فى أثناء النهار.. ذهب رئيس الوزراء هشام قنديل إلى مجلس الشورى. ألقى بيانا عن أزمة السد الإثيوبى، ثم سارع بالفرار قبل أن يواجهه نواب التيار المدنى بالسؤال عن مسؤوليته فى الوصول إلى هذا الوضع المأساوى. وقبل أن يطالب بإجابة واضحة عن حقيقة ما نشر عن بيع وزارة الرى «حين كان يتولى مسؤوليتها» لمعلومات خطيرة عن مياه النيل لإحدى الشركات الأجنبية التى كانت تعد لإثيوبيا الدراسات الخاصة بسد النهضة! وفى أثناء النهار أيضا.. ذهب وزير الداخلية للمشاركة فى تشييع جنازة شهيد الوطن ضابط الشرطة محمد أبو شقرة الذى اغتيل فى قلب العريش. أدى الوزير الصلاة ثم اضطر إلى الفرار من غضب ضباط الشرطة الذين شيعوا جثمان فقيدهم بالهتاف ضد الرئيس والوزير والحكومة، وكل من أسهم فى ترك الوطن فريسة فى يد البلطجة والإرهاب! فى المساء.. كان الأخ الرئيس على موعد مع الأهل والعشيرة فى «زفة بلدى» تحتفل بالرئيس الذى حمل كل الخير لمصر (!!).. حيث الأمن مستتب، والاقتصاد مزدهر، والفقر يتراجع، والكهرباء لا تنقطع، والبنزين والسولار والغاز لا تجد من يشتريها، والأسعار تنخفض بصورة مذهلة، والحدود آمنة.. ولهذا يهتف الأهل والعشيرة الذين تم حشدهم: بنحبك يا مرسى! فى حديثه أمام الأهل والعشيرة، قدم الأخ الدكتور مرسى العزاء فى فقيد الشرطة ووعد بالقصاص.. تماما كما وعد قبل ذلك حين اغتيل جنودنا فى رمضان الماضى فى مذبحة رفح، وكما وعد مع كل شهيد يسقط بعد ذلك فى سيناء، وكما وعد مع اختطاف جنودنا وضياع هيبة الدولة.. إن كان قد تبقى منها شىء! وكان طبيعيا أن يثير المشهد سؤالا لم يجد الإجابة وهو: كيف يمكن القصاص من القتلة وتطهير سيناء ومصر كلها من الإرهاب، إذا كان هذا الإرهاب حاضرا وبقوة بين الأهل والعشيرة الذين يخاطبهم الدكتور مرسى ويحتفى بهم ويهتفون له؟! ولأن «الزفة البلدى» كانت تختفى وراء لافتة الأزمة الخطيرة التى أثارها قرار إثيوبيا ببناء سد النهضة، فقد كان لا بد أن يتحدث الأخ الدكتور مرسى ليعلن موقفا واضحا بأن مصر لن تتخلى عن نقطة مياه واحدة من مياه النيل، وأن كل الخيارات مفتوحة فى التعامل مع الأزمة. والسؤال هنا: إذا كان هذا هو الموقف الرسمى، فلماذا استبق الدكتور مرسى الأمر فى «الاجتماع السرى العلنى» ليعلن أن السد الإثيوبى لن يؤثر على المياه التى ترد لمصر، وأن تأثيره على الكهرباء ضئيل؟! ولماذا لم نكن جاهزين لموقف متوقع، فكان التخبط فى التعامل مع الأزمة؟! ثم.. إذا كانت كل الخيارات مفتوحة، فهل يمكن أن ننتظر خيرا مع حكومة لا تصلح لإدارة مخبز بلدى، ومع حكم يقود البلاد إلى الكارثة فى كل المجالات وهو سعيد بما يفعل؟! يقودنا ذلك إلى دعوة الدكتور مرسى إلى مصالحة وطنية لمواجهة الموقف. وكم كنا نود أن يكون الأمر جادا، لولا أن الواقع يقول غير ذلك! فمن يرد المصالحة الوطنية لا يسعى لتقسيم البلاد، ولا يجعل «التمكين» والاستحواذ على الدولة هو هدفه، ولا يدخل فى معارك ضد القضاء والصحافة والمثقفين، ولا يضع الثوار فى السجون، ولا يهدد الشعب بميليشيات الإرهاب! ومن يرد المصالحة الوطنية لا يرفض كل المحاولات التى بذلت للتوافق على دستور يليق بمصر بعد الثورة، ولا يصدر الإعلانات الاستبدادية، ولا يرفض تشكيل حكومة قومية ليفرض هذه الحكومة الفاشلة لأنها تتيح له فرصة «الأخونة» على مؤسسات الدولة، ولا يترك هذا النائب العام الملاكى رغم القانون وأحكام القضاء.. لكى يضيع العدل وتهدر دماء الشهداء، ويقبع أنبل الثوار فى زنازين السجون، بينما القتلة يمارسون الإرهاب ويجلسون فى الصفوف الأولى فى هذه «الزفة البلدى» التى لا تعبر إلا عن شىء واحد: أنهم جميعا يخافون من ساعة الحساب فى 30 يونيو. ويتملكهم الرعب من شعب عرف حجم الخديعة التى تعرض لها، وقرر أن يكون فى 30 يونيو على موعد مع الخلاص!