من بين المتعلقات القليلة التى وجدوها مع جثة أحد ضحايا المواجهات الأخيرة بين الشرطة والمتظاهرين المؤيدين لمرسى عشرة جنيهات طويت فى محفظة مهترئة، وفرشاة شعر بلاستيكية صغيرة دائرية قد لا يزيد ثمنها على قروش، كان يرتدى ملابس بسيطة تخضبت بالدماء، فى قائمة أولية من 31 ضحية لأحداث المنصة فى 26 يوليو الماضى كان هناك 28 من الأقاليم و3 من القاهرة والجيزة، قليل من الإخوان وكثير من السلفيين والمتدينين. منصة اعتصام رابعة العدوية لا تكفّ عن استدعاء الشهادة، مهووسون هم بالدماء والأرقام، دماء أنصارهم وأرقام الضحايا بينهم، أىُّ مستقبل لفصيل لا همّ له سوى تقديم مزيد من القتلى فى مواجهات بلا معنى؟ وأمام قوى الأمن التى لم يعمل رمزهم مرسى على تخليصها من ميراث الاستهانة بالأرواح؟ حتى إذا ما حانت ساعة التفاوض أو المناورة استخدم قادة الإخوان واليمين الدينى هذه الجثث فأجلسوها على مقاعد التفاوض، ثم سيدفعونها أرضًا وهم خارجون بعد أن ينتهى الدور المطلوب منها. فى الثالث من أغسطس الجارى يقول القيادى الإخوانى عصام العريان «لم نعد نخشى الدم» وفى اليوم التالى يصرح بأن «آلاف الشباب مستعدون للتضحية بأرواحهم من أجل عودة مرسى». لم يكن من بين من قتلوا منذ عزل مرسى أىٌّ من قيادات الجماعة ولا أبنائهم أبدا. لن يكون التعامل مع قطاع من مؤيدى الرئيس المعزول مرسى بعد شهر من اعتصامهم وما شهده من حوادث عنف وعنف مضاد، مع الشرطة أو الجيش أو حتى فى مواجهات مع مواطنين أو تعديات من بلطجية، لن يكون كما الحال قبل 3 يوليو، وقطعا لن يكون كالتعامل مع أنصار مبارك عقب تنحيه مثلا. فى الشهر الأخير تصاعد خطاب «الشهادة» فى اعتصامى رابعة والنهضة، وكان مقتل العشرات دافعا أكبر للكثير هناك للتمسك بمكانهم ومطالبهم. من ناحيتها، استخدمت المنصة الموجِّهة للاعتصامين لغة دينية ظاهرة، كما استخدم القائمون على فاعليات مؤيدى مرسى أعداد القتلى وفكرة الجهاد فى تصريحاتهم بوضوح. من بين ما ثبت لدى الكثيرين بالاعتصامين منذ عزل مرسى أن «خيانة» حدثت، وأن ثمن ذلك هو الدم بالضرورة، واصلوا شحن القادمين عن الجهاد والحرب التى يدافعون فيها عن الإسلام (أحيانا يوصف العلمانيون والمسيحيون بالكفار والصليبيين) ويتوعدونهم بلغة مقاربة عن أهوال النار كمصير. كثير من المعتصمين هم أبناء الأقاليم والأطراف والهامش الاجتماعى والاقتصادى، تربّوا فى العقد الأخير على تعاليم وأفكار دينية قادم غالبها من قنوات فضائية، وكمعظمنا كانوا يتابعون فى العامين الأخيرين وعبر وسائل الإعلام التقليدى والحديث معارك أقرانهم فى ليبيا وسوريا وحصاد القتلى. شعور بالعجز والألم. بعضهم يجد الآن مكانا له فى معركة يراها شبيهة أو متطابقة مع معارك «الشهداء» فى دول أخرى. يملؤهم إحساس أنهم ليسوا أقل من هؤلاء «المجاهدين». الاصطدام بالسلطة فى فترة المجلس العسكرى لم يجذبهم. أما الرجل الذى يوصف بالمتدين فقد «عزل بخدعة، وهذه حرب من علمانيين ومسيحيين ضد رجل مسلم وضد الإسلام». يتداخل هنا البعد الدينى بالسياسى. فمحركهم دينى وهم يطبّقون قناعاتهم على شأن سياسى. وعندما صدر تحذير من الحكومة الحالية بفض الاعتصام، أعلن بفخر عن استقبال المستشفى الميدانى بمسجد رابعة لآلاف من الأكفان، وحرص المعنيون هناك على تصويرها ونشرها، وإن كان العدد ليس بالآلاف كما قالوا لكنه أيضا مؤشر على تعامل هؤلاء مع فكرة الموت باعتباره شهادة وأمرا مَقضيًّا. لم يفكر أحد هل عودة مرسى ممكنة؟ وهل تستحق؟ مؤخرا نُشر فيديو يحثّ فيه رجل أمام منصة الجندى المجهول المعتصمين على «شمّ» رائحة ما يقول إنه دم أحد ضحايا اشتباكات المنصة، مضيفا أن رائحة دمه هى مسك من الجنة، سيقبل 4 أو 5 رجال ثم امرأتان وطفل على أخذ دورهم، انحنوا لشم رائحة الدم وبدوا مطمئنين لروايته مبتهجى الوجوه قليلا بعد هذا الطقس. وبخلاف هذا الجزء من شعارهم «الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا» لم يكن الإخوان المسلمون فى مصر يظهرون هذا الكم من التعلق بفكرة الموت والشهادة ودفع المناصرين للموت حرفيا، والتباهى بهذا، مثلما فعلوا فى الشهر الأخير. إن خلق حالة نفسية جمعية أننا «الأفضل ومحل كراهية وظلم الآخرين دوما، وأننا غرباء عن محيطنا، وأن البقية عبيد لا يرقون لتفكيرنا ومكانتنا وتمسكنا بالدين والشهادة» سيستمر أثره طويلا، ربما عزلة وربما كراهية أكثر وعنف تجاه بقية المواطنين باعتبارهم «أغيارا» و«أعداء».