تصوير: حسام بكير - مارينا ميلاد في طقوس تليق ب«المولد» - كما يطلقون عليه - تحتفل شوارع قرية دير جبل الطير، التي مرت بها العائلة المقدسة في القرن الأول الميلادي، بتلك الذكرى منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وربما كانت تلك الطقوس غير ثابتة في البداية، لكن مع مرور الوقت تحولت إلى عادات سنوية لها قواعد تنظمها، وإن اختلفت تفاصيلها من فئة لأخرى، لكنها تشابهت في أن الجميع يبحث منها عن «الرزق». بائعون وأرزقية «إحنا بنستنى المولد من السنة للسنة».. عبارة لازمت حديث البائعين، الذين لا يتركون شبرًا فارغًا في شوارع القرية أثناء أسبوع الاحتفالات، وبمجرد أن ينتهي يتركونها لينتقلون إلى شوارع مولد آخر. لم تقتصر معروضاتهم على شيء، بل شملت كل ما يخطر على بال زائر غريب أو أحد أبناء القرية، ارتفعت أصواتهم لتجذب انتباه المارين لما يبعونه، فامتزجت النداءات تارة بقول «بركاتك يا عدرا»، وتارة بالأغاني الشعبية. رغم انتشار «الفرشات» التي تملأها كل أنواع البضائع، بعضها ارتبط تحديدًا بهذا الاحتفال، ك«فرشات» دق الصلبان والوشم، بيع التماثيل والصور المسيحية، والتصوير الفوتوغرافي. الرغبة في المكسب جعلت عماد عاطف، الذي يعمل «ترزي» طوال العام، يستغل موهبته في الرسم ليقوم بدق الصلبان ورسم الوشوم في احتفالات جبل الطير، فيقول: «بشتغل في المهنة دي من 7 سنين، بننتقل حسب مواعيد الموالد، ما بين مولد العذراء في سمالوط، والأنبا شنودة في سوهاج، والعذراء في درنكة، وعلى الأقل بنطلع من الموسم ب5 آلاف جنيه، ممكن توصل ل20 ألفًا». البيع والشراء في هذا الاحتفال ليس عشوائيًا، لكن له أصول تجنب البائعين المشاجرات، يوضحها أشرف سمير، الذي يجد رزقه في بيع الصور والتماثيل المسيحية: «إحنا بنوصل قبل بداية المولد بيوم، نحط البضاعة في مخازن تحت الجبل، وكل واحد يأخذ مكان متعود عليه كل سنة، لكن لو أتأخر عن اليوم الأول من حق غيره ياخده.. بندفع إيجار للبيت اللي هنقف عند الحيطة الخاصة به حسب الاتفاق مع أصحابه، وندفع على اللمبة 70 جنيهًا لمحصل الكهرباء». كما تجمع الرغبة في أخذ «البركة» القاصي والداني إلى الدير من المسلمين والمسيحين، يجمع الرزق أيضًا بينهم في البيع داخل المولد، لذا لم يكن غريبًا على إبراهيم أحمد، أن يقف في المدخل المؤدي إلى الكنيسة ليبيع العصي وصور القديسين المسيحين: «أنا مسلم لكن مبحسش بفرق بيني وبين المسيحين الموجودين، وكلنا بناكل عيش هنا». الكل يبحث عن منفذ للرزق، وبسبب أن هذا الاحتفال يصاحبه طقس معتاد وهو معمودية الأطفال (سر من أسرار الكنيسة اقتداءً بمعمودية المسيح في نهر الأردن، بدونه لن يكون الشخص مسيحيًا)، فكانت مهمة أشخاص في المولد الوقوف أمام الكنيسة في انتظار انتهاء معمودية الطفل واصطحابه في «زفة» بالحصان والمزمار، تختلف في تحديد سعرها تبعًا للاتفاق مع أهل الطفل على مدة ومكان الزفة.. يقول باسم يوسف: «بننتقل ما بين الموالد أو الأفراح، وسعر الحصان غير المزمار، بس عمومًا كله بيبدأ من 40 ل100 جنيه لو في شوارع القرية، وتزيد لو نزلنا من الجبل». أصحاب البيوت عدم وجود فنادق قريبة من القرية، وعدم قدرة بعض الزوار على دفع تكاليف إقامة مرتفعة، كانا سببين كافيين لباب رزق جديد يكون من نصيب أصحاب البيوت هناك، الذين يفتحونها لاستقبال هؤلاء الزوار كل عام لمدة أسبوع مقابل أجور تختلف بحسب الاتفاق بينهم. يكفي أن تلقي السلام لتدخل أي بيت في القرية، فليس هناك بيتًا مغلقة أبوابه أو يمانع أصحابه دخول أي شخص إليه، وكانت البداية مع بيت صلاح أيوب (60 عامًا) :«في أسبوع الاحتفالات، بلم عيالي الأربعة والعفش في أوضتين، وبسيب الدور الثاني والثالث للناس». يكمل صلاح: «أنا ورثت الفكرة عن جدودي، صحيح هو رزق بالنسبة لينا، لكن بنرضى باللي خارج من زمة الشخص، ولو واحد معهوش خلاص». كونه من أقدم البيوت التي يتم استأجرها وقت الاحتفالات، جعل ذلك صلاح يعتاد على زبائنه الذين يداومون على المجيء إليه كل عام: «الناس دي مش زبائن لكنهم أصحاب بيت، ولو حد غريب، فأنا ليا نظرة لو حسيت أنه هيعمل مشاكل برفضه». على عكس بيت «عم صلاح» - كما هو معروف في القرية – كان بيت حبيب سيرافيم، الذي يقع في الجهة المواجهة له، ولا يفصل بينهم سوى أمتار قليلة، فهذه المرة البيت لم يسكن فيه صاحبه بل جهزه وفرشه من أجل استقبال الزوار، «أنا عايش في شرق سمالوط لكن موجود في القرية مع الزوار وقت الإحتفال.. البيت ده ورثته عن أبويا، لكن من 4 سنين هديته وبنيته من جديد عشان يكون مناسب للسكن»، يقول «حبيب». يتابع «حبيب» موضحًا نظام تأجير البيوت: «الناس بتأجر البيوت عادة بالأوضة، لكن ممكن حد يأجر البيت كله، والإيجار بيختلف حسب شكل البيت وتجهيزه، يعني أنا مثلًا ممكن أخد 1000 جنيه على الغرفة طول الأسبوع، وبشترط على الناس تحافظ على نظافة المكان مش أكتر». مفتشو الآثار يقف مفتشو الآثار على أبواب كنيسة السيدة العذراء الأثرية وداخلها، يمنعون أي شخص من التصوير إلا بعد دفع الرسوم، التي بحسب قولهم، منصوص عليها في لائحة وضعها المجلس الأعلى للآثار، والتي لم تُعلق داخل الكنيسة. ووفقًا لمفتش الآثار المسؤول عن المكان، تنص اللائحة على أن رسوم التصوير لكاميرا الموبايل 20 جنيه، وبداية من 150 حتى 600 جنيه لكاميرا الديجتال وال«DSLR»، أما المعدات الخاصة بالقنوات الفضائية العربية والأجنبية فتتراوح من 1000 ل5000 جنيه. وبسؤاله عن المعايير التي يحدد بها المفتش الرسوم، قال: «يُقرر ذلك حسب نوع الكاميرا، وما إذا كان يلتقط بها فيديو أو صور». لكن ما حدث مع «التحرير» كان مخالفًا لذلك، فطلب المفتش الذي كان موجودًا حينها، ويدعى منتصر، 800 جنيه على التصوير بكاميرا «DSLR» صور فقط، وحين رفضنا بدأ في تخفيض الرقم ل500 ثم 300، وفي النهاية حصل على 100 جنيه، ولم يكن في دفتر الرسوم الخاص به فئة ال 100 جنيه، فأعطى لنا 5 تذاكر فئة ال20 جنيه. علق أسامة وديع، مدير عام هيئة تنشيط السياحة بمحافظة المنيا، على ذلك قائلًا إن «ما حدث غير لائق، لأنه حتى وإن كان هناك رسوم، فلا يمكن أن تُفرض في مثل هذا التوقيت لأنه موسم، كما أننا نعمل على تنشيط السياحة والدعاية للمكان، وما يحدث من جانبهم للكسب من تلك الرسوم، لا يناسب هذا الهدف»، وهو ما أشار إليه أيضًا مدير العلاقات العامة بمطرانية سمالوط، فرحان سيرافيم. يأتي ذلك رغم وجود ورق معلق على أعمدة الكنيسة يفيد بأن «ممنوع التصوير داخل صحن الكنيسة، حيث أن التصوير يعرض للمسأله القانونية والغرامة التي تسدد لوزارة الآثار»، وهو ما يوضح منع التصوير نهائيًا سواء برسوم أو بدونها. السائقون يعتبر الاحتفال مصدر رزق ينتظره سائقو عربات الأجرة، الذين يقفون عند مداخل القرية من الناحية الشرقية والغربية، لينقلون زائري الدير منه وإليه. في الصباح يلتزم أغلب السائقين بالأجرة المعتادة للركوب والتي تقدر ب10 جنيه للفرد أو أقل بحسب المسافة، لكن في المساء ربما تزيد لتصل إلى 15 جنيه للذاهبين إلى مدينة المنيا، وتخضع للإتفاق بين السائق والركاب في النهاية. الشحاذون وجامعو التبرعات ينتشر الشحاذون (الشحاتين) على جانبي الطريق المؤدي إلى ساحة الدير، ويقيم أغلبهم طوال أيام الأسبوع في المكان ذاته، ليحصلوا على رزقهم من زائري الدير. زاد على هؤلاء، مجموعة أخرى تنتشر في مدخل القرية بعيدًا عن الدير، لجمع التبرعات باسم عدة كنائس، وعند سؤال شيخ البلد، نصحي لبيب عنهم، قال إنهم يتبعون لعدة كنائس في أكثر من منطقة، وطالما حاملين دفاتر تبرع باسم الكنيسة وختم المطرانية التابعين لها إذن هم ليسوا مزورين. الكنيسة يعتبر هذا التوقيت مصدر رزق للكنيسة أيضًا بسبب النذور والعطايا سواء أموال أو أضاحي تدخل إليها من الزوار، التي قدرت أعدادهم بالمليوني سنويًا، كما أن البائعين الذين ينتشرون في ساحة الدير يدفعون إيجار للكنيسة في هيئة نذور رمزية بإيصالات تبرع؛ لتستخدم الكنيسة ما تحصل عليه – بحسب ما تعلن - في المشروعات التي تمولها أو مساعدة المحتاجين. هذا الموضوع ضمن ملف عن احتفال دير السيدة العذراء بجبل الطير بذكرى دخول العائلة المقدسة أرض مصر