تخوض النخبة السياسية المصرية بمفكريها ومنظريها، بالذات تلك المعبرة عن التيار المدنى، معركة داخلية حامية الوطيس اسمها معركة البديل تظهر واضحة فى كثرة تجمعات العصف الذهنى وجلسات الحوار المغلقة التى يتناقش فيها هؤلاء المفكرون والمثقفون مع بعضهم البعض من اجل الخروج ببدائل عن النظام الحالى الذى يرى الجميع انه غير قادر على تقديم اى حلول مقبولة او عملية لمشكلات مصر السايسية والاجتماعية والاقتصادية وان المسرح السياسيى الداخلى والاقليمى والعالمى يجهز الان للاستبداله. وقد نتج عن هذه الجلسات انقسام النخبة بين من يرى أن البديل (مشروع) وبين من يرى أن البديل (شخص) والحقيقة أن هذا الانقسام يضيع الكثير من الوقت والمجهود.. ولهذا قررت أن أتصدى له بالتحليل وربنا يعنى على (دول) و(دوكهم)... ينطلق أصحاب رأي أن البديل (مشروع) من أن السبب الرئيسي لفشل ثورة 25 يناير هو أن الثورة لم يكن لها مشروعًا يعبر عنها، وأنها قد قامت من أجل التخلص من حسني مبارك ونظامه دون أن تكون جاهزة بمشروع متكامل يكون بديلًا عن مشروع مبارك والحزب الوطني ولأنها ثورة بلا مشروع فقد نجح الانتهازيون من الإخوان فى تصدير مشروعهم الإسلامي السياسيي للجماهير واختطاف الثورة ثم نجح الانتهازيون من العسكر في مرحلة أخرى في تصدير مشروع استعادة الدولة العميقة المستقرة واختطاف الثورة لصالحهم.. ولهذا فإن الحل المنطقي يكون في طرح (مشروع) متكامل للحكم الرشيد يكون هو (البديل) ويفرز قياداته من داخله ويطرحها على الجماهير بعد أن تكون الجماهير قد تبنت المشروع بالفعل كبديل واضح لحكم البلاد. ينطلق أصحاب رأي أن البديل (شخص) من أن السبب الرئيسي لفشل ثورة 25 يناير، أنها كانت ثورة بلا قائد، وأنها لم تنجح في أن تفرز قيادات يلتف حولها المصريون، ما أدى إلى أن ركبها الانتهازيون من الإخوان مرة وركبها الانتهازيون من العسكر مرة أخرى حتى وصلنا إلى الانقلاب التام على أهداف ومبادئ الثورة التي تلخصت في :العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ثم أضيف لها الكرامة الإنسانية حتى هذه الأهداف أو الأفكار البسيطة لم تتحقق؛ بل انقلب عليها النظام حتى أصبحنا وبمنتهى الصراحة في موقف اسوء بكثير من موقفنا قبل 25 يناير 2011 في قضايا العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ما أره هو أن ثورة 25 يناير لم تفشل حتى الآن وأن الثورات، كما يعلمنا التاريخ، تمر بموجات من النجاح والانحسار، لكنها دائمًا وأبدًا ما تنجح، لأن سعى الناس للحرية والعدل والمساوة والكرامة الإنسانية هو سعي فطري لا ينتهي إلا بتحقيقه مهما كانت العقبات.. من ثم فإن المنطلق الأساسي الذي ينطلق منه أصحاب البديل (مشروع) وأصحاب البديل (شخص) منطلق خاطئ وغير حقيقي.. فالثورة ببساطة لم تفشل.. الثورة مستمرة.. هذا أولًا.. تحليل الأحداث والمشاهد القريبة التي تحفظها الذاكرة حتى اليوم، فالثورة ما تزال عمرها خمس سنوات، يؤكد أن الثورة كان لها مشروعًا وقادة منذ اليوم الأول؛ بل وقبل انفجارها إذا ما أردنا الإنصاف. الثورة أرست مبادئ أو أفكار منذ اللحظة الأولى، فشعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية كان يحملها الثوار في ميادين الثورة منذ اللحظة الأولى، ثم أن هتاف (الشعب يريد إسقاط النظام) يوضح ببساطة مذهلة أن الثوار كانوا مدركين منذ اللحظة الأولى أنهم يواجهون نظامًا ولا يواجهون حاكمًا فردًا عجوزًا خرفًا اسمه مبارك، لهذا كان هتافهم بإسقاط النظام سابقا ل (ارحل) وغيرها من الهتافات التي كانت تستهدف مبارك الشخص... هذا شعبًا ثار منذ اللحظة الأولى ضد نظام وليس ضد فرد. ثورة 25 يناير ثورة شعبية من الطراز الأول شارك فيها كل المصريين على اختلاف مشاربهم الفكرية وانتماءتهم السياسية، ولأنها ثورة شعبية غير مؤلجة فقد كان من الطبيعي ألّا تكون حاملة لمشروعًا فكريًا واضح المعالم ينطلق من ايديولوجية راسخة وهكذا تكون دائمًا الثورات الشعبية التي تقوم بها كل الجماهير نحن بصدد ثورة أقرب من تكون إلى الثورة الفرنسية ثورة الناس ضد الظلم والعبودية ثورة اقتحام سجن الباستيل أو (أمن الدولة) إذا أردت التمصير، لسنا بصدد ثورة مثل الثورة البلشفية التي قادها لينين وكانت تحمل مشروعًا شيوعيًا جاهزًا للتفيذ من اللحظة الأولى، ولكن هل معنى هذا أن الثورة لم تفرز مشروعا؟؟؟ لا أبدا لقد استطاعت الثورة ومنذ اندلاعها أن تطرح مجموعة من الأفكار والمبادئ الأساسية التي تشكل أساسًا صلبًا لمشروع وطني متكامل لحكم مصر... فقط تذكر مجموعة الأهداف الرئيسية: العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامية الإنسانية اليست هذه هي دعائم الحكم الرشيد؟؟؟ ثم لقد انخرط الثوار منذ اليوم الاول، خاصة بعد خلع مبارك، فى نقاشات وجلسات فكرية متعددة، حضرت أنا شخصيًا العديد منها؛ بل أن المواطنيين العاديين كانوا يتطوعون بعقد هذه الجلسات في منازلهم الخاصة في هذا الوقت، وقد أفرزت كل هذه المجهودات عن إقامة العديد من الأحزاب التي يصلح برنامج أي حزبًا منهم ليكون مشروعًا متكاملا لحكم البلاد، بل وأفرزت الثورة أيضًا إعمالًا فكرية متخصصة في منتهى النضج من أجل إصلاح فساد دولة مبارك مثل مبادرة إعادة هيكلة الشرطة المصرية ومحاربة الفساد المؤسسي وغيرها كل هذه المشارع والأعمال الفكرية موجودة وجاهزة بالفعل للتطبيق؛ إذا ما توافرت إرادة سياسية لتطبيقها.... إذا (المشروع) أو المشاريع موجودة بالفعل... أما عن أن الثورة لم تفرز قادة فهذا أيضًا ادّعاء غير حقيقي بالمرة والقائمة طويلة تبدأ من البرادعى وتنتهي بعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة وأحمد ماهر وزملائهم من الذين قادوا الحراك السياسي على الأرض، نعم كان هناك الكثير من العملاء والسياسيين الفاسيدين الذين أكلوا على كل الموائد أمثال رفعت السعيد والسيد البدوي و(إلى حد ما) حمدين وبقايا الناصريين مثل سامح عاشور وغيرهم، لكن الحقيقة أن القادة الحقيقيون كانوا يعرفون من اللحظة الأولى فساد هذه النخبة المصطنعة التي هادنت مبارك طويلا ولهذا ابتعد عنهم البرادعى مثلا منذ اليوم الأول ورفض التنسيق معهم وفضل أن يعمل مع الشباب الذي كان يصنع الأحداث على الأرض هؤلاء كانوا الأقرب للبرادعي الذي كان يمثل عقل وضمير هذه الثورة.... إذا كان هناك مفكرون وقادة بالفعل وكانوا على الأرض وكانوا يصنعون الأحداث فلماذا لم يحكموا؟؟؟؟ لم يحكموا لأسبابا متعددة فى الحقيقة لعل أهمها هو أن الإخوان والعسكر قد عقدوا حلفًا خفيًا منذ اللحظة الأولى وقد كان نقاء الشباب وقائدهم البرادعى سببًا رئيسيًا في عدم إدراكهم لطبيعة هذا الحلف الذى يهدف الى اعادة اقتسام السلطة بين العسكر والاخوان ولو بشروط جديدة، المهم الا يركب اصحاب الثورة الحقيقون.. عموما ليس هذا هو موضوعنا فى هذا المقال... الملخص أن الثورة قد أفرزت قادة وأن القادة لم يحكموا لتحالف بعض فرقاء الثورة مع النظام العسكرى ضد الثورة نفسها للأسف الشديد. نخلص من هذا المقال حتى الآن إلى أن هناك بالفعل (مشروع) أو مشاريع للثورة وأن هناك أيضًا بالفعل (شخص) أو أشخاص لقيادة هذه الثورة فأين هى المشكلة؟؟؟؟ تابعونا في صناعة البديل «2»