نشرت مجلة "التايم" الأمريكية اليوم الجمعة، مقالًا لمدير مكتبها بالشرق الأوسط "جاريد مالسين" تحدّث فيه عن أسباب استقالة أحمد داوود أوغلو من منصبه كرئيس وزراء تركيا، وعن المتوقّع من انفراد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالسُلطة في تركيا، وإلى نص المقال:- استقال أمس الخميس أحمد داوود أوغلو من منصبه كرئيس لوزراء تركيا في حركة درامية تُمهد الطريق أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوطيد سلطته الواسعة، وجاء رحيل أوغلو بينما يستعد أردوغان وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية" لحملة من أجل تحويل نظام الحكم البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي، وهو تغيير من شأنه تثبيت سلطة أردوغان في الحكم لسنواتٍ قادمة. وكان داوود أوغلو قد خلف أردوغان في منصب رئيس الوزراء في 2014، وبالإضافة إلى تعاونه مع أردوغان طيلة هذه الفترة فكان أوغلو واجهة أساسية لحزب العدالة والتنمية عندما فاز الحكم في انتخابات مجلس النوّاب في نوفمبر 2015. وكان أوغلو قد ألمح في خطابٍ تلفزيوني، أقامه للإعلان عن استقالته، إلى أن هناك بعض المشكلات مع أردوغان ولكنه متقبل حقيقة مغادرته لمركز القوّة في بلاده، وقال "طبقًا لصحيفة حريت التركية": " فترة ولايتي لم تستمر لمدة أربعة سنوات، وهذا ليس قراري، ولكنه ضرورة مُلحة حاليًا، وسوف تستمر صداقتي مع أردوغان حتى آخر نفسٍ لي". وكان أوغلو رئيس الحكومة في تركيا، ولكن كان هناك اعتقادًا سائدًا بأنه يحكم تحت ظل أردوغان الأكثر طموحًا بين الاثنين، ومع استقالة أوغلو، يعتقد الخبراء أن أردوغان قد أقصى أحد أشرس منافسيه على السلطة في تركيا. وأصبح التوتُّر بين الصديقين "أوغلو وأردوغان" واضحًا في الفترة الأخيرة على الرغم من أنّهم كانوا حلفاء وأصدقاء مُقرّبين لفترة طويلة، وسحب حزب الحرية والعدالة التركي الأسبوع الماضي سُلطة تعيين المسؤولين على مستوى المقاطعات من أردوغان، كما أنّ الزعيمين اختلفا علانيةً حول إمكانية استمرار المفاوضات مع المسلحين الأكراد الذين يحاربهم الجيش التركي في جنوب شرق البلاد. وقال "سينان أولجن" أحد الخبراء السياسيين في مجال العلاقات التُركية: إن "سببٌ من أسباب استقالة أوغلو هو أن أردوغان لم يعتقد أن أوغلو يدعم خطته الرئاسية، كما أن سببًا آخر، أكد أن أوغلو نفسه يأمُل في الاستقلال السياسي، وأعتقد أن هذه إشارة إلى أن الدولة تتجّه نحو النظام الرئاسي بخطى ثابتة، والحكومة القادمة الجديدة تحت حكم رئيس الوزراء الجديد سوف يكون لها دورٌ مستقلٌ ضئيلٌ للغاية أقل من الدور الذي لعبته حكومة أوغلو". وأعلن رؤساء الأحزاب المُعارضة تلك الحركة بأنّها استيلاء على السلطة من جانب أردوغان، وقال كمال قليتش دار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري العلماني والذي يحتل ثاني أكبر عدد من المقاعد في البرلمان: إنّه "يجب على كل مؤيدي الديمقراطية مُحاربة هذا الانقلاب في السلطة". وجاء خروج أوغلو بينما يستمر حزب العدالة والتنمية الحاكم في إقصاء وتقييد معارضيه السياسيين، ففي يوم الاثنين وافقت إحدى لجان البرلمان على قانون سوف يسحب الحصانة من النوّاب، وهي طريقة سوف تُسهِّل الطريق أمام مُحاكمة قادة المُعارضة السياسيين، وكان النوّاب من حزبي العدالة والتنمية والحزب الشعبي الجمهوري العلماني قد اشتبكا في صراع بالأيدي داخل قاعة البرلمان قبل التصويت على هذا القرار. وكان أردوغان قد دعا إلى محاكمة أعضاء الحزب الشعبي الجمهوري، مُتهمًا إيّاهم بارتباطهم بالمسلحين الأكراد، وعارض الحزب هذه الاتهامات بشكل كبير، وبالإضافة إلى السياسات البرلمانية المريرة التي تواجهها تركيا، فهي تعاني من صراع دموي مع الأكراد وموجة من الهجمات من تنظيم داعش، وكذلك وجود أكثر من 2.7 مليون لاجئ على أراضيها الذين هربوا من الحرب الأهلية في سوريا، ولكن ربما كانت هذه الهجمات وعدم الاستقرار الذي تحظى به تُركيا هو ما ثبّت أقدام حزب العدالة والتنمية في السُلطة. وبعد الانتخابات التي فاز بها حزب العدالة والتنمية العام الماضي، كثّفت الحكومة من الحملة العسكرية على المسلحين الأكراد، وأيضًا وسّعت من جهودها لتقييد حرية التعبير كما تقول أحزاب المعارضة، من ضمنها الاعتقالات والمحاكمات التي تواجه الصحفيين الخارجين على السلطة، ويقول مُعارضي أردوغان: إن "هذه الاعتقالات وبعض الطرق الأخرى توضّح مدى الحكم الاستبدادي الذي وصلت إليه الحكومة الحالية". والآن مع خروج خصم سياسي مُخضرم مثل داوود أوغلو من الحياة السياسية، من المتوقع أن يستمر أردوغان وحزبه في تحويل نظام الحكم في تركيا إلى نظام رئاسي، ويضيف بوراك كاديركان، خبير سياسي في الشؤون التركية في كلية الحرب البحرية الأمريكية، أن زوال أوغلو من المشهد السياسي كانت إشارة أن أردوغان يستعد حاليًا لخطوته القادمة، وأنا لست متفاجئ على الإطلاق من تنحي أوغلو فقد كنت أعتبره أكثر أهمية من أردوغان بالنسبة للأتراك، وأعتقد أنّه في هذه اللحظة فإن أردوغان في حاجةٍ إلى شخص أقلّ في الأهمية".