اشتعل الفيسبوك بالأحزان فور الإعلان عن وفاة العالم الفذ الدكتور أحمد زويل (1946/ 2016)، وتبارى الناس في ذكر مناقب الراحل وعبقريته، وما حققه لنا نحن المصريين والعرب من أمجاد في مجال العلوم، بعد أن صعد إلى منصة نوبل عام 1999، عندما قطف أشهر جائزة عالمية في مجال الكيمياء. الأحزان مشروعة لا ريب، والتباهي بالرجل ضرورة في زمن تتراجع فيه الأفراح وينحسر عدد العباقرة، لكن هل يمكن القول إن زويل حقق مجده العالمي لأن عبقريته تعود إلى مصريته فقط؟ من المؤكد أن زويل لم يكن يستطيع تحقيق كل هذه الانتصارات العلمية المذهلة لو ظل قابعًا في مصر، ولم يعرف الطريق إلى أمريكا، ومن يقرأ سيرته الذاتية التي نشرها في كتابه (عصر العلم/ 2005) يكتشف المعاناة الأليمة التي كابدها حتى يتمكن من السفر إلى أمريكا عام 1969 ليواصل دراسته وأبحاثه، وقد عرقلت البيروقراطية المصرية سفره كثيرًا كما كتب. لقد منحته الأجواء العلمية الحرة في أمريكا هدايا ثمينة وكثيرة أهمها أن يمتطي خياله ويسبح في فضاءات لا نهائية من الأفكار والأحلام العلمية، كما وفرت له الإماكانات الضخمة في المعامل والمختبرات الأمريكية فرصًا ذهبية للتجريب والبحث والتمحيص، وهو ما لم يكن متاحًا على الإطلاق في جامعاتنا المصرية. لذا لم يكن غريبًا أن تمنح أمريكا الدكتور زويل جنسيتها، ويصبح واحدًا من كبار علمائها، ويأتي ترتيبه التاسع في قائمة تضم 29 من أهم علماء أمريكا، ومنهم إينشتاين، وتنهمر أبحاثه ودراساته (نشر 350 دراسة وبحثا علميًا)، فيحصد الجوائز والتكريمات من هنا وهناك إلى أن تم تتويج جهده العلمي الجبار بجائزة نوبل. أذكر أنني التقيت الرجل مرتين في دبي، الأولى عندما استضافه نادي دبي للصحافة قبل 15 سنة تقريبًا، وألقى محاضرة مدهشة، وصافحته بعدها وتحدثت إليه قليلا عن دور الغذاء في تطوير عمل المخ البشري، والمرة الثانية بعد أن ألقى محاضرة ضمن فعاليات الاحتفال بجائزة الصحافة العربية قبل سبع سنوات تقريبًا وألقت استحسان الحضور. أجل... في مصر قد تظهر بوادر العبقرية الفردية، لكننا لا نملك أبدًا أي منظومة عصرية حديثة تحافظ على هذه العبقرية وتكتشفها وتيسر لها السبل للتطور والانطلاق، ذلك أننا أسرى مفاهيم بالية عن التنظيم والإدارة، كما أن غول الفساد دمر ويدمر أجهزة الدولة بشكل متواتر، ويقاوم أي أفكار جديدة للتطوير والابتكار. فلنعلنها بصراحة... عبقرية زويل وتجلياتها تعود إلى أمريكا، فزويل أمريكي من أصل مصري، ولنشكره بقوة لأنه قرر وأصر على السفر إلى أمريكا ليحقق أحلامه العلمية، ولم يخضع أو ينصاع للظروف المحلية التي تخنق طموحاته وتطلعاته. دكتور زويل... شكرًا لأنك هجرتنا مبكرًا... ولتنعم روحك بالسلام بعد أن حققت وأنجزت.