوطن، عليه أن يترك مكانه لرجال أقوياء يؤمنون بالوطن وسيادته، استقلاله ومستقبله.