نشر الكاتب الأمريكي "مارك لاندلر" مقالًا بموقع نيويورك تايمز الأمريكي اليوم الأحد، تحدّث فيه عن ما سيتركه الرئيس باراك أوباما من ميراثٍ عند خروجه من البيت الأبيض، وكيف تعهّد بإنهاء الحروب التي خلفها جورج بوش عند بدء فترته الرئاسية، ولكن ما حدث هو ازدياد الحروب خلال الفترتين التي قضاهما أوباما في الرئاسة، وإلى نصّ المقال:- أتى الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض منذ سبع سنين، مُتعهدًا بإنهاء الحروب التي تركها سابقه جورج بوش، ولكن مع بقاء 8 شهور فقط قبل أن يُخلي البيت الأبيض، دخل أوباما التاريخ بكونه أكثر الرؤساء الأمريكيين دخولًا في الحروب. ووفقًا للكاتب "إذا استمرت الولاياتالمتحدة في معاركها في أفغانستانوالعراق وسوريا حتى نهاية فترة الرئيس أوباما، فسوف يكون أوباما أول رئيس أمريكي يدخل في حروبٍ مُتصلة خلال فترتي ولايته التي استمرت قرابة الثماني سنوات". أوباما الذي فاز بجائزة نوبل للسلام في 2009 ، وقضى سنينًا في البيت الأبيض مُحاولًا أن يُوفي بوعوده التي قطعها كمُرشّح ضد الحروب، سوف يصبح من أكثر الرؤساء إثارة للحروب، أكثر حتى من فرانكلين روزفيلت وريتشارد نيكسون وأبراهام لينكولن وغيرهم. ولكن بالنظر إلى الجانب المُشرِق فإن أوباما يترك أقل عددٍ مُمكِن من الجنود الأمريكيين مُعرّضين للخطر في كل من العراقوأفغانستان – حيث يوجد في الأولى 4087 جنديّ وفي الثانية 9800 جنديّ - بالنظر إلى ما خلّفه سابقه جورج بوش 200 ألف جنديّ أمريكيّ في كلا الدولتين، ولكن أوباما وافق على تنفيذ ضرباتٍ جويةٍ ضد المنظمات الإرهابية في كل من ليبيا وباكستان والصومال واليمن، ليصبح المجموع سبع دول شاركت إدارة أوباما بأعمال حربية. وقال إليوت كوهين مؤرخ عسكري في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية – والذي دعم الحرب في العراق، وخدم ابنه في الحرب مرتين: “لا يوجد رئيس يُريد أن يكون رئيسًا حربيًا، وأوباما يُفكِّر في الحرب كأداة يجب أن يستخدمها كارهًا، ولكن في النهاية نحن نقوم بشن هذه الحروب ونقتل الكثير من الناس ونتلقى الكثير من الضحايا والإصابات". وحاول الرئيس أوباما مُقاومة هذه الحقيقة المُرّة منذ أول سنة له في البيت الأبيض - عندما قام بجولة في مقابر أرلينجتون الوطنيّة، وبعدها قام بإرسال 30 ألف جنديّ إضافيّ إلى أفغانستان - ولكنها أصبحت واقعًا غير قابل للتغيير، ويقول أحد مُرافقي أوباما: إنّه "اعتمد بشكل كبيرٍ على العمليات العسكرية المحدودة وهجمات الطائرات بدون طيّار، لأنّه كان يعي جيدًا خطورة التصعيد في مواقف مثل هذه، وكان يُشكك دائمًا في جدوى التدخل العسكري الأمريكي بالبلاد. ويُعرَف الرئيس أوباما بتناقضه بين رسالته خلال حملته الانتخابية، وبين واقع حكمه، فعندما استلم جائزة نوبل للسلام في 2009، أعلن أنّه يجب على الإنسانيّة أن تتصالح مع حقيقتين لا يُمكن التوفيق بينهما وهما، الحرب شيء ضروري في بعض الأحيان، والحرب في بعض مستوياتها تبدو ضربًا من الحماقة الإنسانيّة. وحاول الرئيس الأمريكي أن يتذكر هذه الحقائق بتضييق الحروب التي تخوضها الولاياتالمتحدة، وبالنظر إلى التحدّي الأمنيّ الذي يواجه الرئيس أوباما والحروب التي خاضتها الولايات المُتحِدة في الآونة الأخيرة مثل الحرب العالمية الثانية أو حرب فيتنام، يقول المؤرخون العسكريّون: إنّ "أوباما قد غيّر من مفهوم كلمة حرب بالنسبة للكثيرين". ويضيف ديريك كوليت – الذي عمل في وزارة الخارجية وفي البيت الأبيض أثناء فترة حكم أوباما الأولى، “هذا هو الفارق بين أن تكون رئيسًا حربيًّا، ورئيسًا في حالة حرب، فأن تكون رئيسًا حربيًا يعني أن تُذلِّل جميع عناصر القوة الأمريكية والسياسات الخارجية من أجل الحرب، وما حاول أوباما فعله هو أن لا تطغى تلك الفكرة على الأولويات الأخرى، وربما يُبيّن هذا لما هو حريصٌ للغاية عندما يتعلّق الأمر بزيادة عدد القوات الأمريكية". ولكن لم يستطع الرئيس أباما أن ينهي تلك الصراعات التي بدأها بجنون، فقد أعلن في أكتوبر 2011، أن آخر جنديّ أمريكيّ مُقاتل سوف يُغادر أرض العراق في نهاية هذا العام – يقصد 2011 – مُعلنًا نهاية ثمان سنواتٍ من الحرب على أرض العراق، ولكن لم تمض ثلاث سنوات حتى أعلن أوباما مرة أخرى عن إرساله لقوة مُقاتلة مُكوّنة من 475 جنديًا إلى العراق مرة أخرى، للمساعدة في الحرب ضد "داعش"، وفي الشهر الماضي تجاوز عدد الجنود الأمريكيين في العراق 5 آلاف جنديّ أمريكيّ. وأدّى قتالٌ عنيفٌ بين تنظيم "داعش" والقوات الأمريكية – والذي نتج عنه مقتل أحد الجنود، إلى مقتل ثلاثة جنود منذ بداية الحرب على التنظيم– الأمر الذي إلى تذكير أوباما وإدارته بالأيام الداميّة للحرب ضد العراق، وكذلك جعل من اعتراف الحكومة بأنّها تُساعد فقط القوّات العراقية أقل عقلانيةً. واتّخذت الأحداث في أفغانستان منحنى مُشابهًا من الأمل وخيبة الأمل، ففي مايو 2014 أعلن أوباما في خطابٍ له بحديقة البيت الأبيض، أن الولاياتالمتحدة سوف تسحب آخر جنديّ أمريكيّ من الأراضي الأفغانية بحلول نهاية عام 2016 قائلًا: "لقد علم الأمريكيون أن إمكانية إنهاء الحرب أصعب بكثير من البدء بها، وعلى الرغم من ذلك فهكذا ننهي هذه الحرب في القرن الحادي والعشرين". وبعد مرور حوالي 17 شهرًا على هذا الخطاب، أعلن أوباما إيقاف انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، مُعلنًا عن ترك حوالي 5000 جنديّ أمريكيّ في أفغانستان حتى بداية عام 2017 والتي توافق نهاية فترة ولايته الثانية، وبحلول هذا الوقت سوف تُسيطر جماعة طالبان على مناطق أكثر في الدولة من أي وقت مضى. واستولى مُقاتلو طالبان على مدينة كندوز الأفغانية الواقعة في شمال البلاد، وأطلقت إحدى الطائرات الحربية الأمريكية صاروخًا بالخطأ على مستشفى تابع لمنظم "أطباء بلا حدود" لتقتل 42 شخصًا كانوا بداخلها، وتُثير الاتّهامات حول ارتكاب الولاياتالمتحدة لجريمة حرب. ويقول نُقّاد الرئيس أوباما: إنّ "طريقته في الوصول إلى الحرب قد أضعفت من إمكانية الدولة في محاربة تلك الحروب، فلم يحاول أن يُفسِّر للدولة ما هي المخاطر التي تُواجه الجنود في أفغانستان أو العراق، أو يُفسِّر لماذا انتهت تلك الحروب بالطريقة التي انتهت بها". وأفاد فينسنت دي جورج، الباحث في جامعة كارنيج ميلون في الولاياتالمتحدة، والذي جمع معلوماتٍ عن الحروب التي قام بها الرؤساء، أنّ اللهجة التي تحدّث بها الرئيس أوباما مُهمة أكثر من القرارات التي اتّخذها، فهل تصنع البلاغة التي استخدمها الرئيس أوباما فارقًا بالنسبة للجنود الذين عادوا من الحرب مُصابين أو عائلات الجنود الذين قُتِلوا". وقد حارب أوباما المُتطرفين على جبهاتٍ مُتعددةٍ أكثر من أي رئيس أمريكي آخر من أمثال جورج بوش أو بيل كلينتون، وصرح المسؤولون في البنتاجون أن هذا هو الطبيعي الآن، ولكن بالنسبة لمن عمل في إدارة أوباما فكانت تلك تجربة لا هوادة فيها. وقال فيليب جوردون – الذي عمل كمنسق لعمليات الشرق الأوسط في البيت الأبيض في الفترة من 2013 وحتى 2015: إنّه "يستطيع أن يُفرِّق بين الحرب في القرن الحادي والعشرين، والحرب في القرن العشرين، فعلى سبيل المثال لم يوافق الكونجرس على أيّ من العمليات الخارجية التي قام بها الرئيس أوباما، وأن يتّخذ الرئيس قرار الحرب مُنفردًا هو شيء لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية. ولم يتضّح بعد إذا ما كان خليفة أوباما سوف يسلك نفس مسلكه، حيث أن المرشحة الديمقراطية المحتملة لانتخابات الرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون أعلنت أنها أكثر تقبُّلًا للوسائل التقليلدية العسكرية من أوباما، فيما تعهّد المُرشح الديمقراطي المُفترض دونالد ترامب بقصف "داعش" لتصبح في غياهب النسيان، على الرغم من رسائله المُتناقضة عن إرسال قوّات أمريكية أخرى إلى أماكن النزاعات في الأراضي الأجنبية. ويشير المؤرخون التاريخيون إلى أن الرؤساء سوف يستمرون بتقليص أو تمديد مفهوم الحرب ليُقابل احتياجاتهم السياسية، ونوه ريتشارد كوهن – أستاذٌ غير متفرغ في التاريخ والسلام، والحرب والدفاع بجامعة شمال كارولينا، أنّ كل من أوباما أو كلينتون لم يقولا على أنفسهم إنّهما رؤساء حرب، ولكن جورج بوش قال هذا على نفسه "أنا رئيس حربيّ" والحرب يعود تاريخها إلى آلاف السنين الماضية، ونحن نعرف أن لها العديد من التعريفات المُختلفة".