قبل أن يسافر إلى "ريو دي جانيرو" ظهر محمد إيهاب بطل رفع الأثقال في أكثر من برنامج تليفزيوني، لم ينف هذا القناعة بتجاهل الإعلام لأبطال الرياضات الأخرى فقط، لكنه أوضح كيف لا تلتفت الدولة إلى مواطن القصور ولا تتراجع عن أخطائها إلا بعد أن يصبح تدخلها بلا معنى أو نفع. تكررت شكاوى إيهاب من تأخر مكافآت الحصول على ميداليات بطولة العالم التي أهلته ليشارك سارة سمير في رسم ابتسامة على وجوه المصريين قبل ساعات. تتبعت "سي إن إن" عبر مراسلها في القاهرة قبل انطلاق الأوليمبياد أبطال مصر المشاركين في ريو دي جانيرو، فوراء كل واحد عناء وقصة ملهمة، وفي كل مكان تدريب تكتشف أن معجزة الوصول إلى المشاركة إنجاز في حد ذاته. إنجازات أكبر وأهم من أن يكون مكانها متراجعا وراء سترات الإداريين في طابور الافتتاح. تغيرت ثقافة كثير من المصريين في التعامل مع الرياضة ولم تتغير نظرة الدولة لها، يتباهى وزير الرياضة بحجم البعثة الأكبر لكنه لا ينظر إلى ما عاناه هؤلاء لكي يصلوا إلى تلك المكانة، ولا يعيد النظر في حجم مسئولية القطاع الرياضي وما قدمه لهم من تسهيلات. ربما يقين المصريين من ذلك هو سبب الفرح الكبير بالميداليتين المحققتين حتى الآن. هذا انتصار على مئات العوائق وجبال التجاهل والتسويف وسيل من الإحباطات. بعد التتويج رأيت صورة لمحمد إيهاب في عام 97 وهو يتدرب في أحد مراكز الشباب في مسقط رأسه الفيوم، يعلو الصدأ قطعتي الحديد اللتين يرفعهما مبتسما. تذكرت كم من موهبة دفنها بؤس حال مراكز الشباب، وطول المسافة بين القرى وأقرب مدرب محترف، وكم من بطل تخلى عن حلم كهذا تحت ضغوط تواضع الحالة المالية وضيق ذات اليد. أيادي الأمهات والآباء التي تصحب الأطفال إلى نوادي المدن تطور سعيد ومبهج نحتاج إلى أن تتاح فرص مثيلة له في القرى والمحافظات الأبعد. على الأقل يمكننا أن نبدأ بتحويل حصة التربية الرياضية البائسة في المدارس إلى شيء ذي قيمة بدلا من كونها "حصة فاضية". بإمكان الجامعات أن تتبنى مواهب لا تملك ما يمكنها من الإنفاق على تعليمها مثلما يحدث في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين، المنح من نصيب المتفوقين رياضيا تعوضهم بل وتحولت إلى منافسة بين الجامعات على اجتذابهم بدلا مما يفعله النظام الدراسي المصري بعقابهم على تفوقهم الرياضي والتعامل معهم بمنطق الحضور والغياب ودفع المصروفات، أو وضعهم أمام اختيار مصيري بين الدراسة أو الحلم. فينتهي الحال بتراجعهم عما يحبون كما حدث مع فريق الكرة الطائرة للفتيات اللاتي انسحبن بسبب خوف أهاليهن من ضياع مستقبلهن إن فوتن الامتحانات. لا يملك كل ممارسي الألعاب الفردية فرص التفرغ أو السفر أو الرعاية كما هو معتاد مع الساعين لإنجاز رياضي لذا كانت صورة والد محمد إيهاب في يده على منصة التتويج، وصوت والدة سارة سمير وهي تتحدث عن تأثرها بوالدها وبكاؤهما يقولان الكثير عن تحول هذه الأحلام العائلية بتفاصيلها اليومية إلى إنجاز يفرح به مواطنون سهروا حتى الصباح ليشاركوهم انتصارهم. الأعداد التي تتخرج سنويا في كليات التربية الرياضية بمستوى مميز تحتاج لرواتب مناسبة واهتمام وإمكانات في الصالات الرياضية ومراكز التدريب لكي تبقى هنا ونستفيد من طاقاتها، وتشارك في صنع أبطال رياضيين بدلا من البحث عن فرص للسفر للعمل في أي بلد خليجي. من وصلوا إلى البطولات الإفريقية أو شاركوا في الدورات الأوليمبية لديهم من الخبرة ما يؤهلهم لتدريب غيرهم ونقل تجاربهم إلى جيل جديد بدلا من أن يصبح أقصى طموحهم صورة معلقة في صالون منزلهم وحفنة ذكريات عن حلم لم يكتمل. في كل المواد المنتجة عن الأبطال المشاركين في "ريو دي جانيرو" تجد سابقيهم يتحدثون بشغف وسعادة عن قدرة الجيل الأحدث أن يتفادى ما وقعوا فيه ويحقق ما لم يتمكنوا هم منه. بإمكان الشركات ووكالات الإعلان أن تخصص جزءًا من مخصصاتها لرعاية بطل أوليمبي طوال فترات الإعداد بدلا من التنافس على مساحة كرة القدم فقط، وعلى المسئولين في اللجنة الأوليمبية أن يتفرغوا طوال السنوات الأربع القادمة لخطة واضحة ترضي طموحات المتابعين بدلا من كيل الاتهامات بالفساد لسابقيهم دون فعل حقيقي مختلف. أو التحول إلى العداء والدخول في معارك مع اللاعبين كما حدث في واقعة إيهاب عبد الرحمن. يحتاج الأبطال إلى أن تلبى طلباتهم وأن تفتح لهم أبواب المسئولين لسماع شكواهم واحتياجاتهم بدلا من أن ترفع صورهم قبل أسبوع واحد من البطولة على الطريق الدائري. أو كما حدث مع سارة سمير.. نمنحها مكافأة فوز بعد أن حرمناها من امتحان الثانوية العامة.