مع بدء الصوم الكبير في الكنيسة الكاثوليكية مطلع فبراير2013، تقدم البابا بندكت السادس عشر باستقالته؛ بدافع تقدم السن، في حدث لم تعهده الفاتيكان، وبتصاعد الدخان الأبيض من أعلى الكنيسة، وقرع الأجراس يوم 13 من الشهر التالي، أطل الكاردينال جون لوي توران على ساحة القديس بطرس لإعلام الحشود باسم البابا السادس والستون، الذي أتفق عليه 115 كردينالا في اجتماعهم السري، وبعد نحو 25 دقيقة، أزيح الستار ليطل «خورخيه ماريو برغوليو» على الحشود، طالبا منهم «أن يصلوا كي يبارك الله أسقف روما» قبل أن يوجه التحية المعتادة إلى المدينة والعالم. «برغوليو» اختار أن يصبح «البابا فرنسيس الأول»؛ تأثرا بالقديس فرنسيس الأسيزي، أحد معلمي الكنيسة والمعروف بالدفاع عن الفقراء والبساطة والسلام، وهو ما قالت عنه صحيفة «التلغراف» البريطانية حينها :«اختيار البابا لهذا الاسم يكشف الخلفية البسيطة التي جاء منها، وطريقته المتوقعة لإدارة الكنيسة، لكنه في الوقت ذاته صَعب من مهمته في المرحلة المقبلة». يقول صحفي أرجنتيني إنه عندما أرادت مجموعة من الأرجنتين - وهى الدولة التي جاء منها البابا فرنسيس - أن يأتوا إلى الفاتيكان للاحتفال به، طلب منهم تقديم الأموال التي كانوا يريدون تخصيصها للسفر إلى الفقراء أفضل. يصف الأب الأرجنتيني خوان إيساسمندي، البابا بأنه «شخص مهمّ جداً لمدينته، كان يمر بشوارعها سيراً على الأقدام بمفرده، أو ينتقل بالقطار، ولا يحب الطائرات أو السيارات الخاصة، وهو ما ظل يفضله حتى بعد أن صار بابا الفاتيكان، فيتخلى عن المواكب الرسمية أغلب الوقت».. البابا يُقيم في بيت القديسة مرثا لا، في المقر الرسمي في القصر الرسولي، ويحرص على زيارة مستشفى القديس فرنسيس الأسيزي في ريو دي جانيرو لمعالجة مدمنين المخدرات ويعانقهم.. يترأس مراسم إحياء (خميس العهد) ويقوم بغسل وتقبيل أقدام 12 رجلا وامرأة في سجن في روما يضم كثير من عتاة المجرمين، ذلك خلافا لما كان يحدث حيث كانت تقام مراسم احياء اليوم إما في الفاتيكان أو كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني لكنه قرر أن ينقله إلى الأحياء الفقيرة في روما.. جزء من مواقف حدثت طوال 3 سنوات قضاها البابا فرنسيس على كرسي الفاتيكان، يتممها يوم 19 من الشهر الجاري، زادت من شعبيته حول العالم، وأكدت أن اختيار اسم القديس فرنسيس الأسيزي بما يحمله من رسالة محبة وبساطة، لم يُصعب مهمته على عكس ما توقعت الصحيفة. «البابا القادر على إحداث تغييرات».. هكذا وصفوه الآباء بعدة كنائس كاثوليكية، ذاكرين لقاءه بالبطريرك كيريل، منذ يومين في العاصمة الكوبية هافانا، حينما عُقد أول لقاء بين رأس الكنيسة الكاثوليكية وبطريرك أكبر الكنائس الأرثوذكسية منذ نحو ألف عام، لتأكيد دعوته بتقارب الطوائف والكنائس المسيحية، وحضوره في وقت سابق لصلوات يهودية، إلى جانب لقائه بشيخ الأزهر أحمد الطيب على هامش «مؤتمر الأديان العالمي» المقام حاليا في ألمانيا. يقول عنه الأب بكنيسة القديس أنطونيوس الكبير بالفجالة، فرنسيس نوير، «تأثيره كبير علينا من الناحية الدينية والتعليمية، وفعل أكثر من موقف لا يمكن حصرهم أختلف به عن سابقيه»، كما يقول الأب بكنيسة سان جوزيف للرهبان الفرنسيسكان، بطرس دانيال، «يعلمنا البساطة والتواضع، فمن يصدق أن البابا يترك وفود أحيانا ومواكب رسمية ويذهب ليصلي للمرضى؟، ومن يصدق أنه يمتلك سيارة فيات؟، كما لا ننسى أنه كان دائم الصلاة من أجل مصر». لم يكن البابا فرنسيس رجل دين يحكم دولة طبقا للقواعد المتبعة وحسب، بكل كان لديه مواقف سياسية واضحة ومؤثرة، ما دفع مجلة التايمز الأمريكية لاختياره كشخصية العام في 2014. بدا خطاب البابا هو الأكثر تاثيرا في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر الماضي، دعا خلاله لمكافحة الفقر والتغيير المناخي وتسوية النزاعات التي ترغم آلاف اللاجئين على الفرار، وهو ما وصفته صحيفة «واشنطن بوست» أنه اختلف عن خطب سلفه البابا بندكت السادس عشر من ناحية النمط والموضوع، فقد ركز “بنديكت” على حقوق الإنسان والكرامة، وعلى النقيض كان تركيز البابا فرنسيس على قضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وفيما يخص حقوق الإنسان، قال: «عالم اليوم يقدم لنا الكثير من الحقوق الكاذبة، وفي نفس الوقت، هناك العديد من القطاعات الواسعة عرضة للخطر». وفي نوفمبر من العام الماضي، بدأ البابا فرنسيس المحطة الأكثر خطورة في جولة افريقية عبر توجهه إلى بانجي، عاصمة إفريقيا الوسطى، التي تشهد أعمال عنف دينية لحمل رسالة سلام ومصالحة، ورفض أن ينصاع لتعليمات أمنية ويلغي أى من برنامج الجولة. وأعلن خلال زيارته لمساجد هناك إنه يريد توجيه تحية إلى كل سكان إفريقيا الوسطى «مهما كانت إثنيتهم أو ديانتهم». وكان للبابا موقف من المرشح الرئاسي الأمريكي، دونالد ترامب، حين قال إنه «لا يمكن ان يكون مسيحيا لأن الذين يتكلمون عن تشييد الجدران بدل الجسورلا يمكن لهم أن يدعوا انهم مسيحيون»، وذلك بعد أن وعد «ترامب» مؤيديه بأنه سيشيد جدارا على طول الحدود الامريكية المكسيكية لمنع الهجرة غير الشرعية. كرجل كسر«البروتوكول والسائد»، لم يكن غريبا أن يرفض ارتداء السترة الواقية من الرصاص، رغم تهديده بالاغتيال، واصفها ب«مجرد علبة سردين تفصله عن الناس»، وقال في حوار صحفي مع صحيفة «لافنغوارديا» الإسبانية إنه «صحيح أنه بالإمكان أن يحدث أي شيء، ولكن في عمري ليس لي الكثير لأخسره»، وهو قول ربما لا ينفصل عن إعلان رفضه أن يكون زعيم للكنيسة الكاثوليكية لسنوات طويلة حتى وإن ظل على قيد الحياة.