ياه.. ما أجمل هذه الحشود.. وما أحقر العنف.. مئات الآلاف من المصريين فى ميادين الإسكندرية والقاهرة والسويس ودمياط وطنطا والمنصورة والشرقية وأجا وغيرها من المدن المصرية. يا ترى هل كل هؤلاء فلول وبلطجية؟! وما رأى الرئيس محمد مرسى بعد أن تابع المشاهد الثائرة الملتهبة؟! هل ما زال يصدق ما قاله قبل أيام وسط تصفيق الأهل والعشيرة وهتافاتهم بأن معارضيه من الفلول والثورة المضادة ومؤامرات النظام القديم؟! قد يبدو السؤال لا محل له من الإعراب وفات أوانه.. لكن النكتة الأكثر إثارة من السؤال أن واحدا متعاطفا مع جماعة الإخوان، أو قُل خلية نائمة منها أعرفه معرفة معقولة، بعد أن سمع خطاب الرئيس الأخير صرخ من شدة الانفعال: والله «اتشليت» لكن أنا مع الشرعية، ويخرب بيت جبهة الإنقاذ! بالطبع أكثر من نصف الشعب المصرى قد أصيب بقدر من الشلل المؤقت من طول خطاب الرئيس، وسطحيته، وقذفه فى حق قاضٍ، وتدخله فى مسار قضية منظورة أمام المحاكم، ونشره معلومات غير صحيحة، لكن هؤلاء المصريين مع الشرعية أيضا، فقط بالتصويت عليها مجددا، فى انتخابات رئاسية مبكرة، ولينزل الرئيس مرسى وإذا كسبها، أخرس كل الأصوات المناوئة، وألقمهم حجرا صخريا لا ينطقون بعده، فتهدأ الأوضاع ويعود الاستقرار! لكن لا الرئيس يقبل ولا جماعته تريد.. مهما انقسم الوطن وتشرذم مواطنوه وتهدد أمنه القومى وتفسخ سلامه الاجتماعى وسالت دماء شبابه، المهم هو كرسى الخلافة.. وإذا كان هذا المتعاطف قادرا على تحمل الجماعة والرئيس مرسى فى سدة الحكم ثلاث سنوات أخرى، فأغلب المصريين غير قادرين، ولا يملكون ترف الانتظار والصبر، فالأحوال المائلة التى ثاروا عليها لم تنته ولم تتقلص، فقط تنكرت، غيرت ملامحها ولبست أقنعة جديدة مستبدة باسم الدين الحنيف، دين الحرية والعدل. وتقف أغلب التيارات الدينية خلف الرئيس، وفيهم قتلة للمصريين، وهؤلاء القتلة يتحدثون فى الشريعة والشرع والمشروع الإسلامى، كما لو أن الدماء التى أهدروها والأرواح التى أزهقوها عمل عظيم نفذوا فيه مشيئة الله سبحانه وتعالى وكانت جزءا من هذا المشروع، وإذا كانوا قد قتلوا المصريين وأمسكوا لهم بالعصى وأشهروا فى وجوههم الجنازير والسيوف ونشروا خطاب الكراهية والتحريض والتعصب ولم يكونوا فى السلطة، فما بالك لو تمكنوا وسيطروا وتسيدوا؟! قطعا 30 يونيو يوم فارق فى مستقبل مصر، وقد يكون الأهم فى تاريخها الحديث كله، قد لا يدانيه إلا يوم خروج المصريين فى عام 1805 وحملهم محمد على باشا إلى القلعة حاكما عليهم، فيضع الباشا أولى القواعد فى بناء مصر الحديثة، وهو بناء لم يكتمل حتى الآن، لأسباب كثيرة ومتداخلة ليس هذا وقت شرحها، وقد يكون يوم الثلاثين من يونيو، هذا هو موعدنا الثانى مع القدر، لنصحح المسار إلى دولة ديمقراطية عصرية تستند إلى مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وحقوق الإنسان وتوازن السلطات الحاكمة! وندعو كل المصريين إلى النزول، فهذه لحظة حاسمة نسترد فيه الوطن من جماعة لا تؤمن بالوطن، وتراه مجرد سكن لمشروع أعظم يخصها ويخص فهمها للدين الحنيف، مشروع المصريون فيه رعية وليسوا مواطنين، وعلى الرعية طاعة ولى الأمر طاعة تامة طالما لم يحضها على معصية، وهذا كلام ظاهره الرحمة وباطنه كل العذاب، فنحن لا نفترق على ارتكاب المعاصى أو اتباع الهدى، ولا الخلاف بين مؤمنين وكافرين، ولا بين إسلام وجاهلية كما يكذب مفتيهم وادعياؤهم، وإنما هو اختلاف على مصالح «الوطن وأهله»، على أساليب معيشة وطرائق تنمية، على نوع الدولة ونظمها السياسية! أيها المصريون.. مصر على حافة هاوية خطيرة، وإذا لم ننقذها ونأخذ بيديها اليوم، فقد نسقط فى هاوية الجب وننام فيه نوم العبيد إلى نهاية الدنيا! توقف أهل مصر كثيرا أمام جملة فى خطاب الرئيس ذكر فيها الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد ساخرا: هو مكرم محمد أحمد من الثوار؟! وبدا اسم الأستاذ مكرم مُقْحَما دون سبب حقيقى، فالأستاذ مكرم من الصحفيين العظام، من دعاة الحرية، وعلى الرغم من قربه من الدولة المصرية لأكثر من 35 سنة، فلم يُضبط ناهبا لمال عام أو مستغلا لنفوذ، أو معاديا لحرية التعبير بكل أشكالها، بل على العكس تماما كان داعما للتعددية، ناقدا للحزب الوطنى محاربا للفساد، سندا لكل زملائه.. ويقال والله أعلم أن سبب ورود اسم مكرم فى خطاب الرئيس، مع إنه ليس من الخصوم الشرسين، راجع إلى الشخص الذى كتب خطاب الرئيس، وكان زميلا لمكرم فى جريدة «الأهرام»، وهذه رواسب علاقات قديمة.. فهل هذا معقول؟! لا أستطيع أن أصدق!!