في الثالث من يوليو عام 2013، كان الجميع ينتظر بيان القوات المسلحة، ملايين في الشوارع تطالب بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، رافعين شعار«يسقط يسقط حكم المرشد»، وذلك بعد ساعات من خطاب «مرسي» الذي رفض فيه مطلب الشعب، وذكر كلمة «الشرعية» عشرات المرات. بدأ الاجتماع الذي دعت له القوات المسلحة لحل الأزمة، والذي رفض قيادات الإخوان حضوره، وحضرت باقي القوى السياسية، من بينهم الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور، آنذاك، ومحمود بدر، مؤسس حركة تمرد، والكاتبة الصحفية سكينة فؤاد، وجلال مُرّه، الأمين العام لحزب النور، بجانب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا تواضروس، بالإضافة إلى قيادات القوات المسلحة وعلى رأسهم وزير الدفاع آنذاك، الفريق عبد الفتاح السيسي. بعد انتهاء الاجتماع الذي استمر لساعات، تلى الفريق عبد الفتاح السيسي، بيان القيادة العامة للقوات المسلحة، جاء نصه:- «بسم الله الرحمن الرحيم.. شعب مصر العظيم.. إن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التي استدعت دورها الوطني، وليس دورها السياسي على أن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن ولا تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي. ولقد استشعرت القوات المسلحة - انطلاقًا من رؤيتها الثاقبة - أن الشعب الذي يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته.. وتلك هي الرسالة التي تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها وقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها واقتربت من المشهد السياسي آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسؤولية والأمانة. لقد بذلت القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية جهودا مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلي وإجراء مصالحة وطنية بين كل القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة منذ شهر نوفمبر 2012.. بدأت بالدعوة لحوار وطني استجابت له كل القوى السياسية الوطنية وقوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة في اللحظات الأخيرة.. ثم تتابعت وتوالت الدعوات والمبادرات من ذلك الوقت وحتى تاريخه. كما تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض تقدير موقف استراتيجي على المستوى الداخلي والخارجي تضمن أهم التحديات والمخاطر التي تواجه الوطن على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ورؤية القوات المسلحة بوصفها مؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعي وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة. في إطار متابعة الأزمة الحالية اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة بالسيد رئيس الجمهورية في قصر القبة يوم 22 / 6 / 2013 حيث عرضت رأي القيادة العامة ورفضها للإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، كما أكدت رفضها لترويع وتهديد جموع الشعب المصري. ولقد كان الأمل معقودًا على وفاق وطني يضع خارطة مستقبل، ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاءه، إلا أن خطاب السيد الرئيس ليلة أمس وقبل انتهاء مهلة ال48 ساعة جاء بما لا يلبي ويتوافق مع مطالب جموع الشعب.. الأمر الذي استوجب من القوات المسلحة استنادا على مسؤوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد.. حيث اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك لا يقصي أحدا من أبنائه وتياراته وينهي حالة الصراع والانقسام.. وتشتمل هذه الخارطة على الآتي: - تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت. - يؤدي رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة. - إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد. - لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية. - تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية. - تشكيل لجنة تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتا. - مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية. - وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن. - اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكون شريكا في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة. - تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات. وتهيب القوات المسلحة بالشعب المصري العظيم بكل أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمي وتجنب العنف الذي يؤدي إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء.. وتحذر من أنها ستتصدى بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم ضد أي خروج عن السلمية طبقا للقانون وذلك من منطلق مسؤوليتها الوطنية والتاريخية. كما توجه القوات المسلحة التحية والتقدير لرجال القوات المسلحة ورجال الشرطة والقضاء الشرفاء المخلصين على دورهم الوطني العظيم وتضحياتهم المستمرة للحفاظ على سلامة وأمن مصر وشعبها العظيم. حفظ الله مصر وشعبها الأبي العظيم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». بيان «3 يوليو» نص على بنود خارطة للطريق، منها ما تحقق، ومنها ما لم يتحقق حتى الآن، بعد مرور ثلاثة أعوام، حيث يتبين أنه تم تنفيذ 7 بنود منها هي ما يتعلق بإنهاء حقبة حكم «جماعة الإخوان»، وتشكيل الواقع الدستوري والسياسي، إلا أن ثلاثة من بنود الوثيقة التي أعلنها الجيش، وتخص الحريات والديمقراطية، لا تزال معطلة؛ وتُشير « التحرير » في هذا التقرير، إلى هذه البنود والرسائل العشر. البند الأول : ونص على تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وهو ما حدث منذ ذلك الحين. البند الثاني : نص على تأدية رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، وهو ما حدث أيضًا في اليوم التالي للبيان. البند الثالث : نص على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد؛ والنقطة الآخيرة منه تمت، حيث تولى المستشار عدلي منصور، مقاليد الحكم في البلاد، حتى تم انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد عامِ من وضع تلك البنود، ما يُشير إلى أن الانتخابات الرئاسية المبكرة لم تحدُث كما جاء في البيان. البند الرابع : نص على أنه لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية، وهو ما حدث، حيث أصدر المستشار عدلي منصور، في الثامن من يوليو، إعلانًا دستوريًا في 33 مادة، يعطيه سلطة إصدار قوانين بعد التشاور مع الحكومة الجديدة، إضافة إلى تشكيل لجنتين لتعديل مواد الدستور، الأولى قانونية، تضم 10 من أعضاء الهيئات القضائية وأقسام القانون الدستوري بالجامعات، والثانية تضم 50 عضوًا يمثلون كل فئات المجتمع. البند الخامس : نص على تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية؛ وهو ما حدث حينما صدر قرار بتكليف الدكتور حازم الببلاوي لرئاسة الحكومة، في التاسع من يوليو. البند السادس : نص على تشكيل لجنة تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتًا، وهو ما تم، بتشكيل لجنة العشرة، 21 يوليو، بموجب المادة 28 من الإعلان الدستوري، ثم تشكيل لجنة الخمسين، مطلع سبتمبر 2013، وكان الغرض منها دراسة مشروع التعديلات الدستورية الواردة إليها من لجنة العشرة، وطرحه للحوار المجتمعي، وتلقي مقترحات من المصريين حوله، من أجل إعداد مسودة للدستور المصري المعدل، وبدأت أولى الاجتماعات في 8 سبتمبر 2013، ووضعت مسودة الدستور بعد 60 يومًا من هذاالتاريخ، ثم عرضت مسودة التعديلات الدستورية على الشعب المصري من خلال الاستفتاء العام في 14 و15 يناير 2014. البند السابع : نص على مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية، وكانت هذه هي المعضلة الأكثر صعوبة التي واجهت خارطة الطريق منذ أن تم الإعلان عنها قبل ثلاث سنوات، فلم تجر الانتخابات البرلمانية في موعدها بالمخالفة لإعلان دستوري أصدره عدلي منصور في 8 يوليو 2013 ودستور 2014، وجاء قرر التأجيل بالمخالفة لإعلان دستوري الذي أصدره هو في 8 يوليو ودستور 2014، وعندما تقرر إجراء الانتخابات البرلمانية، في مارس 2015، أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارًا ببطلان قانون الانتخابات الذي أعدته الحكومة، ما أدى إلى تأجيلها مجددًا، وتم في نهاية المطاف تنفيذ هذا البند من خارطة الطريقة بانتخابات جرت على مرحلتين خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2015، بعدما ظلت مصر بلا برلمان منذ يونيو 2012 منذ حلت المحكمة الدستورية العليا مجلس الشعب الذي انتخب بعد ثورة 25 يناير. البند الثامن : نص على وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن؛ ولكن هذا البند لم يتحقق حتى الآن رغم مرور 3 سنوات على وضع خارطة الطريق. البند التاسع : ينص على اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكون شريكًا في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة؛ وهو البند الأكثر إثارة للنقد من جانب النشطاء والشباب في أعقاب تعرضهم للسجن ومظاهر مطاردة الشرطة لهم في المظاهرات وحبسهم. البند العاشر : ينص تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات، وهو ما لم يحدث ولم يتحقق حتى الآن.