فى فيديو شهير له عندما كان وزيرًا للدفاع، وفى أحد لقاءاته مع جنود القوات المسلحة، جاء رد الفريق عبد الفتاح السيسى وقتها، على حديث أحد الضباط عن الأداء الإعلامى تجاه القوات المسلحة فيما بعد ثورة يناير وتعرض وسائل الإعلام أحيانًا للجيش، قائلا (لازم تكون عارف إننا مهمومين بالموضوع ده من أول يوم جيه فيه المجلس ودقنا النار يا عمر، ليه؟ علشان تعمل ده لازم يكون لك أذرع والذراع على ما يتعمل على مستوى الدولة بياخد وقت وجهد طويل على ما تستطيع إنك تمتلك حصة مناسبة فى التأثير إعلاميًّا، إحنا شغالين فى ده أكيد، بنحقق نتائج أفضل، لكن اللى إحنا عايزينه لسه موصلنالوش). (1) رغم تسريبات لاحقة عبر قنوات إخوانية لم تتأكد مدى صحتها أو دقتها تمامًا، نسبت لمدير مكتب الرئيس حاليًّا وكذلك مدير مكتبه سابقًا، فى حديث مع المتحدث العسكرى السابق، حول توجيهات إعلامية لبعض المذيعين والإعلاميين، فى أثناء حملة السيسى وقتها لانتخابات الرئاسة، وإن كان الواقع يشهد الكثير من الدلالات بغض النظر عن هذا التسريب، إلا أنه يبدو أن الإعلام لم يكن دائمًا مؤديًا للدور الذى يتصوره الرئيس حسب قناعاته، وهو ما بدا واضحًا فى تعليقات متعددة له لاحقًا بعد توليه موقع الرئاسة، فقد اعتبر فى كلمته خلال الاحتفال بتدشين محور تنمية قناة السويس فى أغسطس 2014 أن (الزعيم جمال عبد الناصر كان محظوظ لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه) مضيفا أن هناك (منهج وإستراتيجية وسياسات الهدف منها صف الشعب المصرى) مشهدًا المصريين على أن الإعلام عليه واجب ومسئولية فى هذا الأمر، ورغم أنه بعدها فى حديثه مع شبكة CNN الأمريكية فى سبتمبر 2015 وصف حرية الإعلام فى مصر أنها غير مسبوقة قائلا إن (لا أحد فى الإعلام أو الصحافة أو التليفزيون يمكن أن يتم الحجر على رأيه، ولم يحاسب أى صحفى أو إعلامى على رأيه)، إلا أن السيسى بعدها بأقل من شهرين فى خطابه بالندوة التثقيفية للقوات المسلحة فى نوفمبر 2015 كان يعلن بطريقة واضحة غضبه من الإعلام وانتقاداته، وهو الخطاب الذى اشتهر بجملة (مايصحش كده) تعليقًا على رأى بعض الإعلاميين فى معالجة أزمة سيولالإسكندرية، ولوح الرئيس فى خطابه بأنه سوف يشكو الإعلام للشعب! (2) ربما تكون أكثر فئة حرص السيسى على التواصل معها منذ كان مرشحًا للرئاسة وعلى مدار العام الأول من رئاسته هى الإعلاميين، فاجتماعاته معهم تعددت، ودعواته لهم فى أغلب لقاءاته وخطبه العامة واضحة، ومع ذلك فإن هناك فجوة واضحة تتزايد بين الإعلام والسلطة بشكل عام، والرئيس بشكل خاص.. وتبدو المشكلة الحقيقية فى اعتبار أن الاختلاف فى ذاته مشكلة، لأنه من الطبيعى جدًّا ألا يكون الإعلام كله برأى واحد، وألا يكون كل العاملين فى مجالاته المختلفة من صحافة وتليفزيون وإذاعة يرددون نفس رأى وموقف السلطة، والانطلاق من فكرة (الاصطفاف) التى قد تصلح فى قضايا بعينها باعتباره مهمة الإعلام هو جوهر أزمة التفكير الحاكم للسلطة الحالية فى علاقتها بالإعلام.. ورغم أن هذا المنهج سرى وجرى لفترة طويلة، ولا تزال بعض ملامحه قائمة وبعض الضغوط والتدخلات موجودة دون شك مهما جرى من نفى، ورغم أن ملامح المشهد الإعلامى تغيرت كثيرًا فيما بعد 30 يونيو عما قبلها، وغابت وجوه عديدة بارزة تميزت بمهنيتها وانتمائها لخط سياسى وموضوعى مغاير عن أغلب الموجود حاليا، فإن الأمور لم يكن ممكنًا أن تستمر بنفس الشكل، فى ظل أزمات سياسية واقتصادية متتالية، وكذلك فى ظل كون الأدوات الإعلامية نفسها جزءًا من صراعات سياسية واقتصادية وأمنية عديدة فى مصر. (3) إذاعة 9090 وموقع مبتدا الإلكترونى، هما أداتان إعلاميتان مملوكتان رسميًّا لشركة دى ميديا، التى أعلنت مؤخرًا عن البدء فى تأسيس قناة تليفزيونية كذلك، والأسماء المرشحة لتقديم برامج فى هذه القناة الجديدة تبدو لافتة من حيث مدى علاقتها بالسلطة الحالية وبعض أجهزتها، وأحدهم من بين هؤلاء الذين أجرى السيسى بنفسه معه من قبل مداخلة هاتفية فى برنامجه الحالى.. الشركة نفسها قامت بشراء قناة الناس الدينية، وأوكلت الإشراف عليها للدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق، وأحد المقربين من السلطة الحالية. الملفت هنا هو ما يثار حول تبعية هذه الأدوات لأحد الأجهزة فى مصر، وهو حديث شائع متردد لا يستطيع أحد إثباته بالتأكيد، لكن لم ينفه أحد أيضًا.. لكن اللافت هنا هو أن المدير العام والعضو المنتدب لهذه الشركة المالكة رسميًّا هو المهندس طارق إسماعيل، الذى كان أحد المسئولين عن حملة عبد الفتاح السيسى الرئاسية، وبعد فوزه بالرئاسة ترددت أنباء عن أنه سيكون المستشار الإعلامى للرئيس، قبل أن يتردد أنه قد اعتذر عن تولى هذا الموقع. بالتزامن مع ذلك، فقد كان الإعلان مؤخرًا عن تدشين حركة الإعلام الإيجابى، التى ضمت فى عضويتها وجوهًا أغلبها شابة، وغير معروفة إعلاميًّا، باستثناء البعض الذين قد يلفت الانتباه لهم الجهات التى يعملون بها، بين بعض الإذاعات منها إذاعة 9090، والتليفزيون المصرى الرسمى، بالإضافة لغيرهم.. كما قد يبدو لافتًا ظهور واضح ودعم معلن من أحد رجال الأعمال الجدد على الساحة، وهو ياسر سليم، الذى امتلك مؤخرًا أحد المواقع الإلكترونية، فضلا عن ملكيته إحدى الشركات العاملة فى مجال الدعاية والإعلان والتسويق والتى حصلت على حصة كبيرة فى هذه السوق فى فترة قصيرة، وهو رجل يثار العديد من الحديث أيضًا عن علاقاته بشخصيات وأجهزة، فضلا عن أدوار رئيسية لعبها فى مشهد الانتخابات البرلمانية الأخيرة. (4) هل قررت السلطة أو بعض أطرافها أن تمتلك بشكل مباشر أدواتها الإعلامية التى تمكنها من (حصة مناسبة فى التأثير إعلاميًّا) كما تحدث السيسى وقت أن كان وزيرًا للدفاع؟ وهل يعنى هذا أنها فقدت الرهان على بعض أدواتها الحالية، أو قررت استبعاد الاعتماد على بعض الكروت المحروقة، فى ظل صراع النفوذ والتأثير وتضارب الآراء والمصالح بينها وبين بعض ملاك الأدوات الإعلامية أو المسئولين عنها أو العاملين فيها؟ وهل قررت السلطة الحالية أن تصبح الدولة ومؤسساتها منافسة بشكل غير مباشر فى مجال وسوق الإعلام كما تفعل فى غيرها أيضًا بشكل غير مباشر؟ ولماذا فكرت السلطة فى إعادة وزارة الإعلام على طريقة وزارة الإرشاد القومى فى الستينيات وترشيح أسماء تنتمى لمنهج الشئون المعنوية لشغلها، رغم إلغائها مع تولى السيسى الرئاسة؟ وما علاقة ذلك بقوانين تنظيم الإعلام التى أعلنت الحكومة فى بيانها الأخير أمام مجلس النواب أنها ستقدمها قريبًا، رغم تعطيلها على مدار الشهور الماضية والالتفافات الكثيرة حول القوانين المقدمة من جانب نقابة الصحفيين واللجنة التى شكلت من صحفيين وإعلاميين لصياغة تلك التشريعات؟ (5) إجابات الأسئلة السابقة كلها تبدو مركبة ومعقدة ومتداخلة، لكن المؤكد فيها أن موقف السلطة من الإعلام يتلخص فى أنه (اللى احنا عايزينه لسه موصلنالوش)!