لعب دورًا مركزيًا فى تطبيق واشنطن «النموذج السلفادورى» على العراق فى 2004 بتشكيل فرق الموت وعمليات إرهاب وقتل جماعى إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما من الواضح أنها لم تستسلم تماما للأمر الواقع فى القاهرة، وإن كانت التصريحات الرسمية الأخيرة القادمة من واشنطن قد ترجح عكس ذلك.. وما كشفته تقارير إعلامية أمريكية خلال اليومين الماضيين عن نية داخل الإدارة لترشيح روبرت فورد، سفير واشنطن السابق لدى سوريا، ليكون سفيرا لها فى مصر خلفا ل آن باترسون ينم عن استمرار واشنطن فى نهجها العدائى للشعب المصرى. لا يحمل فورد سوى تاريخ أسود من إثارة الفوضى وعدم الاستقرار السياسى فى البلدان التى يوجد فيها، واختياره ربما يعكس بدرجة ما الاستراتيجية الجديدة التى يمكن أن تتبعها واشنطن فى أكبر بلد عربى، بعد أن نجح المصريون فى هدم ترتيباتها لسنوات قادمة، التى بنتها على أساس تصورها لاستمرار جماعة الإخوان المسلمين فى الحكم لعقود. تعيين فورد سفيرا لواشنطن لدى دمشق، أثار فى وقته قلق عدد من المراقبين الدوليين المنصفين الذين حذروا من خطورة هذا الاختيار. الكاتب والأكاديمى الكندى مايكل تشوسودفسكى، مدير مركز الأبحاث والعولمة والأستاذ فى جامعة أوتاوا، كتب يحذر فى مقال يعود تاريخه إلى سبتمبر 2011 يقول فيه إن الرجل ليس دبلوماسيا عاديا، مستعرضا تاريخه، بداية من شغله منصب القنصل الأمريكى فى مدينة النجف فى العراق فى 2004، ومن المعروف أنها معقل ميليشيات جيش المهدى الشيعية. منذ وصوله إلى دمشق فى يناير 2011، لعب فورد دورا مركزيا فى وضع الأساس لتطوير مقاومة مسلحة تهدف إلى الإطاحة بحكومة الرئيس بشار الأسد، وكان الرجل قد وصل إلى سوريا فى ذروة ثورة يناير فى مصر. ويقول الكاتب الكندى إنه كان فى دمشق فى 7 يناير 2011 عندما قدم فورد أوراق اعتماده إلى الرئيس بشار الأسد، مضيفا: «فى بداية زيارتى إلى سوريا فكرت فى خطورة هذا الاختيار الدبلوماسى والدور الذى من الممكن أن يلعبه فى عملية سرية لزعزعة الاستقرار». ويمضى قائلا: «لكننى مع هذا لم أتوقع أن هذه العملية سيتم تنفيذها فى غضون أقل من شهرين على تعيين فورد سفيرا للولايات المتحدة لدى دمشق». هناك إذن صلة قوية للغاية وعلاقة مباشرة -حسب ما يقول تشوسودفسكى- بين إعادة التمثيل الدبلوماسى الأمريكى لدمشق، والأهم من ذلك اختيار فورد، وبين اندلاع الحركة الاحتجاجية ضد الحكومة السورية فى منتصف مارس 2011. كان روبرت فورد، الرجل المناسب -حسب تعبير الأكاديمى والخبير الكندى- لهذه المهمة فهو باعتباره الرجل الثانى فى السفارة الأمريكية فى بغداد فى الفترة من 2004 إلى 2005، لعب دورا أساسيا فى تطبيق التجربة الأمريكية فى الحرب الأهلية فى السلفادور (نموذج إرهابى للقتل الجماعى عن طريق فرق الموت)، على العراق. وتضمن هذا دعم فرق الموت والجماعات الشيعية شبه العسكرية فى العراق وتنظيمها لقمع الجماعات السنية. كما أنه لا يجب إغفال أن هذا الرجل قد تم استدعاؤه إلى واشنطن فى أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى فى 2005، وهى الحادثة التى تم توجيه الاتهام فيه إلى نظام الرئيس بشار الأسد. وكان استدعاء فورد خطوة مثيرة للشكوك بالنظر إلى أنه لم يكن يخدم فى سوريا آنذاك، بل إنه كان الرجل الثانى فى السفارة الأمريكية فى بغداد. لكن دبلوماسيين سابقين، قللوا من خطورة الدور الذى يمكن أن يقوم به فورد، فى ظل تغير الأوضاع فى مصر، وفى العالم العربى بشكل عام، وزير الخارجية وسفير مصر لدى واشنطن الأسبق محمد العرابى قال ل«التحرير» إن الولاياتالمتحدة تسير وفق سياسة تعيين شخص يكون خبيرا فى المنطقة التى يعين بها، وربما تكون قد اختارت فورد لهذا السبب، قائلا: «ما فعله فورد فى العراق وفى سوريا لن يستطيع أن يقوم به فى مصر»، مضيفا «أن العلاقات المصرية الأمريكية أكبر من ذلك، وتتخطى الآراء الشخصية لأى سفير». السفير محمد إبراهيم شاكر، رئيس المجلس المصرى للشؤون الخارجية، قال إنه من الجيد أن يتم اختيار سفير خبير فى المنطقة العربية ويعى جيدا أفكار أهلها وحياتهم ومتابع للتطورات السياسية وحركة الأحداث على الساحة العربية، مضيفا أن وضع مصر يختلف كثيرا عن وضع العراق وسوريا والتخوف من أن يسهم السفير الجديد فى تحويل مصر إلى عراق أو سوريا جديد غير حقيقى.