رغم أطنان الملل التى وزَّعها الدكتور مرسى على المصريين فى خطابه الأخير، فإن الأمر لم يخلُ من لمسات كوميدية! لا أقصد بالطبع محاولات «الاستظراف» الفاشلة من جانب الأخ مرسى، ولا «شايفك يا فودة!»، ولا «أنا الرئيس» التى كانت تتكرر كل دقيقتين! ليس هذا كله، وإنما صيحات «الهتيفة» كلما جاءتهم الإشارة «ثوار .. ثوار، هنكمل المشوار»!! عن أى ثورة يتحدثون؟! هل هى الثورة التى رفض قياداتهم أن ينضموا إليها إلا بعد أن بدأ النظام السابق يترنح؟! هل هى الثورة التى ذهبوا منذ البداية يساومون عليها مع الحكم السابق؟! هل هى الثورة التى غادروا ميادينها فور أن لاحت أمامهم فرص الوصول للسلطة؟! هل هى الثورة التى قُتل من شبابها فى السنة الكبيسة التى حكم فيها مرسى العشرات من أنبل وأطهر أبنائها؟ هل هى الثورة التى فتحت سجون مرسى أبوابها للآلاف من أمثال دومة وحسن مصطفى.. بينما قرارات العفو الرئاسية تصدر للقتلة وتجار المخدرات؟! ثم.. عن أىّ ثورة تتحدثون، ونحن طوال عام مضى لا نشهد إلا اغتيالا لأهداف الثورة، وتمسكا بسياسات النظام السابق.. نفس الانحياز ضد الفقراء، نفس الفساد واستغلال النفوذ، نفس التبعية للأمريكان، بل إننا نشهد تفوقا لا شك فيه على النظام السابق فى إغراق مصر فى الديون، وفى قلة الكفاءة، وفى تحويل مصر إلى دولة راعية للإرهاب، وفى تدمير مؤسسات الدولة من أجل «التمكين» لحكم فاشل وفاشىّ يتستر -زورًا وبهتانًا- وراء الدين البرىء مما يفعلون!! ما إن انتهى الدكتور مرسى من «الثرثرة الرئاسية» التى امتدت لأكثر من ساعتين ونصف الساعة، حتى بدأت الأجهزة الرسمية فى التحرك لتنفيذ تهديداته ضد الإعلام وتعليماته للوزراء والمحافظين بالتخلص من المعارضين.. هل هكذا يتصرف الثوار الذين يريدون استكمال المشوار؟! تهديد أصحاب المحطات الفضائية سلاح قديم استخدمه النظام السابق ويتم استخدامه الآن، كشوف الصحفيين والإعلاميين معدَّة للتحقيق معهم والضغط عليهم، تغيير مجلس إدارة المنطقة الحرة تمهيدا لاتخاذ إجراءات مع القنوات الفضائية التى لن ترضخ للتهديد.. نفس عقلية النظام الذى سقط هى عقلية النظام المحكوم عليه بالسقوط.. الاستبداد واحد والمصير لن يتغير! الأكثر انحطاطا كان الموقف من المناضل يحيى حسين، مدير مركز إعداد القادة، حيث تم إبعاده بقرار من مندوب المبيعات الذى أصبح فى غفلة من الزمن وزيرا للاستثمار. لم يفعل يحيى حسين شيئا إلا أن فتح قاعات المركز لمختلف القوى السياسية والفكرية لتنظيم مؤتمراتها هناك مقابل الرسوم المقررة.. كان المطلوب إغلاق الأبواب أمام المعارضة، ولم يكن ممكنا ليحيى حسين أن يخالف ضميره الوطنى، فكان القرار المرفوض الذى لا يثبت إلا شيئا واحدا، وهو أنه لا فرق بين النظام الذى سقط، والنظام الذى سيسقط بإذن الله وبإرادة الشعب. كان يحيى حسين يفجر فضيحة «عمر أفندى» ويقف وحده فى وجه الفساد ويدفع الثمن راضيًا وهو يتلقى نفس القرار من وزير آخر للاستثمار فى عهد مبارك. كان يحيى حسين يفعل ذلك بينما كان مرسى يعلن بالفم المليان أن «الإخوان» لن يقدموا مرشحين فى دوائر زكريا عزمى وبطرس غالى وغيرهما باعتبارهما «رموزا وطنية»! كان يحيى حسين يناضل من أجل الثورة، بينما كان غيره يعقد الصفقات الانتخابية مع أمن الدولة، ويعلن عدم الممانعة فى توريث الحكم، ما دام سينال الثمن!! والآن يكشف يحيى حسين وهو يواجه الاستبداد الجديد أن شيئا حقيقة لم يتغير.. ولن يتغير إلا حين تنتصر إرادة الشعب، وحين ننهى الخديعة ونستعيد الثورة لأصحابها الحقيقيين، وحين تخرج الملايين غدا لتنهى عاما من الخداع والكذب والتضليل، وتنقذ مصر من حكم فاشل وفاشىّ، سقطت عنه كل الأقنعة وظهر على حقيقته.. معاديا للثورة ومتاجرا بالدين!!