يشعر الأمريكان منذ إعلان نوفمبر الدستورى أن مرسى كان ديكتاتورا حتى ولو كان منتخبا واشنطن وهى تشهد الملايين تهلل لنهاية مرسى وحكم الإخوان تعاملت بحذر مع ما حدث ويحدث فى مصر. والحذر كما انعكس فى البيان الصادر عن البيت الأبيض وتعليقات الخبراء والصحف الكبرى سببه ليس بالطبع «الحزن على رحيل مرسى وإخوانه» بقدر ما هو الخوف أو القلق مما قد يأتى مع الأيام ومن تكرار «الحكم العسكرى». ومهما اختلفت الآراء والتعقيبات والتفسيرات حول تسمية ما حدث. هل هو «انقلاب عسكرى» أم «ثورة جديدة أم ثورة مكملة»؟ فإن ما يقلق واشنطن وأهلها هو تبعات أو تداعيات ما حدث، خصوصا أن مصر شهدت استقطابا حادا فى الفترة الأخيرة، ومن الصعب التوقع بأن «خلع مرسى» أو إقصاءه أو إبعاده عن السلطة سوف «يصفى أجواء الاحتقان» ويحقق الأمن والأمان فى مصر فى يوم وليلة. والرئيس الأمريكى باراك أوباما أعلن عن موقفه وقلقه وتحذيره فى البيان الصادر مساء الأربعاء. وكان قد تردد بأن الرئيس أوباما سوف يظهر أمام العالم ويلقى البيان بنفسه، إلا أن هذا التوقع لم يستمر طويلا، إذ تم تنبيه الصحفيين فى البيت الأبيض بأنه سيتم الاكتفاء ببيان مكتوب. كما قام موقع البيت الأبيض بنشر صورة اجتماع مجلس الأمن القومى يوم الأربعاء 3 يوليو. وأوباما ترأس الاجتماع بحضور تشاك هيجل وزير الدفاع وجون برينن مدير «سى آى إيه» وسوزان رايس مستشار الأمن القومى وآخرين. والبيان المطول من البيت الأبيض يبدأ بموقف إدارة أوباما وإيمانها ببعض المبادئ العامة، إذ يقول: «مثلما قلت منذ الثورة المصرية فإن الولاياتالمتحدة تدعم مجموعة من المبادئ الأساسية ومنها معارضة العنف وحماية حقوق الإنسان العالمية والإصلاح الذى يتلاقى مع التطلعات الشرعية للشعب. والولاياتالمتحدة لا تدعم أشخاصا بعينهم أو أحزابا سياسية بعينها، وإنما نحن ملتزمون بالعملية الديمقراطية ونحترم سيادة القانون. ومنذ أن بدأ الاضطراب الحالى فى مصر فإننا ناشدنا كل الأطراف أن تعمل معا، من أجل مخاطبة الهموم الشرعية للشعب المصرى، تماشيا مع العملية الديمقراطية ودون اللجوء إلى العنف أو استخدام القوة». ثم يضيف البيان: «إن الولاياتالمتحدة تراقب الوضع المائع للغاية فى مصر. ونحن نعتقد بأن مستقبل مصر فى نهاية المطاف يمكن تحديده فقط من جانب الشعب المصرى. ومع ذلك نحن قلقون للغاية بقرار القوات المصرية المسلحة بخلع الرئيس مرسى وتعليق الدستور المصرى. وأنا أدعو العسكرية المصرية إلى أن تتحرك بسرعة وبمسؤولية من أجل إعادة السلطة الكاملة لحكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا فى أقرب فرصة ومن خلال عملية لا إقصائية وشفافة. وتفادى أى اعتقالات تعسفية للرئيس مرسى ومؤيديه. ونظرا لتطورات اليوم فقد أعطيت أيضا توجيهات إلى وزارات ووكالات ذات صلة بالأمر أن تراجع تبعات مساعدتنا لحكومة مصر حسب القانون الأمريكى». وبما أن الوضع الراهن يتطلب التذكير بضروريات الانتقال الديمقراطى يقول البيان: «إن الولاياتالمتحدة مستمرة فى أن تؤمن إيمانا راسخا بأن أفضل أساس لاستقرار دائم فى مصر هو نظام سياسى ديمقراطى بمشاركة كل الأطراف والأحزاب السياسية علمانية ودينية ومدنية وعسكرية. وخلال هذه المرحلة غير المؤكدة نحن نتوقع من الجيش أن يضمن بأن حقوق كل المصريين رجالا ونساء مصونة، بما فيها حق التجمع السلمى وسيادة القانون ومحاكمات حرة وعادلة أمام محاكم مدنية. وبالإضافة فإن هدف أى عملية سياسية يجب أن تكون حكومة تحترم حقوق كل المواطنين، أغلبية وأقلية. وتقوم بمأسسة المحاسبة أو المكاشفة التى تعتمد عليها الديمقراطية وتضع مصالح المواطنين فوق أى حزب أو مجموعة. إن أصوات كل هؤلاء الذين تظاهروا سلميا يجب الإنصات إليها ومنهم الذين رحبوا بتطورات اليوم ومنهم الذين ساندوا الرئيس مرسى. وفى أثناء ذلك أحث كل الأطراف على تفادى العنف وأن يضموا الصفوف لضمان الاستعادة الدائمة لديمقراطية مصر». ثم يضيف البيان: «لا انتقال للديمقراطية يأتى دون صعوبات، ولكن فى نهاية الأمر يجب أن نظن صادقين لإرادة الشعب. وحكومة نزيهة وقادرة وممثلة للجميع هى ما يبحث عنه المصريون العاديون وهى ما يستحقونها. والشراكة الممتدة بين الولاياتالمتحدة ومصر تقوم على أساس المصالح والقيم المشتركة. ونحن سنواصل العمل مع الشعب المصرى من أجل ضمان أن انتقال مصر للديمقراطية سيكلل بالنجاح». وهذا هو النص الكامل لبيان أوباما وبالتأكيد النقاش حول مضمونه وتفسيره وعلاقة أمريكا بمصر الجديدة أو المتجددة سوف تستمر وتشتد حدة فى الأيام المقبلة. وما دمنا نتحدث عن واشنطن يجب القول لم يذرف أحد من أهل واشنطن أى دمعة حزن على رحيل مرسى، خصوصا أن الشعور العام لديهم منذ شهر نوفمبر الماضى ومنذ الإعلان الدستورى أنه كان ديكتاتور آخر ولو كان منتخبا ديمقراطيا. وبالتأكيد كان هناك تحفظ بشكل عام تجاه آرائه ومواقفه وتاريخه.. فى ما يخص المرأة والأقباط والمشاركة السياسة و«لم الشمل» وحرية التعبير والإبداع وأيضا.. «أحفاد القردة والخنازير»، إلا أنه ما دام كان رئيس مصر كان يتم التعامل معه على هذا الأساس. النائب الجمهورى إد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، قال فى بيان له الأربعاء «آمل أن رحيل (مرسى) سوف يعيد فتح الطريق لمستقبل أفضل لمصر، وأنا أشجع الجيش وكل الأحزاب السياسية أن تتعاون من أجل البناء السلمى للمؤسسات الديمقراطية وانتخابات جديدة تقود لمصر، حيث يتم فيها قبول حقوق الأقلية». أما السناتور الجمهورى جيمس إينهوف القيادى بلجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ فقد رحب بتدخل الجيش، ذاكرا «أن الجيش المصرى يدرك أهمية تحقيق السلام والاستقرار.. وأنا أشيد بجهودهم فى مساعدة الشعب المصرى فى هذه المرحلة من نقل السلطة». وبما أن المرحلة المقبلة حبلى بالأحداث والمواقف والمراجعات السياسية وحسابات القوى المختلفة فى المشهد المصرى. لم يكن غريبا أن واشنطن فى الساعات الأخيرة شهدت نقاشات وتساؤلات حول تحديات مصر والمصريين مع الواقع الجديد الذى نشأ وتشكل أو تم الوصول إليه بتمرد الشعب وتدخل الجيش ضد حكم الإخوان. ومنها كيف ستدير المؤسسة العسكرية المرحلة المقبلة وترى ماذا تعلمت من التجربة السابقة؟ فالهدف بالطبع كان ولا يزال ليس فقط التخلص من الإخوان ورئيسهم بل إدارة دفة البلاد للوصول إلى بر الأمان. ماذا سيفعل الإسلاميون بكل فرقهم الدينية والسياسية؟ هل ستتاح لهم الفرصة للمشاركة السياسية؟ ومن ثم سيقبلون المشاركة بديلا للمغالبة؟ أم أن السبيل الوحيد بالنسبة إليهم سيكون النزول مرة أخرى للعمل تحت الأرض والنشاط السرى واستهداف كل ما هو مدنى وليبرالى والانكباب على تكفيرهم ووصفهم بأنهم «أعداء الإسلام»؟ كيف سيؤثر ما حدث فى مصر على واقع الخريطة السياسية العقائدية التى تشكلت مع الربيع العربى؟ وكيف سيتفاعل الإسلام السياسى فى دول المنطقة مع هذا الانكسار أو التراجع، خصوصا أن جماعات الإسلام السياسى كانت تتعامل مع عواصم العالم باعتبارها «الواقع الجديد» أو «نتاج الثورات» و«صوت الشعوب وليس أبواق الديكتاتوريات». والأهم كانت النغمة المكررة بأنهم أتوا ليبقوا وعلى العالم الغربى أن يتقبل هذا الواقع ويتعامل معه لعقود قادمة.. قيادات إخوانية بارزة مثلا كانت حريصة فى لقاءاتها فى واشنطن تكرار الإشارة إلى «أنكم يا أهل واشنطن ساندتم الديكتاتوريات وقدمتم لهم الدعم دون شروط لماذا تشترطون علينا الآن؟». هل تعلمت إدارة أوباما مما حدث وبالتالى هل ستغير من تواصلها وتعاملها مع المجتمع المصرى بكل فئاته وطوائفه وقطاعاته؟ وأيضا ماذا تعلم الليبراليون والعلمانيون فى مصر، هل سيواصلون ترديد النغمة إياها «بأننا لا نتعامل مع شركاء الإخوان»، وهم أنفسهم قالوا من قبل «لا نتعامل مع شركاء مبارك». واشنطن تتعامل مع واقع جديد أو واقع جديد يتشكل ويتبدل ويحمل الكثير من المفاجآت والصدمات.