الغضب انفعال يساعد الإنسان على المحافظة على كيانه النفسى، وهو استجابة عاطفية طبيعية لمواجهة التهديد والأذى والعنف والإحباط، وهو درجات متنوعة تبدأ بالشعور بالاستثارة والضيق، ثم الغضب البسيط، ثم الغضب الشديد المتمثل فى التمزيق والتدمير والعنف. وهو نار تحرق العقل وتسحق البدن وتصيبه بأمراض لا حصر لها مثل: قرحة المعدة، وارتفاع ضغط الدم، والذبحة الصدرية، والقولون العصبى، والصداع العصبى المزمن. وقديما قال الفيلسوف أرسطو: "أى أنسان يمكن أن يغضب، وهذا أمر سهل، لكن أن تغضب من الشخص المناسب بالدرجة المناسبة وفى الوقت المناسب ومن أجل الهدف المناسب وبالطريقة المناسبة فهذا ليس سهلا". قد يكون الغضب عاطفة مقاومة لليأس للبقاء والثورة على إحباطنا المتكرر لتصحيح الأخطاء أو القفز على الروتين إلا أننا يجب أن نتدارك أنفسنا لكيلا يسد الغضب الطريق على مشاعرنا الأخرى، فيصبح الحل لمعظم مشكلاتنا، ويجعلنا ندور فى حلقة مفرغة ويمنعنا من تعلم طرق أخرى للتعبير عن مشاعرنا، مما يجعلنا نفقد الأعزاء والأحباء خلال ثورات الغضب ويصعب علينا استعادة مودتهم ومشاعرهم الطيبة اتقاء للأذى الذى يصيبهم منا خلال الغضب، فنخسر أنفسنا ومن حولنا خلال رحلة الحياة. ومسببات الغضب كثيرة مثل: الإرهاق الجسمى أو الاكتئاب أو الإحباط أو المرض مثل الرشح أو الصداع أو انخفاض السكر فى الدم أو تغيرات الدورة الشهرية للأنثى أو المزاح السخيف أو الجدال أو التربية الخاطئة فى الصغر أو نقص الحديد فى الجسم أو قلة النوم أو الشعور بالحرمان والاضطهاد... وقد يستجيب الفرد لانفعال الغضب بالعدوان سواء أكان عدوانًا ظاهرًا وواضحًا أم كامنًا ومستترًا، ويوجه ذلك العدوان للعقبات التى تعوق إشباع دوافعه أو تحقيق أهدافه سواء أكانت هذه العقبات أشخاصًا أو عوائق وقيود مادية. كثيرا ما يتم تحويل الغضب إلى أشخاص أو أشياء غير المسببات الأصلية له خوفًا من العقاب، فقد يغضب الموظف من رئيسه، لكنه لا يستطيع التعبير عن غضبه فيحول ذلك الغضب إلى زوجته وأولاده أو يغضب الطالب إذا طرده الأستاذ من المحاضرة لشغبه فيخرج ويغلق الباب بشدة أو يحطم أشياءً مادية أو يقوم ببعض السلوكيات العدوانية تجاه نفسه مثل قضم الأظافر وشد الشعر وجرح الجلد. ويؤكد العلماء أن انفعال الغضب والعصبية الشديدة انفعال متعلم وسلوك مكتسب من الأسرة يتعلمه الطفل وينمو معه ويكون سمة من سمات شخصيته وللوراثة دور فيه ويتعامل به الفرد من خلال تعرضه لمواقف تدفعه لاستخدام الغضب فى حل مشاكله. ومشاعر الغضب تتضمن استجابة قوية يستجيب لها الجهاز العصبى المستقل وتؤدى إلى زيادة فى ضغط الدم والعرق والتنفس ونبضات القلب وإفراز السكر فى الدم وجميع هذه الاستجابات تهيئ الكائن للعراك والنوبات الانفعالية والضرب والركل والعض والعناد، وهو ما يتميز به الأطفال فى سنوات العمر المبكرة إلى المضايقة والسخرية والفظاظة خلال سن المدرسة، إلى وضع النكت والمظالم والملاحظات الساخرة واستخدام ميكانزمات كبش الفداء فى الأعمار المتأخرة، وقد يكون الغضب المكبوت أو تكرار حالات الغضب الصريح يؤدى إلى الإصابة بأزمات قلبية قاتلة وانفجار موجات الغضب يصعب من التحكم فى الانفعال ويسرى الانفعال بسرعة للأعضاء الحيوية لإفراز العصارات، وقد يسد طريق الدم فى الشرايين أمام جهاز المناعة ويعيق حركة الأجسام المضادة للوصول لأهدافها، وبالتالى يتأذى الفرد جسميًا، وقد يكون الفرد سريع التأثر والانفعال لأتفه الأمور ويزداد لديه العنف اللفظى أو يكون شخصية انفجارية يفقد السيطرة على نفسه، ويكون عدوانيًا على الأشخاص والممتلكات. كيف نتحكم فى غضبنا حتى لا نخسر أنفسنا أو أحباءنا؟ يوصينا القرآن بضرورة التحكم فى الغيظ، مما يجعلنا نحافظ على صحتنا النفسية والجسمية، ونفكر بشكل سليم، ونتخذ القرارات الصحيحة، فمن يتحكمون فى أنفسهم عند الغضب ويتمالكون أعصابهم لهم المغفرة من الله والجنة (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وكظم الغيظ هنا لا يعنى كبت الانفعال الذى يولد الأمراض ويخنق الشحنة الانفعالية داخل النفس حتى تنفجر بالأمراض، لكن عملية استرخاء للنفس والأعصاب وإتاحة الفرصة للتفكير والصبر وتغيير وضع جسم الإنسان بين القيام والقعود، مما يسبب الهدوء نسبيًا، ويوصينا الدين الحنيف بغمر الجسم بالماء أو التوضؤ والصلاة عند الغضب لتقليل الآثار السيئة. كما يجب أن تقول لمن أغضبك بنفس نغمة وحدة الصوت التى تعبر عن تعبك أنك غضبان تمامًا كما تقول أنا متعب، وإذا عوملت بطريقة سيئة أو ظالمة واجه الحقيقة وابحث عن أسباب إثارة الغضب، وحاول أن تكون على وعى بها، وتكلم مع نفسك: لماذا لا أواجه الغضب بدلا من الاستسلام أو كبت الغضب؟ اطلب المساعدة من صديق أو شخص تثق به أو إخصائيين نفسيين إذا جاوزت نوبات غضبك الحد المعقول فى العدد وشدة الانفعال، وتحمل المسئولية الكاملة عن غضبك وما ينتج عنه من خسائر قد لا تستطيع تصليحها، وضع هذا فى ذهنك عند بداية الاستفزاز أو الاستثارة أو المضايقة وفكر فى الأعراض الجسمية والآثار السيئة النفسية والاجتماعية المصاحبة للغضب، وارفض هذه الأعراض عن طريق العد من واحد لعشرة أو حتى خمسين قبل التفوّه بأى كلمة وتعلم الحوار الذاتى لتفنيد المعتقدات اللا عقلانية مثل أنك المفترض أن تكون محبوبًا من الجميع أو أنك شخص طيب فلا داعى لاستفزازك او ضغوط الوقت أو الأعمال الزائدة على الحد، وتعلم قول لا للمهام غير الضرورية أو غير المستعجلة، حاول أن تتعلم تكنيكات الاسترخاء والتعامل مع الضغوط حتى يمكنك التحكم فى نفسك وتغيير سلوكك، ومحاولة إيجاد البدائل للحد من المشكلة بدلا من الشكوى منها. وتعلم أن تواجه الغضب بالاستراتيجيات الدينية أو استراتيجيات الضحك والدعابة حتى تستطيع مواجهة الموقف، وفى النهاية تأكد أن ساعات حياتك وأيامك كلها محسوبة عليك فإن قضيتها كلها فى حنق وغضب وانفعالات سلبية قد تنتهى دون جدوى.